|
الحسين (عليه السلام) مدرسة الإنسانية الكبرى
غفار العراقي / كاتب يعشق الحسين الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) تلك الشخصية التي بقيت مثار جدل ونقاش بين أوساط الباحثين والمفكرين لما لها من أبعاد إنسانية عديدة ومتنوعة فقد كان ولازال رمزا للإنسان الحر وعنوانا للثورة وكهفا للثائرين في كل عصر ومصر وملاذا للتواقين لرؤية ومعرفة الإنسان وفهم حقيقته الإلهية فذاك المهاتما غاندي وكيف جعل من ثورة الطف منارا ومن ظلامة الحسين سبيلا للتحرر والنصر وذلك بولس سلامة الذي صنع ملحمة شعرية كانت ولا زالت دواء للاستشفاء ، كذلك أنطوان بارا صاحب كتاب الحسين في الفكر المسيحي وكيف صوّر أن الثورة الحسينية والتضحيات العظيمة في تلك الانتفاضة الكبيرة ضد الظلم ما هي إلا امتداد لثورة السيد المسيح ، والفيلسوف الفرنسي الشيوعي روجيه غارودي وكيف اسلم على يد الحسين وثورته الفريدة ،كذلك الملحمة الأسطورية للشاعر الصابئي عبد الرزاق عبد الواحد وهو ينادي الحسين بأبدع الكلمات وأجمل الصور ما يدل على قرب الحسين من النفوس - مهما كانت – فهو لم يكن لطائفة معينة ولم يكن لقومية كما لم يكن لدين واحد بل كان للإنسان الحر أينما كان فلم يظلم أحدا بل انه المظلوم الأكبر الذي بكى ظالميه لأنهم ظلموا أنفسهم و لأنهم سيدخلون النار بسببه ! فمن ذا الذي نصح أعداءه وحذرهم من سوء أفعالهم وبكى عليهم سواه ؟ ولا عجب فهو تربية ذلك الرجل الذي يوصي ابنه الأكبر الحسن بان يحسن معاملة أسيره ويطعمه من طعامه ! ومن ذلك الأسير يا ترى ؟ انه ابن ملجم الذي قام بأكبر جريمة في التاريخ هدمت أركان الهدى حين أقدم على ضرب ولي المسلمين - بنص القرآن - الرجل الذي تكالبت عليه الأعداء حسدا على منزلته الرفيعة التي اختارها الله له واختارها الرسول ، انه علي بن أبي طالب ذلك الرجل الذي لم يكتف أعداءه بأخذ ثأرهم منه بل واصلوا بغضهم وحسدهم لابناءه وأتباعه حتى جاءت المصيبة العظمى والنازلة الكبرى حين أقدم الطلقاء أبناء الطلقاء بقتل آخر ابن بنت نبي على وجه الأرض ويا ليتهم اكتفوا بذلك بل سلبوه وداسوا بحوافر خيولهم جسده الطاهر ثم قطعوا الرؤوس الطاهرة و سبوا حرم رسول الله (صلى) اللائي كنّ في بيوت النبوة مخدرات وبالعز الحسيني مكرمات فصرن من مدينة إلى مدينة متنقلات وأمام عيون الأعداء مكشوفات فكانت هذه المصيبة اشد وأمر على قلب رسول الله وعلى قلب أمير المؤمنين وقلب الزهراء وقلب الحسن وقلب الحسين وكانت السبب في الحزن المستمر والبكاء غير المنقطع من قبل الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) الذي كان يردد دائما حينما يسأله أتباعه ومحبوه عن حزنه الطويل فيقول الشام ! الشام ! وعمته أم المصائب زينب بنت علي (ع) كانت تردد القول الشام ! الشام ! فكانت مصيبة الحسين وأصحابه وأهل بيته وهم مجزرين كالأضاحي أهون على قلب السجاد وقلب زينب - رغم هولها - من مصيبة الشام فزينب قالت بعد أن ودعت أخيها حين وضعته في حجرها ( الهي إن كان هذا القليل يرضيك فخذ حتى ترضى) فأي صبر وأي شجاعة وأي إيمان بالقضية تحمل تلك المرأة الرسالية العظيمة التي ما فارقتها المصائب حتى وافتها المنية في بلاد الشام . كذلك الإمام علي بن الحسين (ع) رغم فاجعته الكبرى بابيه وعمه وإخوانه وأصحابه إلا أن حزنه على السبي وما جرى لعماته وأخواته وبقية الحرم على أيدي أرذل الخلق كان اكبر وأعظم وأقسى. فالقتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة فهذا هو خط أهل البيت (ع) وهذا هو ديدنهم وكما يقول الشاعر السموال في مفاخر قومه :. وما مات منا سيد حتف انفه ـــــ ولا طل منا حيث كان قتيل ، فان أهل البيت (ع)- كما ذكر بعض فقهائنا (قدس)- في بعض مؤلفاته انه و بضرورة الدين لم يمت ولا يمكن أن يموت أحد من الأئمة المعصومين إلا قتلا سواء بالسيف أو بالسم من رسول الله (صلى) وحتى الحجة بن الحسن المنتظر(ع) ومنها ما ورد عنهم (ع) اه لولا ضربة ابن ملجم لبقي علي بن ابي طالب حيا لحد الان، لذلك كانت مصيبة الشام والسبي وانكشاف حرم بيت النبوة أمام عيون الأعداء هي الأعظم لان أهل البيت (ع) أصحاب غيرة وأصحاب نفوس أبية عزيزة لا ترضى بالذل والهوان وان كان الموت هو الخيار الآخر وخير دليل قيام الامام الحسين برمي الماء من يده وهو في اشد الحاجة لسد عطشه ليعود لخيام الحرم بعد ان اخبره احد المنافقين ان النساء قد هتكت !! وهو القائل ( والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا اقر لكم إقرار العبيد ) وقال أيضا ( ألا وان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ... وهيهات منا الذلة هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله ... ) فهل يمكن أن تكون كل تلك التضحيات وكل تلك الدروس العظيمة آنية وهل ان الله تعالى حين شاء ان يرى الحسين مقتولا مسلوبا وشاء أن يرى حرم رسوله سبايا بدون أن يكون في ذلك عبرة ودروس للبشرية جمعاء ؟!! وهل يمكن ان نسمع عن وفاء العباس بن علي لأخيه واستحياءه من ابنة أخيه سكينة التي طلبت الماء وكذلك وفاء أمه ( أم البنين ) دون اخذ العبرة وفهم المقصد ! وهل ان صبر علي الأكبر على تحمل العطش الشديد وحر الحديد كان بدون تسديد ؟ أم جزافا تلك الغيرة والشهامة التي أبدتها المرأة العجوز الضعيفة بعد أن شاهدت الحسين قد بقي وحده في الميدان ينادي ولا من مجيب ! فهل يمكن لعاقل ان تمر عليه كل تلك العبر بدون اعتبار وكل تلك الدروس بدون تعلم ؟ وهل يمكن أن تمر علينا تلك الذكرى ونحن لاهون بأمور الدنيا الدنية التي يقول عنها أمير المؤمنين ( ان دنياكم عندي أهون من عفطة عنز ) فهل آخرتنا أفضل أم عفطة العنز !!! فما يحصل في العراق اليوم من قتل وتهجير وتشريد هو استمرار لسلسلة العداء الأموي التكفيري ضد أهل البيت وأتباعهم لأنها ضريبة حب الحسين وأتباع نهج الحسين والسير على خط الحسين وما أحلاها من مواساة بأن يكون الإنسان امتداد لتضحية أبي الشهداء الحسين (ع) وامتداد لصبر وتحمل زينب والسجاد (ع) ، نعم انه لشرف عظيم ورفعة ما بعدها رفعة أن يكون مقتدانا وزعيمنا ومنير دربنا هو سيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الأعظم وابن الزهراء وأمير المؤمنين وخامس أصحاب الكساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . فالفخر كل الفخر ان يكون قتلنا على أيدي أعداء الحسين فو الله لا نرى الحياة مع الظالمين إلا برما والموت في طريق الحسين إلا السعادة الأبدية والرفعة السرمدية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |