الشيعة...الزيف والحقيقة!!!

 مهند حبيب السماوي

Muhaned_alsemawee@hotmail.com

من البين الواضح _ الذي لا جدال فيه_ أن الشيعة تمثل أحد المذاهب الإسلامية الكبرى التي يتعبد , بمقتضى تعاليمها, بعض المسلمون في أرجاء وبقاع الأرض المختلفة شانها شأن مذاهب المسلمين الأربعة الكبرى المنسوبة إلى كل من الأئمة أحمد أبن حنبل وأبو حنيفة ومالك والشافعي رضي الله عنهم...

فمن هم الشيعة من الناحية اللغوية والاصطلاحية ؟

وماهي السمات التي يتمتع بها مذهبهم والتي تميزهم عن غيرهم ؟

وماهي الإشكاليات التي تعترض صورتهم وتزّيف الحقيقة التي تتعلق بهم؟

وهل هنالك خلط بينهم وبين بعض المذاهب المندرسة التي تشوه بالتالي صورة التشيع ؟

وكيف يراهم _الأخر_ من منظوره الخاص ؟

تلك الأسئلة وغيرها سوف نحاول الكشف عن أجوبتها ولو بصورة غير مباشرة عبر مجموعة من الملاحظات المتعاقبة التي ما أراها_ وأتمنى أن أكون على حق_ إلا ملاحظات موضوعية وحيادية نوعاً ما تصدر تحت مظلة فضاء يتسم بالهدوء الابستمولوجي والصفاء الانتليجنسي والاستقرار انفعالي ...

1. الشيعة في المنظومة اللغوية تعني الأتباع , فشِيعة الرجل_ بالكسر_ أتباعه وأنصاره , وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة , وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شِيَع كما يقول أستاذنا عرفان عبد الحميد . وفي الواقع أن الكلمة قد ذُكرت_لغوياً_ في القران الكريم أكثر من مرة , ومنها الآية: فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه( القصص:15).

2. الشيعة في المنظومة الاصطلاحية تعني كل من شايعوا ( أي اتبعوا ) الأمام علي عليه السلام , وذلك انطلاقاً من اعتبار الأمام علي وذريه أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه واله , وهذا يعني أن الأمام علي أحق من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم . وهذا ما يردده كبار الباحثين من المتقدمين والمتأخرين في تشخيصهم للتشيع والشيعة... ألا أني اعتقد بان هذا التعريف غير متكامل ولايمكن أن يكون جامعاً ولا مانعاً _بالمعنى المنطقي للتعريف_ وكما نستعمله في دراستنا للمنطق ...إذ ربما هنالك من يفضل علي على بقية الخلفاء ولاينتمي إلى الشيعة , كما انه قد يوجد من يتشيع في العصر الحاضر إلا انه لا يرى في الإمام علي ما تراه بقية الشيعة فيه ... ولذلك فاني اعتقد أن الشيعي اليوم هم من ينتمي إلى المذهب الجعفري بالولادة أو بالاختيار , وبالتالي يتعبّد بالفقه الجعفري في مسألة العبادات والمعاملات على حد سواء والتي تُستخلص من كتب الفقه الجعفرية المنتشرة في الأسواق. ولذلك فالكيان الشيعي ليس عرقاً أو جنساً أو قومية معينة وإنما هو مجموعة من الأفراد المتشكلة من شرائح اجتماعية مختلفة اقتنعت بهذا المذهب وعملت به.

3. يجب التمييز بشدة وعدم الخلط بين الشيعة الأمامية الاثنى عشرية وبين الفرق الأخرى التي يصفها البعض_ بصورة خاطئة أو مغرضة_ بأنها شيعية, فيحدث تزييف غير مبرر ولا مسَوغ أبداً بين الشيعة الأمامية الاثنى عشرية ( وهم غالبية الشيعة اليوم) وبين الزيدية, أو الإسماعيلية بفرعيها الرئيسيين المستعلية والنزارية أو الكيسانية أو الغلاة أو غيرها من المذاهب التي توصف بأنها شيعية, فإذا ما قلنا الشيعة فهذا يعني أننا نقصد الشيعية الأمامية الذين يؤمنون ويؤخذون _ من الناحية النظرية_ بتعاليم الأئمة الأثنى عشر ويرجعون بمذهبهم إلى ألإمام جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى ابائة التحية والسلام.

4. هذه الشريحة الاجتماعية التي تحمل اسم التشيع قد عانت من الاضطهاد الطائفي المنظم على مدى سنوات بل قرون عديدة , أدت إلى أن يشعر الشيعي بشكل عام أنه مضطهد ومستهدف بسبب انتمائه إلى المذهب الجعفري على يد الخلفاء أو الحكّام الذين حكموا الدولة قديماً وحديثاً. فالشيعي ينتابه الشعور بأنه ملاحق لا بسبب جرم معين ارتكبه وإنما بسبب انتمائه إلى التشيع , بل انه يُعامل في اغلب الدول التي يعيشها كمواطن من الدرجة الثانية ولا يسمح له بتسنم المواقع القيادية والمناصب الحكومية المتقدمة...وهذا يعني أن التشيع كحالة اجتماعية قد كانت _في بعض جوانبها_ نتاج لاضطهاد السلطة الحاكمة أكثر من نتاج العامل المذهبي والعقائدي.

5. من الخطأ الفاضح أن يحكم مؤرخ إسلامي كبير كالدكتور محمد عابد الجابري على التشيع باللاعقلانية وذلك من خلال أطروحته التي قسم بها الثقافة العربية الإسلامية إلى ثلاثة أنماط من الأنظمة المعرفية التي عرفتها وهي النظام البياني والنظام ألعرفاني والنظام البرهاني ويضع الأستاذ _ الذي لم يصبح هنا في تشخيصه للأسف أستاذاً _التشيع والتصوف والتنجيم في خانة واحدة هي الغنوص والأساطير واللامعقول. فالجابري يرتكب خطأ منهجياً في تصنيفه للتشيع , فهو ليس مجرد ميدان علمي ولاهو مجرد فرع من فروع الثقافة الإسلامية , وإنما هو كالتسنن, فرقة ومذهب ومقالة ومنطوق واجتهاد وتأويل كما يقول ذلك علي حرب في معرض نقده للرأي الغريب البعيد عن الحقيقة للأستاذ الجابري بشأن التشيع والشيعة.

6. أن أغلب الدراسات التي كتبها الباحثون حول الشيعة تحمل طابع الكراهية والطائفية ويغلب عليها العداء والتحامل وعدم الموضوعية , فهم يكتبون عن عقيدة التشيع والشيعة انطلاقاً من التزييف التاريخي مرة والمعلومات المغلوطة مرة ثانية والحقد الأعمى الطائفي مرة ثالثة, حيث تسيطر على معرفتهم بالشيعة هذه الأمور من غير الرجوع إلى الكتب المعتمدة للتشيع والتي تعد مصادر ومراجع هذا المذهب . وهذا يفتح مجالاً للتشكيك في كل ما يكتبه هؤلاء الذين يزعمون الموضوعية ويدّعون الحياد ويرفعون شعار البحث عن الحقيقة. ففي حين يكفّر بعض أنصاف العلماء الشيعة ويرون أن توحيدهم ناقص , نرى أن واحداً من اكبر علماء الشيعة وهو الشيخ الصدوق يقول ( اعتقادنا _أي الشيعة_ في التوحيد أن الله واحد ليس كمثله شيء قديم لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً حكيماً حيّاً قيّوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا صورة) ويقول عن القران الذي يتهم _المتخرّصون_ الشيعة بتحريفه يقول:(اعتقادنا في القران أنه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه وانه لاياتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه...واعتقادنا أن القران الذي انزله الله تعالى على نبيه هو مابين الدفتين , وهو ما في أيدي الناس ليس أكثر من ذلك ... ومن نسب ألينا أنا نقول انه أكثر من ذلك فقد كذب). وهذا كلام واضح يدل على كذب وتخرّص وزيف كل من يتهم الشيعة بأمور ما انزل الله تعالى بها من سلطان.

7. اعتقد _بصراحة_ أن من أهم الأشياء التي تشكل انطباع الأخر على المذهب الشيعي هو الشعائر والطقوس والممارسات التي يقومون بها في ذكرى استشهاد أئمتهم والذين هم أئمة المسلمين , وخصوصاً مأساة كربلاء الدامية التي ذهب ضحيتها الأمام الحسين... حيث يتمرائ موقف الأخر من الشيعي من خلال هذه الطقوس التي تعتبر _ وفقاً لمنظور الأخر _ غير عقلانية وتدل على تخلف في حين الشيعي ينطلق في ممارسة تلك الطقوس من أحاديث واردة عن أئمتهم توصيهم بإحياء أمرهم وإقامة الشعائر لذكراهم ... وفي الحقيقة علينا الوقوف توضيح ثلاثة أمور مهمة مرتبطة بهذه النقطة.

 الأولى: أن البكاء والحزن المفرط الذي يُمارس من قبل الشيعة في ذكرى مصائب أئمتهم ترجع _في بعض منها_ إلى الاضطهاد الذي مورس بحقهم من قبل الطغاة والأنظمة السياسية التي قتلت أئمتهم وعلمائم وصادرت أفكارهم ومنعتهم من ممارسة الشعائر الخاصة بهم, وحينها يندمج البكاء على الحسين مع البكاء على واقع الشيعي المرير الممزوج بالدماء والأحزان والآلام والمآسي.

الثانية: أن ممارسة الشعائر الشيعية على نحو مفرط غير عقلاني مبالغ فيه بحيث تؤدي إلى إيذاء النفس واشمئزاز الأخر , سوف يضر بشرعية هذه الشعائر أولاً وبصورة الشيعة ثانياً, ويجب على جميع مراجع الشيعة رفض ذلك بصورة صريحة فبدلاً من اللطم وإراقة الدم في الشارع في المناسبات الدينية بدلاً من ذلك لو تبرع الشيعة بدمائهم لمصارف الدم لخدمة إنسان محتاج أفضل من ذلك بكثير , كما حدث في العراق حيث تبرع الشيعة بالدم في ذكرى استشهاد الحسين, مع العلم أن ظاهرة أخراج الدم في هذه المناسبات قد انحسرت وانتهت ولم تبق إلا حالات شاذة منفردة مستهجنة من قبل علماء الشيعة أنفسهم . ثالثاً: كما أن ممارسة الشعائر أو ما يعتقده الإنسان من عقائد بصورة عامة سواء كانت للشيعة أو لغيرها من المسلمين أو من أصحاب الديانات الأخرى, هي جزء من الخصوصية الثقافية التي من المفترض أن يحترمها المجتمع بشرط أن تتسم هذه العقائد والطقوس والشعائر بالسمات الآتية.

 أ _ أن تكون غير منافية للحياء والذوق والمعايير الاكسيولوجية في المجتمع.

 ب _ لا تؤذي النفس أو الأخر أو تثير الاشمئزاز والقرف.

 ج _ لا تسيء إلى احد معين.

 أذن للطقوس الحقة أهميتها وجماليتها بحيث لو خلت حياة الإنسان من هذه الجانب لأصبحت أشبه بالحاسوب كما يقول علي حرب.

ومع هذا فلا يجوز النظر والحكم على الشيعة من خلال أحزابهم ومنظماتهم السياسية من جهة أو من خلال طقوسهم أو شعائرهم الحسينية_ كما يسمونها_ من جهة أخرى ولا من خلال تصرفات بعض الجهلة منهم الذين لا يمتلكون نصيباً من العلم ولا حظاً من الفهم من جهة ثالثة....إذ أن هذا الأمر غير مقبول أبداً من الناحية المنطقية والواقعية . فالشيعة مذهب إسلامي يعود في أصوله ومبادئه العامة إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام والشيعي الحقيقي _ لا المزيف _ هو من كانت سماته وأوصافه متطابقة مع تشخيص الأمام جعفر الصادق لأتباعهم الشيعة . حيث يقول لصاحبه جابر في الحديث الذي أخرجه العلّامة المرحوم محمد باقر ألمجلسي في كتابه الضخم" بحار الأنوار": ( يا جابر أيكفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟ فو الله ما شيعتنا ألا من اتقى الله وأطاعه, وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع, والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة وللغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القران وكف الألسن عن الناس ألا من خير ,وكانوا أمراء عشائرهم في الأشياء....) ويبدو ماقاله شيخ الازهر السابق الامام محمد شلتوت حاسما في هذا المجال اذ قال ان الاسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين ولكل مسلم الحق فى أن يقلد بادئ ذى بدء أى مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحكامها فى كتبها الخاصة وله أن ينتقل إلى غيره ولا حرج عليه، ومذهب الجعفرية المعروف بمذهب الإمامية الأثنى عشرية (وهو المأخوذ به فى إيران وشيعة لبنان ومعظم شيعة العراق) هو مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة. ولابد لهم أن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة. فما كان لدين الله تعالى وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهد مقبول عند الله تعالى ولا فرق فى ذلك بين العبادات والمعاملات مادامت لاتنقض آية ولا تخالف حديثا

8. فإذا كانت هذه المواصفات تمثل الشيعة , فمالذي يوجب ويستدعي أن يحكم البعض_ ظلماً وعدواناً_ عليهم بالكفر ...كما هو معروف في التصريحات الرسمية سيئة الصيت لبعض أنصاف العلماء أو في الكلام البذيء الذي يقال لبعض الشيعة العراقيين في البلاد العربية, حينما كان يَسأل _ بكل احتقار بعض العرب الجهلة الحمقى جداً _ العراقيين الشيعة السؤال المخزي التالي هل أنت مسلم أم شيعي ؟!!!

9. أذن على كل شخص أن ينظر لحقيقة التشيع ومغزاه الديني وتراثه الفقهي وتاريخه النضالي ومستوياته الثقافية ودلالاته الاجتماعية وأسسه العقائدية وبنيته المذهبية بدلاً من أن ينظر دون أن يرى أو يرى دون أن يفهم أو يفهم دون أن يستطيع تجسيد فهمه للتشيع على ارض الواقع والممارسة...

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com