أهداف ومبادىء مؤسس جمهورية العراق الخالدة الزعيم الشهيد الخالد
عبد الكريم قاسم(1914 – 1963م) قدس الله نفسه الزكية
حققت جمهورية 14 تموز المغدورة قبل44 سنة في مثل هذه الأيّام من شهر شباط الأسود1963م، الكثير وحسبها أن أس منظمة (أوبك) كان في مؤتمر بغداد مطلع عقد ستينيات القرن الماضي بإجتماع ممثلو العراق فضلا عن الكويت بالدولتين العربية السعودية والإسلامية إيران ودولة صديقة (فنزويلا) وقرروا انشاء تلك المنظمة التي تفوق أهمية أيّ منظمة دولية أخبارها في وسائل الاعلام تفوق أحيانا المنظمة العالمية الأولى منظمة الأمم المتحدة -
وثمة قانون الأحوال المدنية الذي وفق المذاهب الإسلامية وإشاعة الحقوق والحريات وقانون الإصلاح الزراعي وسوى ذاك من قوانين وإجراءات تصطدم بسابقاتها على قاعدة الأمور رهينة أوقاتها.
دستور تموز 1958
وتمت كتابته في(48) ساعة فقط بـ(28) مادة فقط من قبل شخص واحد هو المحامي حسين جميل، واتسمت كتابة الدستور بالتلفيق وليس التوفيق، ذلك أنه تناص لأحكام دستور مصر ج. ع.م، بما فيه من تأثير عروبي جمع السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (اصدار القوانين) بيد أول حكومة جمهورية رئيسها الزعيم الركن عبدالكريم قاسم خلافا لمبدأ هام إعتمد مبدأ الفصل بين السلطات، وأنشأ مجلس السيادة لرئاسة الدولة يمارس إصدار القوانين مع سلطة مجلس الوزراء التنفيذية والمجلس الرئاسي معين من لدن مؤسس الجمهورية الزعيم الخالد قاسم بصفته رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة، دون أن ينظم الدستور أحكام تداول السلطة بعدم تطرقه الى كيفية تعيين رئيس الحكومة ومجلس الرئاسة الجديد في حالة الوفاة او الإستقالة، ولم ينظم الأحكام الخاصة باقالتهم (عزلهم) اذا ارتكبوا فعلا يعتبر جريمة، كما أنه لم يتضمن ماهية اليمين الدستورية التي يجب أن يؤديها شاغل المناصب العليا في دولة الجمهورية، كما أن الدستور لم يأخذ بأفكار اللامركزية والفدرالية فاستبقى النظام المركزي الشديد ولم يتطرق الى مسئلة إعلان الحرب أو الطوارىء أي الظروف الإستثنائية وكانت الحقوق والحريات جد مقتضبة ومبتسرة لم تتطرق الى تفاصيل موجبة بصدد تشكيل الأحزاب ولم ينظم مسائل الجنسية ولا إستقلال القضاء ولا الحقوق الجزائية كقرينة براءة المتهم مثلا ولا حرية الإتصالات ولم ينظم آلية توزيع السلطات ولا المحكمة العليا (الدستورية) للرقابة على دستورية القوانين ولا سوى ذلك من العديد اللازم إيراده في نصوص الدستور وعدم تجاهله،
فدستور27 تموز 1958 كان ثالث دستور عراقي بعد دستور 1876 العثماني ودستور 1925 الملكي، كان أول دستور قرر أن العرب والكرد شركاء في الوطن العراقي وأول دستور قضى بالمساواة بين كافة المواطنين دون تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة (خاصة بين الذكر والأنثى)، ذلك لأن دستور رأس الربع الأول من القرن الماضي (لسنة1925)؛ كان في زمانه يحصر الحقوق السياسية كالإنتخاب والترشيح بالذكور فقط، رُغم تعديله بحيث يجوز إصدار قانون يمنح المرأة المتعلمة فقط حق الإنتخاب سنة 1958 وقبل 14 تموز بأشهر لكن هذا القانون لم يصدر فضلا عن كون ذاك الدستور أباح الحقوق والحريات للمواطن حتى أن تطبيق هذه الحقوق والحريات يفوق ما هو مقرر في الدستور من نصوص، وقد سار كاتبه في الأخذ بالرياح القومية التي كانت سائدة آنذاك فقرر أن العراق جزء من الأمة العربية وأن الإسلام دين الدولة دون أن يحدد دورا للدين بالنسبة للتشريعات نحو ما هو مقرر في قانون إدارة الدولة وفي الدستور العراقي الجديد وفي دساتير دول الخليج وجمهورية مصر حاليا، وقضى الدستور تحديد علم عراقي وشعار للجمهورية جديد وأن الدولة العراقية جمهورية مستقلة ذات سيادة وأن الشعب مصدر السلطات وحرية الأديان والإعتقاد والتعبير والحرية الشخصية مصونة ومضمونة وأوجب تحديد الملكية الزراعية بقانون وغير ذلك من الأحكام.
بيانات تموز
ولو رجعنا الى الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) بعددها (1) في 1958/7/23 لوجدنا فيها عدد من البيانات التي أصدرها رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم منها البيان رقم (1) الذي أعلن (الجمهورية) حيث جاء فيه … أيها الشعب لقد أقسمنا أن نبذل دماءنا وكل عزيز علينا في سبيلكم وأن الحكم يجب أن يعود الى حكومة تنبثق من الشعب... وعليه فان هذه الحكومة الوطنية تسمى من الآن (بالجمهورية العراقية) وتلبية لرغبة الشعب فقد عهدنا رئاستها بصورة مؤقتة الى مجلس سيادة ريثما يتم استفتاء الشعب لإنتخاب الرئيس...) في حين أن السنوات الأربعة والنصف من حكم رجال تموز لم تظهر لنا رغبة الشعب ولم يتم الإستفتاء لحين نكبة إنقلاب 8 شباط 1963 ولم تكن السلطة لمجلس السيادة وإنما كانت لرئيس الحكومة الذي عين المجلس والذي كان يقوم بدور تشريفي وهامشي فقط، الأمر الذي عطل مرحلة الإنتقال بفتح ثكنات الجيش القديم للإنقلابات، فالتغيير في 14 تموز شجع كل مغامر ومقامر على محاولة التسلط ونجح الكثير لتكون السجون والإعدامات والحروب والإنقلابات والتخريب الإجتماعي والتدهور الإقتصادي و كل ما جلب الشر للوطن والضرر للعراقيين وحتى اليوم رغم رياح الديمقراطية ونسمات الحرية التي هبت مؤخرا، إذ كان 14 تموز 1958 إعلانا لحقبة أشد ظلما صبر عليها العراقيون بحلم أكثر من اربعين سنة، وصدر بيان منع التظاهرات والإجتماعات وبيان تضمن إلغاء جميع قرارات فصل الموظفين والعمال في الدولة وبيان تضمن انسحاب العراق من الإتحاد العربي الهاشمي الذي اعلن في شهر شباط 1958 وبيان حول الإستمرار في استخراج النفط وبيان حول إعادة العلاقات مع روسيا الإتحادية وبيان الإعتراف بحكومة الصين الشعبية.
مراسيم تموز أيضاح لجمهورية تموز 1958
قد منح الدستور المؤقت المراسيم التي كانت تسمى في العهد الملكي بالإرادات الملكية قوة القانون، وقد أفرط رئيس حكومة الجمهورية باصدار المراسيم سيّما في الأشهر الأولى من نهاية النظام الملكي، إذ صدرت مراسيم كثيرة جدا. تعيينات جديدة في المناصب
وهذه مراسيم كونها تصور الواقع العراقي في تلك الفترة وتحدد شخصيات تلك الفترة المناصب التي توليها أو ننهي خدمات من تولاها وتاثيرهم على مسيرة العراق اللاحقة من أسماء كان لها دور في مسيرة العراق السابقة لإنقلاب عسكر القصر الجمهوري المسروق في 30 تموز 1958 واللاحقة له. ولا يستغني كاتب التاريخ عن الرجوع إليها.
قوانين جمهورية تموز 1958
لقد أصدرت حكومة تموز العديد من القوانين التي نظمت شتى مناحي الحياة فضلآ عن دستور 31 تموز 1958صدر القانون رقم (1) والقانون رقم (2) الأول في تطهير الجهاز القضائي والثاني في تطهير الجهاز الحكومي أجاز ا لمجلس الوزراء بناء على إقتراح الوزير صلاحية إنهاء خدمة أي قاض أو موظف إذا كان بقاؤه في الخدمة ضارا بالمصلحة العامة وصدر قانون المقاومة الشعبية (الميليشيات المرتبطة بالدولة) وأهم ما فيه ذكره الأنثى قبل الذكر فقال في المادة (3/أ) (المتطوعات والمتطوعين) وأن مقصد القانون هو تدريب المواطنين عسكريا لمعاونة القطعات العسكرية وحفظ الأمن ويشترط في المتطوعة والمتطوع أن لا يقل العمر عن (15) سنة ولا يزيد عن (50) سنة وقد صدر في الأول من آب 1958. وصدر القانون رقم 7 لسنة 1958 لمعاقبة المتآمرين ومفسدي نظام الحكم الذي تم تطبيقه على الجرائم المرتكبة منذ 1939/9/1 وتولت محكمة الشعب الحكم على بعض رجال الحكم الملكي على وفق أحكام هذا القانون. ومن الجدير بالذكر أن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 التي تتولى محاكمة عصابة اللانظام قبل 9 نيسان 2003 لجريمتين من الجرائم الواردة في هذا القانون وهما تبديد وإهدار الثروة الوطنية وإساءة إستخدام السلطة بالتهديد وإستعمال القوات المسلحة ضد دولة أخرى. وقد صدر هذا القانون في 7 آب 1958. وفي 16 آب 1958 صدر قانون الكسب غير المشروع رقم 15 لسنة 1958 الذي عاقب كل موظف حصل على مال بسبب إستغلال نفوذ وظيفته وأوجب على الموظفين تقديم الكشف المالي باقرارات الذمة المالية. أما قانون العطلات الرسمية رقم 21 لسنة 1958 الصادر في 28 آب 1958 فقد قرر منح عطلة رسمية للمسيحيين يومي 12/25 و1/1 من كل عام وهما عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية ومنح عطلة رسمية للموسويين (اليهود) في أيام أعيادهم وللصابئة عطلة أيام العيد الكبير والعيد الصغير وعيد البنجة وعيد دهفي يمانه وفي 2 أيلول 1958 صدر قانون العفو عن البرازانيين بما فيهم ملا مصطفى بارزاني والشيخ أحمد بارزاني بقانون 22 لسنة 1958 وفي 4 أيلول 1958 صدر قانون العفو العام عن الجرائم السياسية رقم 23 لسنة 1958 وفي 15 أيلول 1958 صدر أول قانون لجامعة بغداد وفي 30 أيلول 1958 صدر قانون الإصلاح الزراعي الذي أعاد تنظيم الملكية الزراعية وفي 11 تشرين الأول 1958 صدر قانون إعاد الحقوق الممنوعة الى الشيخ لطيف الشيخ محمود الحفيد الشخصية الكردية ولأول مرة في النظام القانوني العراقي صدر قانون البغاء رقم 54 لسنة 1958 في 4 تشرين الثاني 1958 حيث عاقب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين على أفعال البغاء التي تحصل مقابل أجر أو ثمن وصدر قانون تسجيل النفوس رقم 61 في 8 تشرين الثاني 1958 وفي عام 1959 صدر قانون لجنة الطاقة الذرية رقم 1 لسنة 1959 والقانون 21 الخاص بمصلحة المعارض والقانون 32 خاص بهيئة الأمن الوطني والإستخبارات العامة والقانون 57 لشعار الجمهورية والقانون 98 خاص بنقابة الصحافيين والقانون 102 خاص بعلم الجمهورية والقانون 115 خاص بالاجتماعات والمظاهرات والقانون 159 خاص بوكالة الأنباء العراقية والقانون 188 لسنة 1959 للاحوال الشخصية التي تتعلق بالزواج والطلاق والعدة والمهر والحضانة والرضاعة والتركة والإرث. اما أهم تلك الأحكام فالجمع بين المذاهب الإسلامية الذي لم يقتصر على مذهب واحد ومن ذلك أخذه بالمذهب الجعفري الإمامي في جواز الوصية للوارث وغير الوارث واستحقاق البنت لجميع تركة الأب. أما أهم أحكامه التي تم تعديلها سنة 1963 فمساواة الذكر بالأنثى في إستحقاق الإرث ذلك ان رئيس مجلس الرئاسة حينها اللواء محمد نجيب الربيعي قال أن قوله سبحانه (للذكر مثل حظ الانثيين) لم يكن على سبيل الالزام والوجوب ويؤكد قوله على بداية الآية (يوصيكم الله في أولادكم خيرا للذكر مثل حظ الانثيين) وقوله سبحانه بلفظ (يوصيكم) لم يأت على سبيل الأمر أو الوجوب إنما جاء على سبيل الندب والإستحباب
وبما أن المندوب كحكم شرعي هو ما مدح فاعله ولم يذم تاركه فان للقانون أن يساوي في الإرث بين الذكر والانثى. وصدر القانون 190 لسنة 1959 قانون مصلحة السينما والمسرح وفي عام 1960 صدر قانون الجمعيات رقم 1 وقانون شركة التمور رقم 102 وقانون مصلحة المصايف رقم 123 لسنة 1960 والقوانين الخ.
قامت جمهورية 14 تموز 1958 باكمال بعض المعامل الصناعية وإنشاء معامل جديدة لرفع مستوى التصنيع في العراق وابرزها:
مشاريع صناعية وانتاجية
1- مشاريع صناعة الغزل والنسيج.
أ- معمل النسيج الصوفي في الناصرية.
ب- معمل النسيج القطني في محافظة الكوت.
جـ- معمل الحياكة في محافظة الكوت.
د- معمل الخياطة في الوزيرية.
2- معمل الاحذية الشعبية في مدينة الكوفة.
3- معمل اللوازم والعدد الكهربائية في الوزيرية.
4- معمل المصابيح الكهربائية في منطقة الدورة.
5- مشروع الفولاذ والسباكة في منطقة التاجي.
6- مشروع الآلات والادوات الزراعية في الاسكندرية.
7- معمل تعليب الفواكه والخضر في كربلاء.
8- مشروع الاسمدة الكيمياوية في البصرة.
9- مشروع انتاج الزجاج في الرمادي.
10- معمل المواد الصيدلانية في سامراء.
11- مشروع الحرير الصناعي في سدة الهندية.
12- مشروع الفرن الذري في منطقة التويثة ببغداد.
13- معمل تصنيع الالبان في منطقة ابي غريب.
14- معمل الاسمنت في منطقة سرجنار.
15- معمل الصناعات الجلدية في منطقة الكرادة ببغداد.
16. تأسيس وكالة الانباء العراقية.
مشاريع الاسكان
1- مدينة الثورة.
2- مدينة الاسكان.
3- الطوبجي مدينة السلام.
4- مدينة الضباط في زيونة.
5- مدينة الضباط في اليرموك.
6- سكن نواب الضباط في منطقة الاسكان.
7- سكن للضباط والمراتب في جميع محافظات العراق.
8- مشروع قناة الجيش.
9- توزيع عشرات الالاف من القطع السكنية لذوي الدخول الواطئة والفقراء في أنحاء جمهورية العراق. تميز الوضع الإقتصادي قبل جمهورية 14 تموز 1958 بانعدام التخطيط وفوضى النظريات الاقتصادية، والتبعية الكاملة للإقتصاد الرأسمالي سيما في القطاع النفطي والزراعي والنقدي والمصرفي وقطاع التجارة الخارجية والبناء والإنشاء وقطاع التنمية الإقتصادية. وكان نظام الإقطاع يسود الانتاج الزراعي يرافقه قطاع صناعي هش غير قادر على تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع.
أدى كل ذلك الى إختلال الموازين الرئيسة للإتصاد الوطني كالميزانين التجاري والنقدي والميزانية المالية العامة وضآلة الإنتاجية والدخل والإستثمار والإستخدام، الى إختلال التوزيع كثيرا على حساب جماهير الشعب وإستفحال البطالة بجميع انواعها فضلا عن التضخم والهجرة والتهريب.
وكان مجلس الإعمار الذي تشكل في عام 1950 لإستثمار الأموال العائدة من تصدير النفط العراقي في إعمار العراق عاجزا عن إصلاح الوضع الإقتصادي للبلاد بسبب إعتماده على ما قد يرد من فائض من عائدات النفط من جهة وعدم تخصص هيئة المجلس وسيطرة المستشارين الاجانب في السياسة التخطيطية والتنفيذية لبرامجه.
الإصلاح الإقتصادي
واجهت الجمهورية مُذ أيامها الأولى الأزمات الإقتصادية العديدة من خلال وضع الأسس والخطط الإستراتيجية للمعالجة على صُعد عدّة أهمها: النظام الإقطاعي وعمليات الإصلاح الزراعي ويعود تاريخ الإقطاع الى بدء إحتلال العراق من قبل العثمانيين سنة 1831. ففي ذلك الوقت ظهر وكلاء جباة الضرائب عن الأراضي الزراعية لخزينة الدولة العثمانية مقابل عمولة.
وعندما عين مدحت باشا واليا على العراق بدأ بتطبيق نظام (الطابو) وهو شكل من الملكية الخاصة لأفراد الطبقة الإقطاعية. وواصلت الحكومة جباية الخراج عن الأراضي خلال الحكمين العثماني والبريطاني ومستهل النظام الملكي، وحتى عام 1957 بلغت النسبة المفوضة بالطابو 40% من مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة، كما منحت 30% من هذه الاراضي بأسلوب (اللزمة) بمنحها لاشخاص يستغلونها لمدة معينة مقابل أجر واصبحت حتى الأراضي الأميرية تحت تصرف الإقطاعيين عمليا.
وبشكل عام كانت نحو 75% من مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة تحت تصرف كبار الملاكين.
وعانى الفلاحون الكثير من إستبداد الإقطاعيين وظلمهم رغم ما كانوا يبذلونه من جهد ومشقة في زراعة الأرض ورعاية المحاصيل حتى حصادها مما دفعهم للهجرة نحو مراكز المدن الكبيرة والعاصمة بغداد على وجه الخصوص.
وكان الواقع الزراعي مترديا بشكل واضح اذ كان يفتقد لأبسط التقنيات الحديثة كالمكننة في عمليات الحراثة والحصاد، وغياب الثقافة العامة بشكل عام والثقافة الزراعية بوجه خاص.
وأزاء ذلك الواقع المؤلم شرعت جمهورية 14 تموز قانون الإصلاح الزراعي رقم 30 الذي أصبح نافذ المفعول إعتبارا من 30 أيلول 1958.
وبمقتضاه أصبح الحد الأعلى للملكية الزراعية الف دونم في الأراضي المروية (سيحا أو بالواسطة) والفي دونم في الأراضي الديمية المطرية) ويوزع ما يزيد عن الحد الأعلى على الفلاحين بملكيات صغيرة ذات أدنى حدّ قدره ثلاثون دونماً في الأراضي المروية وستون دونماً في الأراضي الديمية وشكلت في ظل هذا القانون الجمعيات الفلاحية التي كان من واجبها رفع المستوى الثقافي والاجتماعي للفلاحين.
ولم ينجح هذا القانون في إصلاح القطاع الزراعي كما هو مخطط له إذ احتوى على العديد من الثغرات لأنه منح حق اختيار الارض للملاكين الكبار ولم يوفر المياه والصيانة لأراضي الفلاحين الصغار كما أن الارض قد أعطيت لهم مقابل بدل نقدي بأقساط سنوية لمدة عشرين عاما اضطر الكثير ممن افلسوا منهم الى بيعها من جديد للملاكين الكبار.
كما أن القانون لم يطبق بشكل جدي فلم يجر الإستيلاء خلال ثلاث سنوات حتى عام 1961 إلآ على 45% من الأراضي المفترض الإستيلاء عليها ولم يتم توزيع أراض للفلاحين سوى 5% فقط مما جعل هذا القانون متعثرا بسبب تكاتف أعداء الجمهورية من موالين للنظام الملكي وإقطاعيين وجهات متعددة أخرى.
السياسة النفطية
لم تمض عدة أسابيع على مولد جمهورية العراق حتى بدأت المفاوضات مع شركات النفط العاملة في العراق حول القضايا الجوهرية وأبرزها:
1. زيادة حصة العراق من العوائد النفطية.
2. الإسهام في رأسمال الشركات.
3. إستعادة جميع الأراضي غير المستثمرة.
4. إخضاع الشركات للقوانين العراقية والإسهام في إدارتها.
5. تصحيح أسس حسابات النفقات والأسعار وحل مشكلة الإجازات الميتة والعقيمة.
واستمرت المباحثات بين حكومة الجمهورية وشركات النفط الأجنبية لمدة ثلاث سنوات دون أن تسفر عن شيء ونتيجة لذلك شرعت الحكومة القانون رقم 80 لسنة 1961 الذي حدد بموجبه مناطق الإستثمار لشركات النفط الإحتكارية العاملة في العراق. ووفق جدول ملحق بالقانون انتزعت الحكومة بموجبه 99.5% من الأراضي غير المستثمرة الممنوحة للشركات الأجنبية واستنادا الى ذلك تشكلت مبادئ جديدة في العلاقات بين الحكومة وشركات النفط.
ومع أن ذلك القانون بقي حبرا على ورق ولم ينزل من رف تراكم عليه غبار السنين بكل فقراته خلافا لما خططت له حكومة الجمهورية إلآ أنه من جانب آخر وضع أس ما يجب أن يحصل عليه العراق من واردات نفطه بشكل كامل.
الإنسحاب من المنطقة الإسترلينية
بدأ التداول بالدينار العراقي عام 1931، وكانت الأوراق المالية تطبع في بريطانيا، وفي العام 1947 بدأ إصدار العملة من البنك الوطني العراقي حتى عام 1954 حيث تولى البنك المركزي العراقي إصدارها .
ومنذ البدء كان العراق يرتبط نقديا بمنطقة الإسترليني، وكان من أهداف جمهورية تموز التحرر الإقتصادي، لذلك دعت حكومة عبدالكريم قاسم، بريطانيا للتفاوض في بغداد بشأن:
1- الترتيبات اللازمة لخروج العراق من هذه المنطقة.
2- تحويل جميع الأرصدة العراقية وإيرادات العراق المقبلة الى الذهب والعملات الأجنبية الأخرى.
وامتدت المفاوضات ما بين 31 أيار 1959 و 15 حزيران 1959 تم في نهايتها انسحاب العراق من هذه المنطقة مع اعتبار جميع موجوداته الإسترلينية كلها من الحسابات الخارجية.
وأصبح العراق منذ ذلك الحين حرا في استخدام أرصدته الأجنبية بالشكل الذي يراه مناسبا لمصلحته بما في ذلك إيراداته بالجنيه الإسترليني بعيدا عن محددات وعوائق المنطقة الإسترلينية وانظمتها النقدية.
واكتسب الدينار العراقي نتيجة لذلك الإجراء قوة جديدة لم تكن له من قبل، حيث أصبح غطاؤه مكونا من أقوى العملات الدولية بدلا من الإسترليني وفضلا عن الذهب قد جاء هذا القرار نتيجة معاناة العراق الشديدة من إرتباطه بتلك المنطقة بسبب سيطرة بنك انكلترا ووساطته في التحويل، إذ ربط مصير التصنيع في العراق بظروف المنطقة الإنتاجية والمالية، وكان لذلك تأثيرات واسعة في مستوى الأسعار وضياع بعض أرباح التصدير، والإخلال بالميزان التجاري نتيجة لتغير سعر صرف العملة في معادلته.
إصلاحات أخرى
ولم تتوقف إصلاحات جمهورية 14 تموز عند هذه القرارات الهامة، بل شملت العديد من النواحي الأخرى، أبرزها:
1- معالجة مشكل السكن عن طريق توزيع الأراضي أو الدور الجاهزة للعسكريين والموظفين وبناء مجمعات سكنية للعاملين في القطاع الصناعي قرب أماكن عملهم، ووضعت الجمهورية حلا واقعيا لسكنة الصرائف في بغداد كالشاكرية والميزرة والعاصمة إذ تم إسكان قاطنيها ومن كان بحكمهم في مشروع شرقي قناة الجيش ـ مدينة الصدر ( الثورة سابقا) للقضاء على ظاهرة السكن العشوائي في العاصمة والمحافظات ونشأت تبعا لذلك الجمعيات التعاونية لإسكان الموظفين والعمال والمستخدمين.
2- االإهتمام بالتربية والتعليم من خلال زيادة عدد المدارس الإبتدائية والثانوية في بغداد والمحافظات وكذلك إطلاق أول برنامج محو للأمية. فشهد التعليم قفزة أفقية عمودية واسعة في هذا المجال نتيجة رعاية الجمهورية لهذا القطاع الحيوي الهام وتوفير كافة المستلزمات اللازمة لنموه كالتجهيزات والمناهج والرعاية الصحية، مثل برنامجي (الصحة المدرسية) و(التغذية المدرسية.
3- إعادة تسليح الجيش القديم بعقد اتفاقيات استيراد الأسلحة والخبراء من الدول الإشتراكية، كما اهتمت الجمهورية ببناء المعسكرات المختلفة في بغداد والمحافظات تتضمن تجمعات سكنية لإسكان العاملين في الجيش من ضباط ومراتب ومستخدمين قرب أماكن عملهم.
4- الإهتمام بطرق المواصلات البرية والسكك الحديد في عموم العراق إذ تم ربط أغلب المحافظات العراقية وأقضيتها ونواحيها بشبكات طرق حديثة لتسهيل عملية نقل المواطنين والبضائع والمنتوجات الزراعية، وتبعا لذلك أقيم العديد من الجسور الهامة في بغداد والمحافظات لرفع كفاءة قطاع المواصلات وزيادة استيعابه بما يتناسب مع تطور العراق آنذاك.
5- إصدار قانون الأحوال الشخصية بما يتوافق مع حاجة العراق لبناء مجتمع جديد تسوده العلاقات الإجتماعية المتوازنة والمكفولة من قبل القانون والإاهتمام بحقوق المراة.
6- تم إيصال الكهرباء والمياه الصالحة للشرب للعديد من محافظات العراق ومدنه من خلال إنشاء محطات كهربائية ومحطات لتعقيم المياه وخزانات كبيرة لإستيعابها وإعادة ضخها للمواطنين من جديد.
7- التوسع في بناء المستشفيات في عموم العراق والإهتمام بصحة المواطنين من خلال مراكز صحية عديدة لها القدرة على التعامل مع ما يواجهه المجتمع العراقي من أمراض سارية ومزمنة.
8- الإتمام بفتح المراكز الثقافية والترفيهية كالمسارح ودور السينما وقاعات الإحتفالات والمكتبات العامة والنوادي الإجتماعية والرياضية.
يبدو ان الزعيم الركن عبدالكريم قاسم اول ثائر عراقي تمتع بوضوح الرؤية لإستراتيجية حكم وطن مثل العراق، من خلال المزاوجة في العمل بين السياستين الخارجية والداخلية مع إمتلاك القدرة على إدارة تكتيكية للأزمات، والتمتع بوطنية وانتماء قلّ نظيره، حتى أضحى ما قدمه خلال عهد حكمه الذي لم يكمل نصف العقد من الزمن الأول الجميل والنبيل، أفضل مستوى ناله المواطن العراقي
الموقف من الوحدة الفوقية
منذ الأيام الأولى لمولد جمهورية االعراق أخذ عبدالسلام عارف يدعو في خطبه وتصريحاته الى الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة في محاولة لكسب الضباط الأحرار الناصريين والقوميين والقوى القومية الى جانبه للتخلص من الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم والإنفراد بالسلطة، في حين كان قاسم يؤكد باستمرار أن موضوع الوحدة العربية تقرره الجماهير العربية، ففي إجابته خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في 26 تموز 1958 على نوع العلاقة التي ستقوم بين العراق والجمهورية العربية المتحدة قال: (أن علاقتنا مع الجمهورية العربية المتحدة سوف تبنى على أساس المصالح المشتركة وعلى أساس منفعة الشعبين.. وأحب أن أؤكد أكثر أن هذا الوطن شركة بين العرب والأكراد).. ويستشف من هذه العبارة أن العراق لم يكن حرا تماما في الإنضمام الى الوحدة العربية ما دام قسم من الشعب العراقي ينتمون الى قومية أخرى.. وأكد في هذا المؤتمر الصحفي أنه: إذا تأمنت مصالح العرب في كل دولة وتحررت فهذا معناه التحرر واذا تحررت الشعوب العربية في منطقتها فمعناه إتحاد عام لا يقرره شخص وإنما تقرره شعوب الدول العربية التي لها أن تقرر نوع الحكم ووضعه. فهو كان يستبعد الوحدة العربية الفورية والوحدة الاندماجية مع ج.ع.م وكان يعتقد أن الوحدة العربية تتحقق تدريجيا وذلك عن طريق إزالة الحواجز والعقبات بين الأقطار العربية كرفع الرسوم الكمركية وإلغاء جوازات السفر وتحقيق التكامل الإقتصادي والتعاون والتنسيق في السياسة الخارجية، ويمكن قبل ذلك تحقيق الوحدة بين الأقطار العربية المتجاورة كوحدة دول الشرق ووحدة دول المغرب العربي على أن تكون هذه الأقطار متحررة وتحافظ على كياناتها ضمن إتحاد وليكن فيدراليا أو أي شكل آخر يحقق مصلحة الجماهير العربية.
وضمن هذه التوجهات انسحب العراق في الأسبوع الأول من عمر جمهوريته من الإتحاد العربي الهاشمي (الذي تشكل في 14 شباط 1958) بين العراق وكيان نهر الأردن خدمة لمصالح النظام الملكي في البعراق والأردن كخطوة مقابلة لقيام الوحدة بين مصر وسورية (ج.ع.م) وقد جاء في بيان الإنسحاب؛" أن الإتحاد بين العراق والاردن على الصورة التي تم فيها في العهد السابق لم يكن إتحادا حقيقيا يستهدف مصلحة الشعب بين البلدين وإنما كان لتدعيم النظام الملكي الفاسد ولتمزيق وحدة الصف العربي المتحرر ولتحقيق مصالح زمرة الحاكمين".
كما تعاونت جمهورية العراق منذ اليوم الأول لمولدها تعاونا متينا مع الشقيقة الكبرى ج.ع.م كما وحد العراق سياسته الخارجية معها خدمة للعروبة والتحرر وعقدت معها إتفاقا للتعاون العسكري التام وثلاث إتفاقيات للتكامل الإقتصادي والتجاري والتعاون الفني كما عقدت معها ميثاق الوحدة الثقافية العربية.
إلآ أن ذلك التعاون والتقارب معها لم يستمر سوى أشهر معدودة لتبدأ الصراعات والخلافات بين الطرفين دون تتغير وجهة نظر عبدالكريم قاسم في الوحدة العربية والعلاقة مع ج.ع. م فاستمرت العلاقات تتطور طبيعيا ايجابيا حتى بعد إعتقال عبدالسلام عارف ثم إعتقال رشيد عالي الكيلاني، لكن هذه العلاقة البينية أخذت تتوتر لتسوء إثر حركة الشواف في آذار 1959 للتآمر وإسقاط جمهورية قاسم، لأن عبدالناصر مصر قدم لعملائه أذنابه الخونة القائمين بهذه المؤامرة الدعم ومدّهم بالمال والسلاح وجهاز الإذاعة الذي استخدمته المؤامرة التخريبية لإذاعة بياناتها وجندت أذاعة دمشق لإذاعة بيان هذه المؤامرة وتأييدها وتغطية أخبارها.
سياسته تجاه حركات التحرر العربية
الموقف من الثورة الجزائرية
منذ الأيام الاولى لمولد جمهورية العراق أعلن عبدالكريم قاسم مساندة العراق المطلقة للثورة الجزائرية لذلك رفض عرضين للحكومة الفرنسية بالإعتراف بالنظام الجديد مقابل إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وكان العراق أول دولة تعترف بحكومة الجزائر المؤقتة وتقدم لها مليوني دينار (ما يعادل ستة ملايين دولار أميركي) سنويا إبتداء من عام 1959 كما قدمت العديد من المساعدات الغذائية والإنسانية والمالية للثورة الجزائرية وكذلك للاجئين الجزائريين في تونس وكل ما طلبه الأخوة الجزائريون من أموال ومساعدات عسكرية فأكد مؤسس جمهورية العراق عبدالكريم قاسم في خطاب له بمناسبة ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية الخامسة سنة 1959 قائلا: (انني أبشركم بأن الأسلحة التي خصصت للجزائر كانت كافية وقد خصصنا أسلحة أخرى وسوف نخصص أسلحة أخرى حتى تتحرر الجزائر وسوف ندعمها بكل ما أوتينا من قوة، فهذه معاهدنا ومدارسنا العسكرية ومعاهد العلم مفتوحة أبوابها أمامهم فهم أخوتنا وما عليهم إلآ أن يحضروا لهذا الوطن ويدرسوا على حساب هذه الدولة وهي دولتهم.
ولم يتدخل العراق عندما نشب الخلاف بين الزعماء الجزائريين ورفض العراق التدخل لصالح أي منهما وصرح عبدالكريم قاسم في 2 تموز (يوليو) 1962 بأن أبناء الجزائر أدرى بمستقبلهم وبما يحيطهم.
وزارت العراق الوفود الجزائرية رفيعة المستوى لغرض تعزيز التعاون بين البلدين وقدم العراق مساعدات عسكرية قدرت بمليون وربع المليون دينار وصرحت الحكومة الجزائرية المؤقتة ممثلة بكريم بلقاسم ، نائب رئيس الوزراء للحكومة المؤقتة قائلا: "ان مساعدات الجمهورية العراقية مساعدات ملموسة وبصورة مستمرة ولم تنقطع". وكانت تلك المساعدات تحتل الصدارة بين الدول العربية ولا أدل على ذلك من أن الجمهورية العربية المتحدة ـ وهي أكبر دولة عربية لم تدفع حصتها من ميزانية الجزائر ـ التي اقرتها الجامعة العربية وعلى الاقل حتى أيار1960 ولم تنقطع علاقاتها الإقتصادية مع فرنسا بينما كان نظام عبدالكريم قاسم يدفع أكثر من حصة للجزائر بنصف مليون دينار سنويا عدا المساعدات الأخرى العسكرية والمالية والإنسانية والثقافية المستمرة وقطع كل أشكال العلاقات مع فرنسا المحتلة للجزائر.
القضية الفلسطينية
ظل عبدالكريم قاسم وفيا للقضية الفلسطينية بعد تأسيسه جمهورية العراق منطلقا من نظرة جديدة في حل هذه القضية وفحواها أن تحرير فلسطين يجب أن يتم من خلال أبنائها كما فعل الجزائريون وعلى الدول العربية والإسلامية تقديم كل عون مادي ومعنوي لهم لتحقيق هذه الهدف، بفادر لتشكيل جيش التحرير الفلسطيني ودعا أبناء فلسطين لللإنضمام لهذا الجيش بصفة ضباط وضباط صف حسب مؤهلاتهم ومنح المشتركين الإمتيازات التي كانت تمنح لضباط الجيش العراقي القديم من حيث الراتب والترفيع والتقاعد والإعاشة والتجنيد وغيرها، وتم تجهيز هذا الجيش بجميع المعدات والأسلحة والتدريب في المعسكرات العراقية وخصص له الميزانية الكافية من ميزانية وزارة الدفاع العراقية. ولدى تخرج أول دورة عسكرية من هذا الجيش خاطب عبدالكريم قاسم الخريجين قائلا: (أننا نساندكم بالمال والسلاح والرجال والجهود وبكل ما نملك.. اننا اعددنا العدة لتدريب المغاوير منكم، وفي نهاية التدريب فتش عبدالكريم قاسم بنفسه هذا الجيش باستعراض عسكري كما أيد عبد الكريم قاسم قيام حكومة فلسطينية في المنفى وقدم ربع مليون دينار للجنة العربية العليا .
كما بنى قاسم الدور السكنية للعوائل الفلسطينية المقيمة في العراق وخصص لهم الرواتب والإعانات لهم فضلا عن قبول الطلبة الفلسطينيين سواء المقيمين في العراق أو في سائر الأقطار العربية للدراسة في المعاهد والكليات العراقية . ويذكر اللواء الركن خليل سعيد قائد الفرقة الثالثة أن قاسم كلفه بوضع خطة لإرسال قوات عراقية الى فلسطين، وقد أثبت الواقع والأحداث صواب وواقعية نظرة عبدالكريم قاسم في تحرير فلسطين.
القضية العُمانية
أعلن عبدالكريم قاسم مرارا تأييده للثورة في عُمان وقدم المساعدات المستمرة للحركة الوطنية العمانية وتبنى العراق في عهده قضيتهم في المجال الدولي وفتح لهم مكتبا في بغداد وكان العراق يرسل الأسلحة والعتاد بالطائرات الى ثوار عُمان عن طريق المملكة العربية السعودية. وفي نيسان 1960 وصل الى بغداد الإمام غالب بن علي على رأس وفد عماني رفيع المستوى واجتمع برئيس الوزراء (عبدالكريم قاسم) وتم الإتفاق على دعم قضية الشعب العُماني وتقديم مساعدة مالية بمقدار ربع مليون روبية. وبعد نصف سنة قدّم ربع مليون روبية أخرى واستمر العراق في دفع مثل المبلغ المذكور سنويا للعُمانيين فضلا عن قبول الطلبة العمانيين في المعاهد والكليات العراقية.
عدن والجنوب العربي
أن الخلافات المستحكمة بين أطراف الحركة الوطنية ممثلة برابطة أبناء الجنوب اليمني عرقلت إقامة علاقات وطيدة لدعم وإسناد العراق لثورة أبناء الجنوب العربي.
وكانت حكومة العراق تساند الحركة ككل دون تمييز في سبيل تحرير الجنوب العربي من الإستعمار البريطاني فضلا عن تقديم المعونات الثقافية لجميع أبناء الجنوب العربي دون تمييز فقد فتحت أمامهم المعاهد والكليات العراقية ومن الناحية الإعلامية فقد اصدرت وزارة الإرشاد كتابا بعنوان (حقائق عن الجنوب العربي) كما أن هناك برنامجا إذاعيا موجها يبث من إذاعة بغداد باسم "الجنوب العربي".
الخليج العربي
اتسمت سياسة العراق في عهد عبدالكريم قاسم بالدعوة والدعم لتحرير أقطار الخليج العربي من السيطرة الإستعمارية.
وتوسع إهتمام العراق بتحرير منطقة الخليج العربي بعد مطالبة العراق بالفيدرالية مع قضاء الكويت البصري السليب، خاصة عبر وسائل الإعلام كالبرنامج الإذاعي (الخليج العربي) وإصدار وزارة الارشاد العديد من الكتب والكراريس عن المنطقة وتاريخها والدعوة الى تحرير محمياتها من الإستعمار، كما تعاونت حكومة جمهورية العراق مع العديد من الهيئات الوطنية في خليج البصرة منها (إتحاد الأندية الوطنية في البحرين) وفتحت معاهدها وكلياتها لأبناء الخليج عامة حيث قُبل العديد منهم خلال حكم جمهورية الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم كما توسعت العلاقات التجارية والاقتصادية بين بلدان الخليج العربي والعراق بشكل مضطرد.
العلاقات مع اليمن
كان اليمن السعيد ثالث دولة تعترف بمولد جمهورية العراق. وبعد قيام الثورة اليمنية وإعلان الجمهورية اليمنية إعترف العراق بها كسائر الأقطار العربية وقدم المساعدات للجمهورية الفتية لتمكينها من تحقيق تقدم منبع العروبة العاربة الشعب اليمني. وفي الثاني من كانون الثاني 1963 زار الرئيس اليمني عبدالله السلال دار سفارة العراق في صنعاء يرافقه عدد من المسؤولين اليمنيين واجتمع بالقائم بالأعمال العراقي واثنى على موقف العراق تجاه الثورة اليمنية. و قدم العراق مساعدات ثقافية لطلبة اليمن بقبولهم في المعاهد والكليات العراقية ومنها الكليات العسكرية لتتوسع العلاقات التجارية والاقتصادية بين القطرين.
العلاقات مع المغرب
استطاع العراق الجمهوري في عهد قاسم اقناع المغرب بالإنضمام الى الجامعة العربية وإقامة علاقات واسعة بين العراق وملك المملكة المغربية، محمد الخامس جد الملك محمد السادس وعلى كافة
الصعد. وفي شباط 1961 زار الملك محمد الخامس بغداد واستقبل بحفاوة بالغة والتزم العراق بمطالبة المغرب بموريتانيا وعندما أوضح ملك المغرب لعبدالكريم قاسم بأن الأجواء المغربية تحميها الطائرات البريطانية المتمركزة في القواعد البريطانية بالمغرب لعدم وجود قوة جوية مغربية تبرع العراق للمغرب بسرب من طائرات ميك والمتكون من أربع طائرات بكامل أسلحتها ومعداتها وأدواتها الإحتياطية لتكون نواة للقوة الجوية المغربية لتخليص المغرب من الوجود الجوي البريطاني في أجوائها وأراضيها فضلا عن تقديم المساعدات المالية والثقافية وإنشاء دار العراق للثقافة في الرباط عام 1961 وتزويدها بكل المستلزمات الثقافية والأثاث وتوسيع معهد دار المعلمين العراقية في فاس وقبول 150 طالبا مغربيا سنويا فيه على نفقة العراق وفتح المعهد العراقي المالي لإعداد المدرسين في الدار البيضاء أواخر حكم محمد الخامس 1961 فضلا عن قبول الطلبة المغاربة في المعاهد والكليات العراقية.
دور العراق في الجامعة العربية
بعد مولد جمهورية تموز 1958 سدد العراق جميع المستحقات التي بذمته للجامعة العربية حيث سبق للنظام الملكي أن توقف عن تسديد حصصه المالية للجامعة العربية، كما استمر العراق في تسديد حصته السنوية الى الجامعة العربية في موعدها المحدد واستطاع العراق تفعيل دور الجامعة العربية من خلال إقناع تونس والمغرب بالإنضمام إليها وتعزيز التضامن العربي فيها كما عقد العراق اجتماع وزراء الخارجية العرب في الحادي والثلاثين من كانون الثاني 1961 وكان للعراق الحضور الواضح في جميع اللجان والهيئات التابعة للجامعة العربية خاصة مجلس التعاون الاقتصادي والإجتماعي وتعزيز دوره في توحيد الأقطار العربية اإتصاديا وتجاريا.
يبدو مما تقدم أن حكومة عبدالكريم قاسم اتبعت سياسة تقدمية عربية بدعم حركات التحرر العربي ماديا وعسكريا وإعلاميا وكان للعراق سبق المبادرة بتشكيل جيش التحرير الفلسطيني من اأناء فلسطين وتدريبهم على إستعمال السلاح وإعدادهم لتحرير وطنهم بهذا السبيل.
ولم تكن العلاقات الثنائية بين العراق والأقطار العربية في عهد قاسم بمستوى واحد من حيث السعة لأن هناك دولا عربية مرتبطة بشكل أو آخر بالدول الغربية أو أن سياستها لا تنسجم مع سياسة العراق.. وعندما تأزمت العلاقات بين العراق وعبدالناصر مصر بدأت الحملات الدعائية تشن من إذاعات القاهرة ودمشق ضد حكم جمهورية العراق الفتية وقيادتها التاريخية ممثلة بالزعيم عبدالكريم قاسم ودعم قوى الردة العفلقية والناصرية العميلة العاملة في الداخل للتآمر على العراق وطنا وأعراقا ومقدرات، وتفاقم سوء الحال بعد مطالبة العراق بالكويت. لكن العراق استمر في تقديم العون المادي والعسكري والإعلامي لحركات التحرر العربية، وكان لهذا الدعم دوره في تحقيق الإنتصارات الكبيرة لحركة التحرر العربية.
من حقوقه السياسية والمدنية والسلعية والخدماتية، منذ تأسيس المملكة العراقية عام 1921 وحتى يومنا هذا، ورغم ما اعترض هذا العهد من مؤامرات دولية وعربية ومحلية لإسقاط هذا الحكم الوطني ورجالاته، إلا أنه يبقى أهم ما يميز هذا العهد سياسته الخارجية التي فاقت بانجازاتها كل ما هو منظور ومتوقع.
تجلى وضوح الرؤية لدى الفريق الركن عبد الكريم قاسم مؤسس جمهورية 14 تموز 1958 الوطنية التحررية، وخاصة فيما يتعلق بمستقبل العراق السياسي، والذي تحكمه علاقاته الدولية، وخاصة مع الدول العظمى من خلال سياسته الخارجية في البيان الأول لمولد جمهورية العراق الذي أذيع صببيحة 14 تموز الأغرّ1958 وتضمن الإلتزام بالعهود والمواثيق، والعمل بمبادئ الأمم المتحدة، دون أن ينسى رسم طريقا للرجعة بارداف عبارة )وفق مصلحة الوطن)، ليرسم إستراتيجية سياسية خارجية مبنية على مرونة تكتيكية رفيعة المستوى، وفق متطلبات المرحلة والمراحل اللاحقة، فكان لهذه الجملة المفعول السحري في إطفاء نار غضب المعسكر الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة لإسقاط أكبر حليف لها في منطقة الشرق الاوسط النظام الملكي في العراق بسبب من ضمان ولائه كمفتاح للشرق الأوسط في مباحثات البنتاغون السرية الانكلو ـ اميركية عام 1947.
جاءت الخطوة الثانية لعبدالكريم قاسم في تطويع السياسة الداخلية لخدمة السياسة الخارجية من خلال توزيع مناصب مجلس السيادة على أساس قومي وطائفي، وتوزيع الحقائب الوزارية على أساس الإستحقاق الوطني، بين الأحزاب السياسية العاملة في الساحة السياسية، ووفقاً لثقلها الجماهيري في الشارع السياسي، وبين الوطنيين من ذوي التاريخ النضالي المشرف، بهدف توزيع المناصب الحكومية العليا بين مكونات الشعب وقواه السياسية ومناضليه لضمان ولاء جميع هذه المكونات للجمهورية وحكومتها، أزاء أيّ محاولة للتآمر عليها أو ضربها من الداخل أو الخارج، ورغم هذا التوزيع للمناصب الحكومية، حرم قاسم الحزب الشيوعي من أيّ حقيبة وزارية أو منصب حكومي رفيع، بغية حرمان قوى المعسكر الرأسمالي من ذريعة التدخل ضد جمهورية العراق وحكومتها، بحجة الإنتساب أو الميول الشيوعية التي حرّمت في الشرق الاوسط من قبل قوى هذا المعسكر ـ آنذاك ـ وقد بنيت الإتجاهات السياسية للمعسكر الرأسمالي بعد الحرب الكونية الثانية، على أساس منع انتشار الشيوعية فكرا وعقيدة في الشرق الاوسط تحديدا.
تسارعت خطوات قاسم لترسم للعراق سياسة خارجية، وعلاقات دولية متزنة ومستقرة لتصب بالنهاية في خدمة العراق وشعبه، فمع اندلاع ثورة الجمهورية أرسلت قطعات من الجيش القديم في العراق لحماية السفارتين البريطانية والأميركية، وقدمت حكومة قاسم اعتذارا للحكومة البريطانية عن هجوم الجماهير الثائرة على مبنى سفارتها في بغداد واحراق جزء منها، كما دفعت تعويضا بلغ (120) الف دينار عن هذه الأضرار، وقدمت حكومة قاسم اعتذارا للحكومة التركية عن تدنيس عراقيين للمقبرة التركية في العراق والهجوم على مكتب الإستعلامات التركي، على الرغم من درايتها التامة بمطالبة الحكومة التركية لحكومة الولايات المتحدة الأميركية بتوفير غطاء جوي لفرقتين من الجيش التركي للزحف على بغداد بهدف ضرب ثورة جمهورية العراق وإسقاط حكومتها، فقد أعلنت حكومة قاسم تجميع عضويتها في حلف بغداد، دون الإنسحاب منه، بغية المساومة على أمل بدل إثارة حفيظة دول الحلف ضد حكومة الجمهورية الوليدة للحيلولة دون التدخل ضدها، فقد ظلت فكرة قيام الجمهورية لإسقاط حلف بغداد الذريعة التي تتحجج بها تركيا للتدخل ضد حكومة جمهورية العراق، كذلك لضمان إعتراف دول الحلف بحكومة الجمهورية، والإبقاء على علاقاتها مع دول الجوار الإقليمي الأعضاء في الحلف تركيا وايران، والإستمرار بالحصول على الأسلحة من دول المعسكر الرأسمالي، ُرغم تجميد نشاط العراق في الحلف بمثابة انسحاب منه، وقيام الحكومة بغلق مقر الحلف في بغداد، إلآ أن الخطوة الدبلوماسية الصحيحة التي لجأ اليها قاسم بتجميد عضوية العراق في حلف بغداد وليس الإنسحاب منه لحفظ ماء وجه حكومات الدول الأعضاء فيه، جنت ثمارها وفق ما رسم لها قاسم، لأنها مع خطوات سبقت كانت عاملا هاما في دفع دول الحلف للإعتراف بجمهورية العراق وحكومتها الجديدة.
لقي عبدالكريم قاسم تأييدا كبيرا من قبل دول المعسكر الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية والمملكة المتحدة ودول جوار العراق (تركيا وايران) أزاء محاولات إزاحته من على رأس السلطة في العراق من قبل العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية وبعض رجالات الثورة من الضباط الأحرار، فضلا عن محاولات رشيد عالي الكيلاني وعبدالوهاب الشواف الإنقلابية، والبعثيين الأوغاد وغيرهم، بهدف الإبقاء على قاسم على رأس السلطة في العراق، لتوافق سياسته الخارجية المعتدلة، التي وصفتها أدبيات السياسة البريطانية بـ (سياسة الوسط المعتدل) مع النظام السياسي العالمي الذي كان قائما - آنذاك- ولإلتزامه بسياسة الحياد الإيجابي وعدم الإنحياز لأي من طرفي الحرب الباردة مع التزامه بالإتفاقيات والمعاهدات الدولية مع جميع دول العالم وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ورفضه للتوجه والفكر الشوفيني الأعرابي الذي عد متطرفا أزاء دول المعسكر الرأسمالي ونزاعه مع محور موسكو بلعبة الحرب الباردة بتسمية (الإشتراكية العربية) مقابل مساعيه المستمرة لتحجيم محور موسكو في سياسية العصر السوفيتي المحلية، وموازاة علاقاته بمحور موسكو والمعسكر الرأسمالي في آن معا.
دخلت سياسة قاسم الخارجية مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها إسم (مرحلة الهجوم) فبعد التزام دام لاكثر من ثمانية أشهر من عمر الجمهورية بسياسة الدفاع، والتي اقتضت مواكبة السياسة الدولية لنيل الإعتراف وإثبات الوجود وترسيخه وبحلول عام 1959 دخلت سياسة قاسم الخارجية مرحلة جديدة لتحقيق مصلحة الوطن والشعب، فبعد أن إطمأن قاسم على وضع الجمهورية وبعد أن أنهى الصراعات الداخلية وثبت أركان حكمه ونال اعتراف غالبية دول الشرق والغرب بنظامه الجديد، وبعد أن اطمأن الى موقف الدولة العظمى من نظامه وحكومته وسياسته. سعى لإنهاء تبعات المعاهدات والإتفاقيات الدولية الضارة بمصلحة الشعب العراقي، فقد أعلن انسحاب العراق من عضويته في حلف بغداد في 24 اذار 1959 كذلك انسحابه من الإتفاق الخاص مع بريطانيا.
تلاها في 14 أيار من العام نفسه إعلانه إنسحاب العراق من مبدأ آيزنهاور للمساعدات الإقتصادية وجميع الإتفاقيات المعقودة من قبل النظام الملكي مع الولايات المتحدة الأميركية، منها إتفاقية الأمن المتبادل واتفاقية المساعدة العسكرية الخاصة في التصرف بالمعدات والذخيرة التي تجهزها الولايات المتحدة الأميركية للعراق في 14 أيار 1959 كونها ذات تأثير سلبي على سياسة العراق الخارجية لإبعادها إياه عن سياسة الحياد الإيجابي التي انتهجتها جمهورية العراق.
اجتازت سياسة الهجوم القاسمية الخط الأحمر المرسوم لها من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، خلافا لإدخال العميل صدام لاحقا حزبه لنفق مظلم، باخلاء قاسم القواعد العسكرية البريطانية في العراق وإعادتها الى ملكية العراق، فقد تم إخلاء آخر جندي بريطاني من العراق في الثلاثين من أيار 1959 اتبعها إنسحاب العراق من عضويته في المنطقة الإسترلينية في الرابع من تموز 1959 مما كان يعني تحرير العملة العراقية من تبعيتها للعملة البريطانية وتحرير الإقتصاد العراقي عموما من تبعيته للإتصاد البريطاني بما يضمن تحقيق الإستقلال الإقتصادي الكامل للعراق وعلى إثر ذلك صدر مرسوم جمهوري في الخامس من تموز عام 1959 لتحديد فئات نقدية جديدة ورقية ومعدنية للعملة العراقية والشروع بتداولها.
أطلق عبدالكريم قاسم النار على مصالح المعسكر الرأسمالي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وذلك باصدار قانون تعيين مناطق الإستثمار لشركات النفط رقم (80) في (11) كانون الأول 1961 والقاضي بتجريد شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق من (99.5%) من حقوق التنقيب المعطاة لهم بموجب اتفاقيات النفط السابقة، وقد اعتمد إصدار هذا القانون على مبدأ تعديل الإتفاقيات الدولية عن طريق التشريع من جانب واحد، ولأول مرّة في تاريخ العراق الحديث، وقد جاء ردّ الولايات المتحدة الاأميركية وبريطانيا بالتآمر والتحالف مع جميع الدول وجميع القوى السياسية وحتى العاملة في داخل الساحة السياسية العراقية لإسقاط الفريق الركن عبد الكريم قاسم وحكومته الوطنية مما يستدل منه على صحة سياستها الخارجية ولكن مع تجاوزها للنظام السياسي الذي رسمته القوى الكبرى لتحقيق مصالحها وخاصة في منطقة الشرق الاوسط بهدف تحقيق قاسم وحكومته لمصالح الشعب وتغليبها على المصلحة الخاصة والفئوية والحزبية والذيلية والتبعية للدول والقوى العظمى التي تحكم العالم من خلف الكواليس احيانا ومن امامه احيان اكثر.
* فرضت الأحداث السياسية التي قامت خلال عقد خمسينيات القرن الماضي توحيد جهود الأحزاب السياسية المعارضة آنذاك ضد وزارة نوري السعيد، وكان من أبرز تلك الأحداث.
* سوء الأوضاع الداخلية للوطن (الإقتصادية، السياسية، الإجتماعية) وإهمال الحكومة المتعمد لإصلاح الأوضاع بصورة عامة.
* دخول العراق في الأحلاف الثنائية والمتعددة (حلف بغداد) التي كانت تخدم دول الإستعمار وتفقد سيادة العراق على أراضيه كما فعل لاحقا حزب البعث الصدامي المحظور.
* عدوان السويس الثلاثي على مصر الحبيبة سنة1956 ودعم واشنطن لعميلها عبدالناصر ليعمر جاثما على صدر شعب مصر ، وموقف النظام الملكي في العراق من دول هذا العدوان، الذي أدى الى توحيد جهود الاحزاب المعارضة وجماهيرها.
*تصاعد حركات التحرر في العالم الثالث بصورة عامة وفي الوطن العربي بصورة خاصة فثورة الجزائر ضربت مثلاً على التصدي للمستعمرين.
*إدراك الأحزاب السياسية في العراق عدم قدرتها على التصدي للسلطة واجراءاتها التعسفية منفردة وقد بادرت الأحزاب السياسية بالإتصال والتنسيق فيما بينها من أجل التوصل الى صيغة للتعاون والأخذ بنظر الإعتبار الظرف الصعب الذي يمر به الوطن العراق.
موقف الأحزاب السياسية خلال مسيرة الثورة
انعكس الخلاف بين قائد الثورة وعبدالسلام عارف وبين قادة الضباط الأحرار الآخرين على الأحزاب السياسية والشارع العراقي، ومع احتدام السلطة تخندقت الاحزاب السياسية في خندقين متقابلين:
الأول: مساندة العقيد الركن عبدالسلام عارف الذي تمثل بالتيار القومي والعناصر المحافظة والإسلاميين والبورجوازيين و المتضررين من الثورة.
الثاني: المساندة للزعيم الركن عبدالكريم قاسم الذي تمثل بالشيوعيين واليساريين والديمقراطيين والقاسميين وكل التقدميين، وتحول هذا التخندق والفوضى السياسية الى صراع دموي وبالتالي اخفقت الثورة في تحقيق أهدافها، ومن ثم تحول النظام نحو الفردية وسيطرة العسكريين وضرب كل القوى السياسية وحتى المساندة له.
وشكل عصيان الأكراد في أيلول 1961 وإنهاء الحياة الحزبية العلنية فعلياً واستقالة معظم الوزراء وتوسع حملات الإعتقالات لتشمل قوى وفئات جديدة حتى شملت الشيوعيين أنفسهم.
كل ذلك شكل مرحلة جديدة من الفرز للقوى السياسية المؤيدة لحكم قاسم وقوى المعارضة التي اتسعت في هذه الفترة بشكل كبير فيما اخذت قاعدة التأييد لحكم عبدالكريم قاسم تنحسر وتنكمش واتسمت الخارطة السياسية لتلك القوى بما يأتي:
الحزب الوطني الديمقراطي
اخذت قيادة هذا الحزب تنتقد سياسة عبد الكريم قاسم في جميع المجالات وقدم وزراء هذا الحزب استقالاتهم من الوزارة بسبب سوء الأوضاع وغياب الديمقراطية واستمرار الفوضى السياسية وسوء الأوضاع الإقتصادية وما سمي بالسلوك الفردي لرئيس الحكومة في إدارة شؤون البلاد. وتحول قادة هذا الحزب وكوادره بين منتقدين ومحايدين للحكم أزاء الصراع الدائر في البلاد بين القوى السياسية والحكم وقسم آخر آثر المعارضة السلبية.
الحزب الشيوعي
بعد احداث الموصل وكركوك هاجم عبد الكريم قاسم الشيوعيين في خطاب القاه في كنيسة مار يوسف ببغداد هاجم الأعمال الفوضوية التي ارتكبت في كركوك ومدن أخرى من العراق وصفها بأنها أشبه بأعمال المغول وشجبها ومما قال في ذلك الخطاب:”لدي تصاوير التقطت خلال الحوادث تدين بعض الجماعات وان هذا العمل أريد به أن يتكرر في الناصرية وفي السماوة وفي بغداد في الأعظمية وفي الكرادة والكرخ إلآ أننا أوقفناه في اللحظة الاخيرة “.
وقد أصدر قاسم أوامره الى قادة الفرقة العسكرية والى المتصرفين (المحافظين) بأن يوقفوا المد الشيوعي كما تولى بنفسه إفهام الشعب بأنه سحب تأييده للحزب الشيوعي من خلال خطبه التي كان يلقيها واخذ قاسم يقلم أظافر الشيوعيين، فابعد الضباط الشيوعيين من الوحدات الفعالة واستدعى كلاً من مدير الاستخبارات العسكرية ومدير الأمن وطلب منهما تحجيم الشيوعيين خاصة في الجيش.
وبينما كانت الخارطة السياسية للمعارضة ضد حكم قاسم تتوسع بشكل كبير كانت قواعد وجماهير الحزب الشيوعي تتقلص ويفقد مواقفه الحساسة في الجيش ودوائر الدولة وعلى صعيد النقابات العمالية والفلاحية والمهنية والقطاعية.
وحال قيام انقلاب 8 شباط الأسود 1963 أعلن الشيوعيون مقاومتهم لهذا الإنقلاب وبعد نجاحه جرت أكبر حملة تصفيات وقتل للشيوعيين وهكذا دفع الحزب الشيوعي ثمن أخطائه باهظاً جداً من قياداته وكوادره واعضائه ومؤيديه، مثلما دفع الشعب الثمن نتيجة هذه السياسية وكان من الممكن أن تكون النتائج عكس ذلك لما فيه خير الشيوعيين والقوى السياسية وخير الشعب لو كانت هناك دراسات جدية وموضوعية لواقع العراق في تلك الفترة وخطط لمعالجة تلك الاوضاع بشكل عملي وبمشاركة حقيقية لكل القوى الوطنية والقومية في البلاد. عسى أن يكون ذلك درسا لا يخالطه إعتداد من خرب العراق بالإثم في هذه الأيام وبحضرة التاريخ وأبناء اليوم.