كردستان والإشكالية التركية!

كاظم حبيب

aliraqi_future2000@yahoo.com

يقول المثل الإنكليزي النابت بـ "أن الحقائق صخور صلدة تشج رأس من ينطحها". وهذا المثل الواقعي ينطبق كلية على مشكلة وعقدة تركيا مع كردستان. فالحكومة التركية ترفض الاعتراف بوجود منطقة في الشرق الأوسط أسمها كردستان موزعة على أربع دول هي تركيا وسوريا والعراق وإيران في آخر تقسيم لها في نهاية الحرب العالمية الأولى, وأن على هذه الأرض الطيبة تعيش أمة واحدة هي الأمة الكردية, وأن جزءاً من هذه الأمة يعيش في تركيا هو الشعب الكردي, وجزء آخر منها يعيش في العراق وثالث في إيران ورابع في سوريا, إضافة إلى وجود عدة ملايين يعيشون في الشتات بسبب الاضهاد والمطاردة وقسوة التعامل مع الناس. ولم تكتف الدولة التركية بعدم الاعتراف بكردستان والشعب الكردي فحسب, بل حرمته لعقود طويلة من حقه في الحديث بلغة الأم, اللغة الكردية. كما مارست الاضطهاد والتعسف والقسوة ضد الكرد الذين طالبوا بحريتهم وحقهم في تقرير المصير أو الذين ناضلوا في أحزاب سياسية كردية في ذلك الجزء من كردستان الذي يقع في حدود الدولة التركية. وقادت تلك السياسة ليس إلى ظهور أحزاب سياسية كردية سرية فحسب, بل إلى بروز قوى تطالب بممارسة الكفاح المسلح لنيل الحقوق العادلة والمشروعة وفي المقدمة منها حق تقرير المصير, إذ أن تشكيل الأحزاب السياسية الكردية كان محرماً وفق القوانين التركية الظالمة, وكانت عقوبيتها السجن والتعذيب في أقبية السجون التركية التي لا تختلف كثيراً عن سجون الدولة العثمانية كثيراً, ولم يكن حزباً كردياً واحداً يخوض هذا النوع الصعب من النضال المسلح ضد الحكومة التركية, بل كانت هناك مجموعة من الأحزاب السياسية التي سعت إلى ممارسة السياسة السلمية في نضالها ولكن دون طائل.

إن رفض الاعتراف بحقائق الوضع على الأرض في الدولة التركية ومن جانب حكومتها يزيد الأمر سوءاً ويؤجج الصراع القومي والنزاع المسلح. وبدلاًً من قيام أوردغان طيب, رئيس حكومة تركيا, بممارسة سياسة جديدة إزاء الشعب الكردي في كردستان تركيا ومنحه حقوق الإنسان والحقوق القومية المشروعة ومنها حقه في تقرير المصير وإقامة الفيدرالية فيها لكي يحسوا بأنهم مواطنون من الدرجة الأولى وليس من الدرجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة, بسبب سوء المعاملة والتمييز والاضطهخاد والتخلف الكبير في المناطق الكردية من حيث التنمية الاقتصادية والبشرية والبطالة الواسعة والفقر المدقع, وبدلاً من كل ذلك, تتهم الحكومة التركية الأحزاب الكردستانية في كردستان العراق وحكومة الإقليم بأنها تساند حزب العمال الكردستاني, في حين أنها تدرك بأن الكرد في كردستان العراق لا يتدخلوا في شؤون الدولة التركية وأنهم غير قادرين على منع حركة الكرد من كردستان تركية على الحدود العراقية التركية الذين يطالبون بحقوقهم, كما كان الكرد في كردستان العراق يطالبون بحقوقهم, أو كما يناضل الكرد في كردستان إيران أو في سوريا من أجل حقوقهم العادلة, رغم ما بذل حتى الآن من جهد في هذا الصدد. فالدولة التركية لا تكف عن ممارسة العنف وترفض التفاوض من أجل حل هذه المسكلة وهي أشبه بالنعامة التي تدفن رأسها بالرمال حين ترى عدوها أمامها. كما انها تعيق دخولها في الاتحاد الأوروزبي لانعدام الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان عموماً وموقفها غير المشروع والمنافي لكل معايير شرعة حقوق الإنسان من القضية الكردية والشعب الكردي في كردستان تركيا.

ورغم أن الحكومة التركية تدرك ذلك تماماً فإنها تحاول الابتزاز والضغط المتواصل وإعطاء تصريحات استفزازية ضد القوى الكردستانية في كردستان العراق وضد حكومة الإقليم. ولم تكتف بذلك فهي تهدد بالتدخل الفظ في شؤون العراق الداخلية واجتياز الحدود العراقية التركية لمطاردة المسلحين من أعضاء حزب العمال الكردستاني, كما كانت تفعل في زمن حكم الدكتاتور المخلوع والراحل صدام حسين.

وأخيراً أعلن رئيس وزراء تركيا بأن تركيا لن تسكت إذا سيطر الكرد على كركوك. إن هذا التصريح ليس فقط استفزازي بل وتدخل فظ ومرفوض في شؤون العراق الداخلية وإساءة كبيرة للسيادة الوطنية. فالعراق قد حدد في المادة 140 من دستوره الجديد الذي أقر في العام 2006 صيغة التعامل مع الخلاف القائم حول كركوك. لقد وضعت المادة 140 جدولاً زمنياًً وآلية خاصة لمعالجة المشكلة بعيداً عن الصراع والنزاع الدموي الذي يريد الترك, وبعض القوى القومية العربية المماثلة للترك شوفينياً, دفع سكان كركوك إليه.

إن الحل الديمقراطي والعقلاني لمسألة كركوك يمر عبر هذا القانون وبطرق سلمية ديمقراطية وليس عبر النزاع المسلح والتهديد والوعيد من الخارج.  

لقد لعبت الحكومات التركية دوماً دوراً غير إيجابي في معالجة المشكلة الكردستانية في العراق وحاولت تأليب واستعداء الحكومات العراقية المتعاقبة والدول المجاورة ضد النضال التحرري للشعب الكردي, ومارست عقد المؤتمرات الثنائية والثلاثية والرباعية بينها وبين العراق وبينها وبين تركيا وإيران وسوريا والتنسيق من أجل أجهاض النضال الكردي. هكذا كان في العهد الملكي وهكذا كان في العهد الجمهوري, وخاصة في فترة حكم البعث والحكومات القومية ومن ثم في ظل خزب البعث وحكمه المقيت في العراق حتى سقوطه في العام 2003. إلا أن الشعب الكردي استطاع بنضاله الطويل والمرير ووالتضحيات الغالية والكبيرة, وبدعم من القوى الديمقراطية والعقلانية العراقية, أن يقيم إقليماً فدرالياً ضمن الدولة أو الجمهورية العراقية منذ العام 1992 ومن ثم كرس ذلك في الدستور العراقي في العام 2006 وفي دولة عراقية اتحادية. وسيحافظ الشعب الكردي على هذا الإنجاز في إطار حقه في تقرير مصيره بنفسه. وعلى تركيا لا أن ترمي بتبعية سياساتها الشوفينية والعدوانية ضد الشعب الكردي في كردستان تركيا على عاتق الشعب الكردي ورئاسة وحكومة وأحزتب إقليم كردستان العراق وكأنهم هم المسؤولون عن النضال العادل الذي يخوضه الشعب الكردي في كردستان تركيا.

وأنا واثق بأن الشعب الكردي في كردستان العراق سيحافظ على منجزاته السياسية وسيواجه بصرامة وجرأة التدحل التركي أو الإيراني وغيره في شؤون كردستان والعراق. وأنا واثق أيضاً بأن قائمة التحالف الكردستانية سوف لن تسمح للحكومة التركية بالتدخل في شؤون كردستان العراق. كما أن الحكومة العراقية سترفض مثل هذا التدخل أو يفترض فيها أن ترفضه, إذ يتناقض مع الاستقلال والسيادة الوطنية العراقية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com