|
احزاب مستوردة واخرى لاحاجة لنا بها!
رياض الحسيني / محلل سياسي وناشط عراقي مستقل في نقاش عابر مع بعض الاصدقاء تطرقنا فيه الى مدى حاجة الامة الى الاحزاب وكيف سبقت الاحزاب العلمانية الاحزاب الاسلامية في التبلور والنضوج والسيطرة على الشارع ومن ثم قيادة الامة. كان هذا الصديق معجبا كثيرا بالحزب الشيوعي العراقي واصفا اياه بالاكثر نضوجا من بين كل احزاب العراق على مدى تأريخه الطويل؟! الحقيقة الميدانية تقول ان الحزب الشيوعي ليس حزبا وطنيا بل هو حزب "مستورد" واقصد بذلك انه صناعة غير محلية بمعنى انه لم يأتي نتييجة طبيعية لمخاض الامة من خلال حاجتها. فكما هو معروف فان الحزب الشيوعي في كل العالم تربته الاساس الاتحاد السوفياتي سابقا وهو بذلك فرزا طبيعيا لقوة عظمى تحاول جاهدة محاصرة قوة عظمى اخرى هي الولايات المتحدة الامريكية بكل ما اوتيت من قوة وجبروت وسطوة فصدّرت الثورة الماركسية الى العالم تحت دعاوى اغاثة المحتاج والتحرر من العبودية والمساواة بينما يذكر التأريخ كيف سطى قادة الشيوعية على شعوبهم فاشبعوهم فقرا واذاقوهم هوانا وذلا! كما لم تدخر هذه الفروع جهدا في محاصرة الامة والاستهزاء بمعتقداتها الدينية في فترة من الفترات فضلا عن استخدام لغة القوة ومنطق السلاح لحل الازمات التي واجهتها الاحزاب الشيوعية في العالمين العربي والاسلامي ناهيك عن العلاقة التي تربط الاحزاب الشيوعية باسرائيل وتقسيم فلسطين. فوجود الاحزاب الشيوعية في العالمين العربي والاسلامي تحديدا ينبع من حاجة الاتحاد السوفياتي انذاك الى فروع لدكان يبيع بضاعة كاسدة ففتحت الفروع في كل مكان تحت دعاوى كثيرة ولافتات عريضة وشعارات براقة يتوق لها قلب الفقير المعدوم الذي يعاني من سطوة الاقطاع. وهذين العالمين كانا ولازالا تربة خصبة لكل شعار يدعو الى التحرر والمساواة والانعتاق. مقارنة الحزب الشيوعي خاصة والاحزاب العلمانية عامة بمسيرة الامة الجهادية وتحديدا الاسلامية منها يعد خلطا واضحا في مسيرة الامة. فبالقدر الذي تحتاج فيه العلمانية الى وعاء ورأس هرم حزبي يقود الامة ويوظف امكانياتها فان الاسلام كنظرية وان لم يعارض فكرة تنظيم الاحزاب الاسلامية الا انه يقف بالضد منها ان كانت تلك الاحزاب تطرح نفسها بديلا عن مرجعية العلماء اللذين يعدون المرجع الاساس في قيادة الامة والمسؤولون عن تنظيم شؤونها. من هذا المنطلق تأخر تأسيس الاحزاب الاسلامية وجاءت تبدو متأخرة عن تأسيس الحزب الشيوعي العراقي مثلا. فالامة انذاك ولا زالت تتبع المرجعية الدينية وتعتبرها مرجعية سياسية في آن واحد. واكبر دليل على ذلك هو قيادة ثورة العشرين من قبل رجال الدين وما تبعها من مقاومة المحتل. اما لو تكلمنا بمنطق التواريخ نعم لقد سبقت الاحزاب العلمانية الاحزاب الاسلامية من ناحية التأسيس المادي ولكنها لم تكن السباقة من ناحية الولادة البيولوجية على اعتبار ان الدعاة موجودون دائما في رحم الامة وهم النتاج الطبيعي والفرز الابرز للمرجعية الدينية وحلقة الوصل احيانا بين الامة وتلك المرجعية كما حدث مثلا في مخاض تأسيس حزب الدعوة الاسلامية عام 1957 وعلاقة الشهيد اية الله العظمى محمد باقر الصدر به. بكلمة اخرى الامة الاسلامية من الناحية الطبيعية ليست بحاجة الى احزاب تقودها او تنظم شؤونها فالدولة الاسلامية بمعناها الواسع مسؤولة مسؤولية تامة وكاملة عن حاجة الفرد سواء الدنيوية منها او الاخروية. لكن وسط تطور مفهوم الدولة وتوسعها وكثرة حاجيات الفرد وتسلط الحكومة وبسط سيطرتها وهيمنتها على كل مقدرات الدولة برزت الى السطح افرازات الحاجة الى تنظيم "حزبي" يكون رديف لعمل العلماء ويساعدهم على تنظيم مسيرة الامة وحشد طاقاتها نحو الجهاد ورفض كل قيم التسلط والتعدي الذي تقوم به الدولة اتجاه رعاياها. بمعنى اخر تنازل العلماء عن حق الهي لهم الى ثلة من المؤمنين عقائديا لقيادة الامة نحو اقامة الدولة الاسلامية وذلك عن طريق اعلان الجهاد ضد السلطة الجائرة والدفاع عن بيضة الاسلام من كل من يحاول طمس الدين الاسلامي واثاره. هذه العلاقة بين الاحزاب الاسلامية والمرجعية الدينية كانت لها ضرورة وحاجة ولولا تلك الحاجة والضرورة لتأخر تأسيس الاحزاب الاسلامية اكثر من ذلك! هذا التنازل من قبل العلماء انما ينصب هو الاخر في خانة الجهاد حيث الحفاظ على سلامة الدين والمرجعية الدينية التي كانت هي الاخرى هدفا للسلطة الجائرة. بيد ان قيادة الامة تتطلب اتباع اكثر من طريق ووجه واحيانا كثيرة يتطلب الامر تبادل الادوار والمواقع وذلك تبعا للحاجة والضرورة. وحتى لانفهم خطءا لابد من التنويه هنا الى كلمة "التنازل" لانقصد بها ان قيادة الامة محصورة في العلماء - فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب من كل مسلم - وانما نقصد بها الواجب المناط بهؤلاء العلماء على اعتبار ان وظيفتهم الاساسية انما تتمحور حول قيادة الامة الى بر الامان والنجاة من النار. مايجري اليوم في العراق من نهم في تأسيس الاحزاب الدينية يدعو الى التساؤل ان كان كل تلك الاحزاب تتبع للمرجعية الدينية حقا وتأتمر بأوامرها؟ مايدعو الى هذا التساؤل هو كثرة التنظيمات الدينية وسط تشرذم وتهافت على السلطة الامر الذي لا ينذر الا بالشؤم والخوف من ان تكون تلك الاحزاب سببا مستقبليا في اقتتال داخلي بين افراد الوطن الواحد والدين الواحد والطائفة الواحدة والبيت الواحد حيث يقتل الاخ اخيه دفاعا عن الحزب الذي ينتمي اليه وليس دفاعا عن الاسلام وبيضة الاسلام. لكن هل يعني ذلك اننا نغض الطرف عن الاحزاب العلمانية التي هي الاخرى تسبح في فلك غير الفلك الوطني وتتبع مرجعية غير المرجعية المحلية؟ القضية بحاجة الى الكثير من التفهم من قبل القائمين على هذه الاحزاب والكثير من نكران الذات والكثير الكثير من الوطنية العراقية الخالصة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |