|
سؤال وجيه مطروح في أروقة المثقفين والسياسيين وكذلك عند بعض أبناء الشعب العراقي المتخوفين من شبح صدام وحكمه البوليسي وسلطانه المنتشر والمتغلغل في النفوس وفي الضمائر لأنه صار رمزا لكل شر ولكل ظلم ولكل قسوة يمكن أن يتصورها عاقل ، فأمريكا لم تثبت - لحد الآن - للشعب العراقي أنها جاءت لتحرير العراق وتخليصه من الحكم البعثي كما زعمت قبل دخولها العراق بل ان اغلب أبناء هذا الشعب باتوا متأكدين أنهم قد خدعوا بتلك العهود والوعود التي أطلقتها الإدارة الأمريكية قبل الغزو ، فما حدث ويحدث هو العكس تماما لذا فان المخاوف الشعبية لها ما يبررها خصوصا إذا ما علمنا ان البيت الأبيض ذو سياسة مزدوجة فهو يقنع الأبيض انه المفضل عنده وبنفس الوقت يقول للأسود انه الحصان الرابح في السباق لكي يبقي النزاع والصراع بين هذين اللونين مستمرا فيفرق الجماعات ليسد بها الثغرات وهي السياسة المفضلة لدى الدول الاستعمارية منذ وجودها . وإذا ما عدنا قليلا للوراء لنتذكر كيف ان الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم كان مؤمنا بشعار المصالحة والمسامحة والكلمة المشهورة عفا الله عما سلف حين كان بمقدوره القضاء على بذرة البعث ووأد ذلك الجنين الفاسد الذي زرع في جسد العراق كما زرعت إسرائيل في جسد العرب إلا انه - كما يفعل رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي - فضل أن يسامح ويعض على الجرح ليبني شعبا طاهرا ومجتمعا متماسكا يخلو من الحقد والكراهية متناسيا انه ليس للبعثيين من عهود ، فاستمروا يخططون ويتحينون الفرص للقضاء على حكمه العادل والذي لا ينفع بطبيعة الحال الدول الاستعمارية الاستكبارية التي لا تفضل حاكما يقف على أبواب الفقهاء بل تريد العكس لذا وبعد أن يئست من أن تجعل من ذلك الحاكم الوطني رجلها في المنطقة قررت مساعدة الانقلابيين البعثيين على القيام بإنهاء حكم الزعيم عبد الكريم قاسم وأمدّتهم بكل ما يمكنهم من السيطرة على أمور البلاد وكذلك الضغط على دول المنطقة لكي تعترف بحكمهم وانقلابهم وبين ليلة وضحاها صار صداما الرجل الأول الملبي والمطيع لكل أوامر واشنطن من حملة الإعدامات التي شنها على العلماء والفقهاء المعارضين لحكمه إلى تصفية الرموز الوطنية وإلغاء التعددية الحزبية وشن الحروب الهمجية وغيرها من منكراتها المعروفة والمشهورة ، لكن وكما قلنا فان أمريكا ليس لها سياسة واحدة إلا المصلحة الخاصة فقط ،لذا قررت أن تنهي هذه الحقبة من تاريخ العراق بعد أن وجدت أن حكم البعث قد تهاوى ووصل آخر أيامه فوجدت ان يكون التغيير بيدها لا بيد الشعب لتكون هي المسيطرة على مقاليد الأمور ووضع الرجل المناسب والملائم لطموحاتها . وبعد دورة الحكومات المتعاقبة ( مجلس الحكم ، الحكومة المؤقتة ثم الحكومة الانتقالية ) آلت الأمور بعد الانتخابات العامة في العراق إلى أن يكون الحكم بيد رجل يمتلك من المواصفات الكاريزمية ما يؤهله أن يكون رجلها في المنطقة بل في الشرق الأوسط عامة فلم تزل تثني عليه وتدعمه وتؤازره في كل ما يفعل وكل ما يخطط وكل ما يقول بل حتى حينما ينتقد السياسة الأمريكية ورئيسها وكبار المسؤولين في البيت الأبيض فهذا هو اللون الأبيض الذي تلعب بورقته لتضرب به الرجل الأسود المضاد له في التوجهات والأفكار( المذهب ) وهذا أمر مهم جدا من وجهة النظر التفريقية فسوف تكون المنازلة قاسية وصعبة على الطرفين فأما الحياة وتعني موت الثاني وأما الاستسلام والانزواء بعيدا عن السلطة والحكم وهذا ما لا يفضله الرجل الأسود الذي لا زال دائرا سائرا متنقلا بين الدول المحور في الصراع ( أمريكا وبريطانيا) لكسب ودها وتأييدها وتقديم فروض الطاعة والولاء والتنازل عن شعاراته السابقة حول ضرورة خروج القوات المحتلة من العراق ، وبين دول الجوار الرافضة للعملية السياسية في العراق برمتها ( مصر و الأردن و قطر و السعودية) للتشاور معها في أمور الانقلاب القادم وكيفية مساعدتها ودعمها ومساندتها له إعلاميا وعسكريا ولوجستيا . فمن سيكون رجل أمريكا في المنطقة ، ومن الذي سيخلف حكم صدام الدموي الميكافيلي الذي لا يهتم بالوسيلة ما دامت الغاية هي السلطة والحكم ، ومن الذي سيحقق ويلبي طموحات الإدارة الأمريكية ويسير وفق الإستراتيجية الجديدة ؟ هل هو الرجل الأبيض الذي يتمسك بشعار المصالحة والتسامح ويحاول نشر الأمن والسلام في عموم محافظات العراق ويتكلم بلغة العراقي وبثقافة التوحد وثقافة حسن الجوار .؟ ام ان الرجل المفضل لدى واشنطن هو الداعي لانهار من الدماء والمتكلم بلغة العنف وثقافة التمذهب والطائفية والتفرقة؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |