دأبَ لوبي اليمين الإسرائيلس المحافظ الجديد على إعتبار كيان نهر الأردن أشبه بكيان الكويت بالنسبة للعراق العثماني ودولته التي تأسست في ظلّ الإنتداب البريطاني، جزء لايتجزأ من كيان الدولة العبريّة في فلسطين، وكما منح َ صدّام المقبور ما لايملك، نصف شط العرب ونصف منطقة الشلامجة الجنوبيّة الشرقيّة الحدوديّة لمن لايستحقّ آخر ملوك فارس بهلوي، أعاد صدّام المقبور ترسيم حدود العراق لصالح المملكة الأردنيّة، في سابقة سمحت للأمم المتحدة ترسيم حدود للكويت، وفق بديهيّة إلزموهم بما التزموا به من رضا بالهوان، ومثله كان تسامح شعب الله المختار في مقايضته أجزاء من "وطن الأجداد إسرائيل" بالسلام، إذ أن رئيس حكومة إسرائيل الأسبق نتنياهو اعتبر الجود بالأردن غاية "الجودِ" المؤلم رغبة بالسلام، وما سابقة إنسحاب إسرائيل من قطاع غزة وجزء من الضفة الغربية، إلآ برهان"صادق أمين" لتنفيذ قرار المجتمع الدولي رقم 242 الذي نصّ على جعل"أراض عربية محتلة قبل 40 سنة، سنة1967م" قرباناً وعُربونَ وئام. ومثله احتفاظ إسرائيل بفقط20% من هضبة الجولان السورية المحتلة، مقابل أراض لبنانية أو أردنية مساوية مرنة مشروعة في الحجم والنوعية تعطى لسورية، شريطة تعويض إسرائيل للأردن مقابل ذلك بأراض في وادي عربة، أو لبنان بمناطق مأهولة بالفلسطينيين في الشمال. ففي حديث لصحفية إيطالية زايدَ بطل الصمود والتصدّي الأسد الإبن سليل الساميّة وحنيفيّة إبراهيم عليه السلام، على رئيس الحكومة الإسرائيلية بالتفضل عن رضا بالجنوح للسلم . وكان مثله حديث وزير خارجيته وليد المعلم لصحيفة"واشنطن بوست"، في دعو ته الولايات المتحدة للحوار مع حكم البعث الوحيد في سوريّة، لأنّ المحصلة النهائيّة الإستراتيجية لصالح الأجندة الأميركية في منطقة الشرق الأوسع وعاصمته بغداد، قائلآ:"نحن نرغب باستعادة الجولان لكن ليس ذلك شرطاً" وفي ذات الوقت يعمل نظام البعث البوليسي على تفجير الوضع الداخلي في العراق ولبنان.أمس الأوّل إذ أشرنا الى مدير عام وزارة الخارجية الأسبق ألون ليل، أعلن هذا بأنه أطْلَعَ القيادة الإسرائيلية على نتائج الإتصالات التي أجراها مع قيادات سورية، من ضمنها إستعداد دمشق لـ"مغادرة" حلفها مع طهران، موكدا بأن الشوام إقترحوا عقد اجتماع سرّي طارئ في أوروبا خلال الحرب على لبنان صيف العام الماضي، وإن الرئيس الأسد الإبن"مهتم جداً" بإعادة فتح محادثات سلام مع إسرائيل.
وقال ليل الذي اتصل بالسوريين لأكثر من عامين قبل زيارة طالباني التاريخيّة لأوّل رئيس جمهوريّة عراقي مُذ ما بعد هزيمة الأنظمة العروبيّة أمام الدولة العبريّة في حزيران1967م، وكان ذاك الإتصال السرّي للغاية على هامش مؤتمر الحوار الإستراتيجي في كليّة نتانيا الأكاديمية، موكداً بقوله:"لقد تحدثتُ مع كلّ من حريّ التحدث معه (في إسرائيل) قبلَ أيّ لقاء (مع السوريين) ولم أغادر الى لقاءات من دون الإبلاغ بذلك، وأعطيت تقارير تحريريّة وشفويّة فور عودتي"، معرباً عن اعتقاده بأنّ ثمّتْ قنوات إتصال مع البعث الحاكم، لدى رجل الأعمال الأميركي من أصل سوري إبراهيم سليمان الذي أشرنا إليه في موضوع سابق أيضاً، والذي إجتمع معه. من جهته ليل أبلغ كبار المسؤولين في مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلي بصدد رغبة دمشق التي تستضيف طالباني في هذا الوقت بالذات، بإجراء الإتصالات كما أبلغ مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية لكنه لم يتحدث بالموضوع مع أحد في وزارة الدفاع. وأوضحَ قائلآ:"تحدثتُ مع مسؤولين رفيعي المستوى (في إسرائيل)، غير واحد أو إثنين ولا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة". مشيرا الى إن رئيس مؤسسة السلام في الشرق الاوسط بواشنطن جيفري أرونسن جمعه مع سليمان، وإنه إجتمع 8 مرّات مع ما يزيد على عدد الكف الواحدة من نظراء سوريين رفيعي المستوى، وإنّ لقاءات عدّة جرت برعاية الحكومة السويسرية. وبصدد رغبة دمشق بالتفاوض وعدم ممانعتها نبذ طهران وأيّامها، قال ليل"من الواضح لنا جداً بأنّ الأسد يريد محادثات، ذاك لا يضمن بأيّ حال حصول اتفاق. لكن لأسباب عدّة ليست جميعها جليّة لنا، إنه جد مهتم بإجراء مفاوضات. رُغم ذلك، فقد أوضح لنا البعثيون إنهم لا يمكنهم الدخول الى مفاوضات من موقع عزلة ولا يمكنهم أيضاً إهمال حلفهم مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة طالما لمْ يكسروا العزلة التي فرضها الغرب عليهم(فكانت زيارة طالباني لدمشق لصالح البعث الحاكم). البعثيّون لا مانع لديهم بنبذ حلفهم مع إيران وهم ليسوا معنيين به، بيد أنْ لا خيار أمامهم طالما هم مرفوضين من طرف الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة". وقد وكد المسؤول الأسبق الإسرائيلي بأن الإجتماع الأخير كان أواخر تموز يوليه العام الماضي في غضون الحرب ضدّ لبنان بطلب من دمشق في تضاعيف قصف "حزب الله" اللباني الذي كان على أشدّه ضدّ إسرائيل، وأضاف قائلآ:"كان يوما جدّ صعب، واقترح الطرف السوري إنه بما أن ثمّتَ حرب ووضع طارئ، فلْيُعقد إجتماع بأسرع وقت، على مستوى مساعدي وزراء، بحضرة أميركيين في الغرفة. لقد عدت الى البلاد وأبلغت مسؤولين رفيعي المستوى بإسرائيل بنيّة السوريين للقاء ومارست ضغوطا لكنّ الإستجابة التي تلقيتها كان سلبيّة. أبلغتهم بأنّ ثمّتَ فرصة الآن، وإنّ للسوريين تأثير على حزب الله. لقد مارستُ ضغوطات مكثفة، وليس محادثات سريعة وكان الجواب الذي تلقيته: لا نرغب اللقاء بهم!". كما تناول ليل ما سمّاه بالتفاهم مع السوريين بقوله:"لقد جرّبنا كل شيء بما في ذلك تبادل أراض ٍ نحافظ من خلالها على جُلَّ مناطق هضبة الجولان، وأن يُعوّض السوريين بمناطق بديلة من الأردن، مقابل حصول الأردن على مناطق من غور الأردن. الأتراك أوضحوا لنا إن سوريا ليست معنية (بمبادلة أراض) وأن ندع هذا الموضوع الذي ما عادَ مطروقاً في جدول البحث. لقد أوضحنا للسوريين مُذ البَدء إن إسرائيل ليس بمنكتها الإنسحاب من هضبة الجولان وقطاع غزة في آن ٍمعاً، فقد كانت خطة فكّ الإرتباط على طاولة البحث، كما قلنا لهم داخلَ غرف المباحثات إننا لا نستطيع الدخول على خط مباحثات علنية طالما إننا منهمكين في فكّ الإرتباط، وأظنّ ُ إنّ السوريين فهموا ذلك.. لكن مر نصف عام منذ أن أهمل خليفة الرئيس شارون، أولمرت خطة التجميع التي بادر إليها، وأظنّ ُ بأنّ الآن هو الوقت المناسب للموضوع السوري، وأظنّ ُ أنْ في غضون النصف الثاني للعام الماضي ثار خلاف شعبي بصدد ذاك الموضوع". أيضاً وكد المسؤول بأنه اقترح على مفاوضيه السوريين أن يُسرّب مسؤولون سوريون تصريحات مؤيدة للمفاوضات مع إسرائيل على أمل أنْ تلقى صداها في إسرائيل، وهو ما لم يكن. وجاء الوسيط الأميركي ارونسون ليدلو بدلوه في المؤتمر، شاهداً على ما كشفه ليل بشأن جدية البعث الحاكم للدخول في مفاوضات، وقال "لا ننفي احتمال أن تكون المحادثات معنا تكتيك (شامي) للفوز بعناية واشنطن، لكن وفقَ الجهود الشخصية التي بذلها الطرفان، فإنني أظنّ ُ بأن ثمّت سبب موجب أيضاً لوجود رغبة في الجلوس الى طاولة مفاوضات جادّة". وقد أشار أرونسن الى أن أحد المواضيع التي تم بحثها خلال المفاوضات السرية كان تأسيس "محمية سورية" حول بحيرة طبرية مع تمكين الإسرائيليين من الإبحار فيها ومنح تصاريح صيد للسوريين في هذه البحيرة. وأضاف قائلاً "في إطار المحادثات مع السوريين، تحدثنا أيضا عن (الجاسوس الإسرائيلي الذي أعدم في دمشق) إيلي كوهين وعن اإطاء إجازات للسوريين في السجن الإسرائيلي، وعن زيارات الإسرائيليين الى سوريا". واشار أنه لم تجر ِ في تضاعيف المحادثات تناول موضوع حدود عسكرية أو ترسيم حدود إقليمية باستثناء النقاش بصدد المحمية السوريّة في الجولان، وقد تمّ رسم خرائط لها. وقال إنّ "المواضيع الأمنية كانت فوق مستوى إختصاصنا الفنيّّّ، وأنّ طواقم أخرى بحثت ذلك، لذلك لم نتطرق الى ذلك. كانت الفكرة السّماح للإسرائيليين بالدخول الى المحمية وأجزاء من هضبة الجولان في حال كان ثمّة اتفاق وانتقلت هضبة الجولان الى أيدي السوريين، وطلب السوريون أنه في حال التوصل الى اتفاق واستعادة هضبة الجولان أن تظلّ الموارد الطبيعية في المنطقة كما هي، وأصرّوا بشكل خاص على أن تظلّ معامل صنع النبيذ كما هي عليه.وقد اتخذت إدارة الرئيس بوش الإبن قرارا إستراتيجياّ ببدء عملية تصفية الحساب ضدّ إيران وسوريّة بسبل ٍشتى يمكن أن تشمل إستخدام القوة العسكرية إذا تطلب ذلك، وتتمحور تحديداً، على تصفية دور سوريّة كحديقة خلفية للعمليات والنشاطات المعادية للأميركيين في العراق والمقلقة لأمنه واستقراره وعلى إجهاض المخططات الإيرانية الهادفة الى الحاق الهزيمة بالدور الأميركي ومنع تحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين ساسة مكوّنات الشعب العراقي وفقا لتقديرات إدارة بوش الإبن. وعلى هذا الأساس فان الخطة الإستراتيجية الآن التي أعلنها بوش تتعلق بالشرق الاوسط ككل لا العراق وحده، وتهدف الى وقف التهديد الإيراني – السوري في المنطقة المهددة للأنظمة العربية المرتبطة بأميركا وللامن والسلام والإستقرار العالمي، من خلال التصدي لمخططات طهران ودمشق وليس من خلال التحاور معهما كما اقترح تقرير لجنة بايكر – هاميلتون".هذا ما وكدته مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الصلة في باريس على ضوء معلومات تلقتها من واشنطن عن حقيقة خطة الإدارة الأميركية الجديدة في العراق وأبعادها. القسم المعلن من تلك الخطة أمني – سياسي يقضي بالقيام بمحاولة جديدة لإنقاذ العراق من محنته الكبيرة بارسال 21500 جندي أميركي إضافي اليه يتقاطرون عبر الكويت، والتعاون مع القوات العراقية لضمان استقرار الأمن في العاصمة بغداد، والقضاء على تنظيم"القاعدة في بلاد الرافدين" بمحافظة الأنبار التي تحولت قاعدة رئيسة له وللسلفيية الوهابيّة، ومن بعدُ التعاون مع حكومة السيّد المالكي لإنهاء دور الميليشيات المسلحة وعلى رأسها جيش المهدي المدعوم إيرانياً وسورياً والذي يتزعمه الفتى مقتدى، بحيث يمهد ذلك كله لتسلم السلطات العراقية مسؤوليات الأمن في كلّ محافظات العراق في خريف العام الجاري. وترافق هذه الخطوات العسكرية – الأمنية سلسلة إجراءات يحضّ بوش الحكومة العراقية الى اتخاذها لتشجيع السنة العراقيين للمشاركة على نطاق أوسع في العملية السياسية وفي الحكومة أيضا، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وأبرز هذه الإجراءات إستصدار قانون جديد يؤمن توزيعا عادلا لعائدات النفط بين العراقيين، وتعديل قانون إجتثاث البعث وفق مقولة"خياركم في البعث خياركم الآن في وظائفكم"، واجراء تعديلات في نصّ الدستور لطمأنة السنة الى دورهم وصلاحياتهم، وتخصيص مليارات عدّة من الدولارات لإعادة البناء والإعمار وتنشيط الحياة الإقتصادية وإصلاحها وتحسين الظروف المعيشية.
بيد أنّ القسم غير المعلن من خطة بوش تناول ما سمّاه في خطابه "التعامل مع إيران وسوريا"، ويهدف عمليا الى اعتماد إستراتيجية هجومية ضدّ محور طهران – دمشق تبدأ بالعراق وتشمل ساحات إقليمية، وتستخدم في إطارها شتى السبل والإمكانيات لأجل"حماية المنطقة من موجة السلفيّة والإرهاب الوهابي والإيرانيوني والسوري أو أيّ دعم لمحاولة تحقيق اهداف ومخططات على حساب المصالح الحيوية لجماهير العراق ولبنان وفلسطين، وعلى حساب مصالح الكثير من دول المنطقة" وفقا لما قاله ديبلوماسي أوروبي مطلع على مُجريات الأمور. هذه ملامح السريّة التي أفشتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي أفشت سرّ مَنْ امتهنَ الكذب على نفسه وشعبه, بإخفاء طبيعة علاقاته السريّة مع إسرائيل المديدة للتطبيع مع إسرائيل إثر حرب التحريك التشرينيّة سنة 1973م بإشراف هنري كيسينجر والأسد الأب، إذ لأسباب عِدّة اتفق الطرفان على أن تبقى الأمور شبه سرّيّة لضرورة توفير الغطاء الوطني لحكم البعث في مسقط راسه دمشق واستمرار الدور السياسي على صعيد الساحة العربية لمحاولة جرّها بالنتيجة لحالة سباق اليوم لعقد إتفاقات مع إسرائيل على اعتبارها بيضة القبان مقابل بيضة الإسلام إيران، تزن الأنظمة العربية وتتحكم إلى مدى بعيد بحمايتها وبقائها في السلطة. فبوش الأب والإبن والأسد الأب والإبن ما انفكوا يمتهنون وكلاء وبيادق سياسة وشهود زور ونفاق ورفاق شقاق جاهزون كإحتياطي مضموم لسيرك اللعب في العراق والشام والجزيرة والخليج ولبنان والكويت وعلى مدّ الوطن العربي وصولآ الى الشرق الأوسع الهدف.