شخبطة على الحائط   

حمارة جحا وجحا اضحكا التاريخ

توما شماني – تورونتو / عضو اتحاد المؤرخين العرب

tshamani@rogers.com

جحا بطل فولكلوري ظهر كما يرى بعض المتابعين لسيرته منذ قيام الامويين، وقيل ان اسمه أبو الغصن دُجين الفزاري. بقي حيا حتى القرن الثاني الهجري. اختلف فيه الرواة والمؤرخون، فقال البعض عنه كان مجنوناً وقال آخرون إنه رجل سوي وكان يتحامق او يدّعي التحامق لينتقد ويسخر على اهل زمانه وحكامهم دون خوف. اغلب الظن ان جحا مزيج فولكلوري متراكم تضخم مع مر عصور الارتفاع والهبوط  في الحياة والاقدار وغدى جزء من الفولكلور والادب والثقافة يوم لم يكن في الدنيا آنئذ مجلات ولا صحف ولا تلفزيوات ينسر بها الناس لتضييع الوقت، وشخصية جحا متكررة في المجتمعات الاخرى كعلي بابا وملا نصر الدين و(ربما يظاف لهم خير الله طلفاح خال صدام وحمييه) في كل من ايران وتركيا العثمانية.                                                                                                                                      بيد ان شخصية جحا الأحمق لم تدخل التاريخ منفردة بل الى صفه حمارة جحا وحيث تبدو حمارة جحا في الروايات اكثر فطنة واتزانا وعقلانية من جحا البطل. بل إنك تجد الطرائف الواردة في كتاب (نوادر جحا) المذكور في فهرست ابن النديم (377هـ) هي نفسها لم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية، فجحا العربي عاش في القرن الأول الهجري واشتهرت حكاياته في القرنين الثاني والثالث، وفي القرون التي تلت ذلك أصبح (جحا) وحكاياته الظريفة على كل لسان وهي ماتزال قائمة في العصر الحديث، وقد ألّفت مئات الحكايات المضحكة ونُسبت إليه بعد ذلك، ويبدو أن الأمم الأخرى استهوتها فكرة وجود شخصية ظريفة مضحكة في أدبها الشعبي لنقد الحكام والسخرية من الطغاة والظالمين، فنقلت فكرة (جحا العربي) إلى آدابها مباشرة، وهكذا تجد شخصية (نصر الدين خوجه) في تركيا العثمانية، و(ملا نصر الدين) في إيران، و(غابروفو) جحا بلغاريا المحبوب، و(ارتين) جحا أرمينيا صاحب اللسان السليط، و(آرو) جحا يوغسلافيا المغفل. وبعودة بسيطة إلى التاريخ نكتشف أن كل هذه الشخصيات في تلك الأمم قد ولدت واشتهرت في القرون المتأخرة، وهناك شك في وجودها أصلاً، فأغلب المؤرخين يعتقدون أنها شخصيات أسطورية لا وجود لها في الواقع، وقد اشتهرت حكاياتها في القرون الستة الأخيرة، وربما أشهرها وأقدمها هو (الخوجة نصر الدين) العثماني الذي عاصر تيمورلنك في القرن الرابع الهجري، كما يتضح ذلك من حكاياته الطريفة مع هذا الطاغية المغولي. نكتفي بهذا التعريف واليكم ما اطرف وفرفش الناس. سال الوالي جحا يوما  الى متى يلد الناس ويموتون فاجابه جحا فورا، الى ان تمتلئ الجنة وجهنم بهم ولا يعد هناك مكانا لاي واحد حتى بالواسطة. نظر جحا ليلة الى البئر فرأى خيال القمر في الماء فقال مسكين هذا القمر كيف سقط في البئر .تحمس جحه لانقاذه من الماء فراح يحرك الدلو في الماء ليصعد القمر به، فعلق الدلو بحجر فشده جحا واعتقد ان ثقل القمر هو الذي عاقه عن الارتفاع، وبينما هو يشد بكل قوته انحرف الدلو عن الحجر فسقط جحا على ظهره فرأى القمر في السماء، فقال الحمدلله لقد تكسرت اضلاعي ولكني انقذت القمرالمسكين. سال الناس جحا يوما لو كنت خليفة كالموفق بالله و المتوكل بالله والمعتصم بالله فماذا يلقبونك، اجاب جحا على الفور (العياذ بالله). سؤل جحا يوما : في اي برج ولدت ؟؟ اجاب برج التيس قالوا، ليس هناك في علم الابراج برج التيس فاجاب عندما كنت طفلا فتحت لي والدتي طالعي، قالو لها انه برج الجدي، والان وقد فات اربعين عاما فلا شك ان الجدي كبر واصبح تيسا. سالو جحا يوما: كم عمرك، أجاب عمري اربعين عاما، وبعد مضي عشرة اعوام سالوه كم عمرك قال اربعين، فقالوا له سالناك قبل عشرة اعوام عن عمرك فقلت اربعين، والان تقول اربعين فكيف هذ ولابد انك منافق!؟ رد عليهم جحا، الرجل المحترم لايغير كلامه. قصد جحا بائع الحليب الغشاش وقال جحا اعطني قنينة من الحليب. قال له البائع أراك تحمل قنينتين يا جحا؟ أجاب جحا لكي تضع الحليب في قنينة والماء في قنينة آخرى. كان جحا مسافرا إلى بلدة بعيدة فأخذ معه كيسا كبيرا من السكر، سأله بعضهم  لماذا تأخذ معك كيس السكر ، اجابهم لان الغربة مرة. ماتت زوجة جحا فلم يأسف، وبعد مدة مات حماره فحزن واغتم حزن اسى على الحمار .ساله جبرانه فقالوا له يالك من سيء ماتت امرأتك ولم تحزن هذا الحزن الذي حزنته على موت حمـارك فهل انت تحب حمارك اكثر من زوجتك ام عيالك، أجابهم عندما توفت زوجتي حضر الجيران وقالوا لا تحـزن فسـوف نجد لك أحسن منها، ولكن عندما مات الحمار لم يأت أحد يسليني أفلا يجدر بي أن يشـتد حزني. جلس جحا تحت شجرة يأكل عنباً فطارت حبة عنب من بين يديه بينما كان يهم بابتلاعها. فقال محللا الحالة، عجيب حتى العنب يهرب من الموت. كان جحا يملك عشرة حمير فركب واحدا فعد الباقي فإذا هي تسعة ثم نزل من الحمار العاشر فإذا هي عشرة. فحدث نفسه قائلا، أمشي وأكسب حمار بدلا من أن اركب واخسر حمارتيً! ضاعت حمارة جحا فأخذ يصيح ضاعت الحمارة والحمد لله. قيل له، انك مجنون كيف تحمد الله على ضياعها؟! اجاب نعم، لو أنني كنت أركبها لضعت معها، ولن أجد نفسي!. من مأثورات جحا انه يبدو حكيما احيانا فيقول عن الزواج، قبح الله من تزوجوا قبلي، لان أيا منهم لم يحك لي شيئا عن زواجه وقبح الله أيضاً من تزوجوا بعدي لان اياً منهم لم يستشرني. تجمع امام بيت  جحا، عددا  من الصغار وراحوا يصفقون ويغنون على باب منزله. فكر جحا في طريقة للتخلص منهم، فقال لهم اذهبوا الى ذاك البيت فإن اهله يوزعون الحلويات والفواكه، فركض الصغار نحو ذلك البيت، ثم قال جحا لنفسه قد يكون الامر صحيحا، فركض وراء الصغار نحو ذلك البيت. عندما كان جحا راكبا بغلته ضلت به في الطريق، لقيه صديق له سأله إلى أين يا جحا؟ اجابه جحا قالت لي البغلة تتبع آثار صديقها البغل وانا اعطيها الحرية. عندما نام جحا، تسلل اللّصوص إلى بيته ليلا. سمع جحا الخشخشات استفاق لكنّه لم يتحرّك من الخوف الكبير الذي استولى عليه. حمل اللصوص كل شيء من بيت جحا ما عدا السرير حيث كان خائفا ملتحفا مظهرا نفسه انه في نوم عميق وبعد أن خرج اللصوص، حمل جحا السرير واللّحاف وتبع اللصوص سريعا. وفي إحدى الأزقّة التفتَ اللّصوص وإذا بجحا يتبعهم حاملا سريره على ظهره، فصاحوا به لماذا تتبعناا؟ فردّ جحا: ألسنا ننقل البيت! اختصم بخيلان فحسم جحا الامر بينما، قال البخيل الاول ان الآخر أكل خبزه على رائحة شوائه وطالب الرجل بثمن الشواء الذي لم يأكله. سال جحا البخيل الأول وكم ثمن الشواء الذي تريده من الرجل؟ اجاب ربع دينار. اخذ جحا من البخيل دينارا، ثم رنه على الأرض ثم أعاده إلى صاحبه قائلا للبخيل، إن رنين الدينار ثمن كاف لرائحة الشواء. كامت حمارة جحا اكثر ذكاء من مالكها جحا اذ تعرف من جرة اللجام ان كانت زوجته قد اقلته كثيرا ليلا بطلباتها. ويوم يكون جحا مرتاحا من ام الولد ليلا فان جرته تكون هادئة لذا فهي تجاريه يوم بكون محتدا من ام الولد وتكون لطيفة في مشيتها لتهدئته. جحا وحمارته بقيا متعة وفرفشة لاجيال وقرون مضت، وفي العراق الكئيب قطعوا رأس جحا ورأس حمارة جحا امام شاشات التلفزيون تحت اناشيد الباطل والبربرة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com