الطريق الى ضمير الاسلام المحمدي (1/2)

القرآن ومحمد ودولة الدين

 رياض البصير

basseree@yahoo.com

لعل الدين الاسلامي مر بفترتين، احداهما قصيرة لكنها غنية بعطائها الانساني والاخلاقي والثانية طويلة جدا لكنها كانت للاسف فقيرة بعطائها الديني. فحينما كان الاسلام محمديا،كان الاسلام الأخلاقي والانساني في أوجه تألقا، الحق أنه قلب نظام التعايش الاجتماعي السائد أنذاك (رأسا على عقب ) ليحيله الى نظام تعايشي أجتماعي تكافلي، لتشهد جزيرة العرب يومذاك، انقلابا من الحياة المتوحشة ذات الصبغة السيئة الى حياة يملؤها،مفاهيم العدل والتكافل والردع الاجتماعي واحقاق الحقوق وغيرها من مفاهيم حقوق الانسان التي نعرفها اليوم. الا أن حظ سكان الجزيرة كان سيئا، فحينما انتقل الرسول محمد (ص) الى خالقه، عاد كل شئ الى الوراء بطيئا ولكن بشرعية الدين هذه المرة..

 الحقيقة ربما كانت؛ أن محمدا (ص) لايريد قيام دولة للاسلام. فالتاريخ الاسلامي سياسيا كان، أم فقهيا، لم يخبرنا، بعكس ذلك. بل من المؤكد أن محمد(ص) خلال سيرته النبوية، لم يتعرض بالذكر لبناء دولة سياسية للاسلام. ويمكن ملاحظة ذلك في خطبته الاخيرة لحشود المسلمين والتي يطلق عليها المؤرخون في العادة؛ خطبة حجة الوداع. الرسول الأمي (ص) الفت انتباه الناس على امور شتى صغيرة وكبيرة في تلك الخطبة الارشادية الاخيرة، لعلنا نستطيع القول عنها انها كانت بحق، خلاصة الرسالة الاسلامية وقد تكون هي ذاتها ما كان يريده الله لخلقه من فضائل سلوكية تعود بالنفع لحياة الناس. لقد (ذكر صلوات الله عليه) كل ما يتعلق بسلوكيات التعايش الانساني، فيما بين المجتمع نفسه ومابين الافراد أنفسهم نزولا الى طريقة التعامل بين الزوج وزوجته. واذا كان الرسول قد استعرض شتى العلاقات وأبدى التوجيهات والنصح في طرق الوصول اليها، والتي لايمكن القول عنها الا بأنها كانت غاية اهتماماته وغاية رسالته الاسلامية واولوية اهتماماته، واذا كان بناء دولة للاسلام ذات أهمية قصوى أو هي من مما ألزم ألله رسوله بها، كان من الاحرى به وهو الامين المؤتمن أن يؤسس لها وينبه على الاقل لها في خطبة الوداع.

 قد يتصور البعض أن وثيقة المدينة التي أيدها محمد(ص) بعد أن اتفق عليها من كان بمدينة يثرب يومئذ، قد يتصورها اولئك البعض دستورا أو قانونا أساسي، لدولة الاسلام. ذاك التصور، بلاشك كان تصورا قاصرا ان لم يكن مغاليا أو حتى خاطئا. فالوثيقة لم تكن الا تحالف تعايشي اتفاقي مابين المهاجرين اليها الجدد من المكيين المسلمين ومابين مواطني المدينة من عرب اليهود والاوس والخزرج. والاحلاف انذاك كانت أمرا معتادا وقد عرفها سكان نجد والحجاز، وهي كثيرة. الوثيقة تلك كانت التزاما أكثر مما هي كانت قانونا ملزما. والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال. فقضية اليهود في يثرب واحدة من تلك الشواهد ومعركة بدر الكبرى التي لم تلزم الآخرين للمشاركة فيها، شاهد آخر.

 القرآن الكريم دستور الاسلام وهي حقيقة حرة في الملف البشري لاتقبل الانشطار. القرآن الكريم، وهو الذي لم يترك صغيرة ولاكبيرة الا احتواها وذّكّر بها. فالقرآن الحكيم بنصوص سوره البالغة ( ) وبآياته ( )* لم يوعظ أو ينصح أو يوجب اقامة دولة أسلامية. ولم ينهى عن اقامة دولة للأسلام بالتأكيد. شأنه في ذلك شأن التوراة والانجيل. بيد أن ما لم يذكره وما لم ينهى عنه النص القرآني، ما هو الا أمر يراه الله، أمرا ليس ذو أهمية مهمة يلفت الانتباه اليها( الخالق) في سبيل التعايش الانساني الصالح والمفيد. وما ليس مهما عند الله، أرى أنه يجب أن يكون ليس بذي أهمية عند البشر. ولو أن الدولة الدينية هي التي تحفظ العقيدة الوحدانية وتغذي الضمير الانساني بالفضيلة وتنشر القسط والعدل والتعايش السعيد في ربوع الارض، لكان الله وهو الحكيم العليم الخبير، أن يوجبها في التوراة والانجيل والقرآن، وأوحى برسالاته الثلاث ( اليهودية والمسيحية والاسلامية) الى الملوك والامراء، بديلا من الانبياء والرسل الفقراء. أو لجعل من الانبياء أمراءا ومن الرسل ملوكا ومن الوعاظ ولاة. ولما قال في كتابه الكريم(( ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزتها أذلة))...

الا أن ثقاة الرسول كما يبدو بعده لم يكونوا، قد أدركوا أن الدولة السياسية فخ للدين. الحق أنهم ربما لم يتصوروا أن يأتي يوما يغيب عنهم الرسول الى الابد. أو ربما كانوا على اعتقاد بأن ذلك اليوم كان بعيدا. ولهذا لم نجدهم قد سئلوا النبي القريشي في حياته يوما ما : هل نقيم دولة بعدك أم لا ؟ كذلك لم يسئلوا خاتم النبيين والرسل : هل من المؤمل أن نعلن دولة الاسلام اسوة بدولة الروم ودولة الفرس، وماهي حدودها ؟ الا انهم سألوه في الدقائق الاخيرة من حياته الدنيا : من لنا بعدك؟، أو بمن نهتدي بعدك؟.. قائلا لهم وهو يهم بالارتقاء الى ملكوت السماوات : بالقرآن أهتدوا، ومنهم من يقول : قد قال الرسول : بالقرآن وبسنتي، ومنهم من أضاف بعترتي أل بيتي وصحبتي. ومهما اضيف من القول أو أبعد من القول فأنه لايخرج من أن الرسول قد أهداهم الى تأسيس دولة ولانهاهم عنها، لسبب بسيط أن مفهوم اقامة دولة سياسية اسلامية، لم يكن واردا في فكره الثر مطلقا. وربما كان يراها تجربة تلحق الأذى بروحية الدين، وتنتهك سترالناس بفرض الممنوع منه وتتعسف بل وتغالي بأستخدام الحق فيه. وربما يكون قد رآى؛ سيدنا الرسول بأن دولة الاسلام السياسية، ستحيل الاسلام القرآني الى علاقة بين الحاكم والمحكوم وبدلا من أن يكون القرآن هدى للناس ورحمة، يمسي سوطا يرتهب الناس منه ووجعا على ظهور الضعفاء منهم ودعاءا بدل الله، لجلاديه. وما تجربة الدولة الرومانية المسيحية عنه أنذاك ببعيدة.

وعلى هدى الرسول كاد أن يمضي الخلفاء الصالحين بعده، الا أن الاحداث المتتالية بعد وفاة رحمة العالمين وبشيرها محمد(ص)، كانت قد صبت عليهم من غماماتها مطرا شديدا، لم يكونوا قد عهدوه من قبل، فأخذت تجرهم الاحداث التاريخية جرا عن الخط المحمدي. ذاك الخط القائم على صنع الفعل الحتمي لرد الاخرين عليه والتوقع المصيب لردة فعل الاخر، والاستعداد له. فأجرفتهم التيارات رغما عنهم الى حيث ما كان لايريده الله ومحمد، لأسلامه أن ينجرف صوب السياسة، كما قبلا لم يرد الله وموسى، وألله وعيسى ؛ لليهودية الخلوقة والمسيحية السموحة أن تمسخها دولة للدين.

 له تابع لطفـا.......

( دولة المدينة،، بداية الانجراف الاسلامي)

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com