|
ربع قرن..... منفى....!! مصطفى المهاجر ها هي الأيام والأشهر والأعوام تتوالى... وما زال الوطنُ حلماً بعيدَ المنال .... و ما زال النفي نصيبنا من وطنٍ كاد أن يتحولَ إلى لعنة دائمة...!!! في مثل هذه الأيام قبل خمسة وعشرين عاماً على التمام بدأت رحلة النفي بهجوم مباغت من جنود الطغيان وعصابات البعث الصدامية ، وليلاً – كما هي العادة – لإعتقال الإخوة، وكان الهرب سبيلاً وحيداً للخلاص – ولست أدري لسوء الحظ أم لحسنه؟! – وكانت السماء تكتظ بالدعوات الصاعدة إليها من الأرامل والأيتام ... من الآباء والأمهات ... من الشيوخ والشباب... وكلما تصرخ بألسنة مثقلة بالمرارة والغيظ ، وحناجر غاصة بالحرقة والفجيعة ، وعيون ممتلئة بسيول دموع مشوبة بالحمرة...!! "متى نصرُ الله"......؟!! ولم يكن طريق الهربِ معبداً ، كان هناك طريقان فقط ... أحدهما إلى الطوامير والسجون الغاصة بمئات الآلاف الذين سبقونا إليها ومنها إلى أعواد المشانق ، أو حقول الألغام الممتدة على طول جبهة الحرب ضد إيران ، أو إلى المقابر الجماعية التي ملأت أرض العراق طولا وعرضا ، فيما كانت طبول النصر الزائف تقرع عنيفاً، وأناشيد التأليه للطاغية الهمجي المتخلف ترتفع عالياً... عالياً فوق أصوات الأذان ، حتى زاحمت دعوات المضطهدين في طريقها إلى السماء....!! أما الطريق الآخر فكان يقود إلى ساحات المنافي وبلدانه التي أمتدت على خارطة الدنيا .. شمالا وغربا ، وما كان هذه الطريق الآخر ميسراً أو سهلاً بل كان محفوفا بكل أنواع المخاطر وكل ألوان الصعاب وأشكال العقبات ، ولعله لم يكن أقل خطراً من الطريق الأول ... حيث الموت المجاني نهايته المحتومة.. بل كان الموت رابضاً في كل خطوة على هذا الطريق...!! رباه.... كيف أنقضت كلّ تلك السنوات...؟؟!! ذلك ما يستعصي على السرد والتوضيح أو على مجرد محاولة التصور...!! ربع قرن.. منفى ، كبر فيها الصغار وشاخ فيها الشبان ... وقضى نحبهم فيها الشيوخ... وولدتْ فيها أجيال كاملة من أبناء المنافي الذين اصطبغت حياتهم بالتشرد والضياع وفقدان بوصلة الهوية وحلاوة الإنتماء إلى أرض تسمى وطناً ، وإلى لغةٍ تربط حاضرهم ومستقبلهم بماضٍ نريدُ لهم أن يعرفوه ويشاركونا في حبهِ والحنين إليه ... رغم ما يقرؤونه على وجوهنا من مرارته وما يتصفحونه في سجلات أعمارنا من كوارثه، وما يلحظونه في واقع حياتنا من تيه بالغ القسوة واللاإنسانية..!! ربع قرن.... منفى..!! وماذا بعد؟! – ألم تذهبْ رحلة الطغيان إلى محطتها الأخيرة في قعر جهنم ...؟؟! – ألم تتهاوَ الأصنامُ متدجرحة تحت الأقدام..؟؟! - ألم يولد فجر جديد .. يكشف ظلمات ليل عصابات القتل والجريمة..؟؟! فلماذا لم تنته رحلة النفي..؟؟! ولماذا صارت المنافي أوطاناً دائمة لنا ولأولادنا..؟! ولماذا لم ينبض قلب الوطن الذي أدمن القسوة والهجران بنبضات فرحٍ لعودتنا...؟؟! ولم يفتح ذراعي حبه الدامي لإحتضان غربتنا..؟! والخشية كل الخشية.. أن لا يفتح ترابه لإستقبال ميت أبداننا..!! ولماذا..؟! ولماذا..؟؟! ولماذا.؟؟! أسئلة تقرع الآذان الصماء والجدران الصلدة في رؤوس ونفوس أولئك القابضين على أعناق مصائرنا في وطنٍ صار لهم ... ولهم فقط ، ولم يعد لنا..!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |