حقيبة ملغومة

طاهر حسن

taher_ab2003@yahoo.com

مررت قبل يومين بموقف أوله مرعب منشّف للريق وآخره مضحك مطمئن للقلب..

ملخص هذا الموقف أن أحد راكبي حافلة نقل الركاب وكان فقير النطق والسمع(اخرس -اطرش) قد وضع حقيبته التي لايحسد عليها ولاتحسد عليه على المقدمة الامامية من الحافلة (الدشبول) وأخذ مكانه في أحد المقاعد الامامية حتى لايضايق الركاب بالحقيبة المنتفخة إضافة لضيق المكان وبدانة صاحب الحقيبة  المفرطة..

ومن سوء حظنا كان تفتيش السائق للركاب في ذلك اليوم خاطفا وسريعا بل وركب البعض من دون تفتيش، وعرفت فيما بعد أن صاحب الحقيبة واحد من الذين لم يحظوا بالتفتيش من قبل سائقنا ذي النية الحسنة وطبعا لحقت به حقيبته الرثة أيضا.

بعد أن أخذ الجميع مكانهم صاح أحد الركاب :( فتشت الجنطة اللي على الدشبول سايقنه؟!)،حينها نظر اليها السائق باستغراب وقال: (كلا  لم أفتش هذه الحقيبة) ،وأردف موجها استفهامه لنا: (لمن هذه الحقيبة يا اخوان؟) ،فلم يجبه أحد!! فكرر ماقاله، وكانت هذه المرّة من وقوف وبنبرة أشد حدة وأعلى صوتا من سابقتها ((لمن هذه الحقيبة))؟؟!!

حينها استولى الصمت والوجوم في فضاء الحافلة ،فبادر أحد الركاب ممن يجلسون في مؤخرة الحافلة وركض متعثرا مرتعبا متجها نحو باب الخروج ،وتبعه الذي بجنبه فهرع الجميع صوب الباب -وكاتب السطور من بينهم - والبعض يصيح ((الحقيبة مفخخة ، انها ملغومة ،السيارة ستنفجر))

علّق أغلبنا في فتحة الباب الضيقة فالجميع يريد الظفر بركضة النجاة مما تخبئه لنا هذه الحقيبة المرعبة،ولا أنسى ماحييت ذلك الضعف الذي غلبني خلال الضغطة المميتة التي عصرتني وأنا أتمايل في أتون التيار البشري المتلاطم .

كان هذا الجانب من الموقف هو المروع والمنشفّ للريق ،أما المضحك والمطمئن منه فكان حين شاهدنا صاحب الحقيبة حاملا حقيبته المنتفخة الى الاعلى وموظفا كل طاقاته البدنية ومهاراته التدافعية في  خضم معصرة المتزاحمين ليسبقهم الى فضاء الهرب ،فهو قد أدرك بأن الحافلة فيها قنبلة قد تنفجر في أي دقّة من دقات قلبه المضطربة ولكن لايدري كيف وأين ومتى!!

قال أحد الركاب مخاطبا صاحب الحقيبة :هل أنت صاحبها ؟!فوضع صاحبها أصابعه على فمه محاولا اجابته بطريقة الـ(صم،بكم)!!

وفرّ عليه سائق الحافل عناء الايضاح من غير كلام واقتلع الحقيبة من بين يديه ليرى مافي بطنها المنتفخ، فأخرج منها بعض أشرطة الكاسيت المستعملة والتي تعود الى ثمانينيات القرن الماضي وسبعينياته.

طبعا هذا الشعور بالتوجس والخوف بات من لزوميات حياتنا اليومية ، ولايمكن لأحد أن يقول انه بعيد عن شبحه سواء كان راجلا أم راكبا ،مستيقظا أم نائما ففنون النسف والتفخيخ وإبادة ذوي النفس المحترمة لاتستثني مكانا أو زمانا أو انسانا ،وربما وضع حقيبة ملغومة في حافلة ركاب يعد من أبجديات تلك الفنون الرهيبة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com