|
في معلبات من الاسمنت تختنق مدننا من الشمال الى الجنوب ...نبنيها ونترك اجسادنا لتتعلب فيها كالسردين.تقليها حرارة صيفنا اللاهب بزيت عباد الشمس.....البناء في عالم اليوم خرج عن تعريف المسكن المحض الذي يلم شتات العائلة بين جدرانه.. وتحول الى هم كبير يستنزف منا العمر باكمله !! المسكن البسيط الذي تنهمر فيه عواطفنا ..ونتبادل شراكتنا في الاستمرار صار ثقلا يظلل افاق المحيط بالهموم ...سنة ...سنتين ...سنوات... كم عمرا نعيش ليكون في مقدورنا الحصول على الحلم المؤجل؟ ان نستظل بمسكن حالم هاديء لانخشى فيه تهديد المجهول طالما ان ذاك المسكن ملك للاخرين؟ الهروب المؤقت من ذلك..لابد فيه من اللجوء الانساني الى بيت العائلة .. البيت الكبير المزدحم بأجيال عديدة..والذي لاننجو فيه من التهديد..وسيل جارف من المشاكل. فلسفة البناء جزء من فلسفة الحياة.. ولأن البيت اول لبنة في صرح الحضارة...فقد صارت بيوتنا جزءا من الحضارة ..الحضارة التي زرعنا فيها أبائنا وتركونا لنتكاثر كنبت بري يجب ان يقاوم كل شيء ...وان يعيش في نهاية الأمر. الحديقة الجميلة التي نترتب فيها كزاوية جميلة ينتقل فيها فراش الابداع والأمن والأطمئنان غابت عنا لنصير ضحايا القلق المتصاعد ونحن نبحث عن حديقة بيت صغير. وهل نحن مجبرون على معانقة الحسرات في بيت أسمنتي ..في بلد من الاسمنت؟ قاس ...ساخن ...بارد...جاف هو الاسمنت بلونه الرمادي ... امالنا واراداتنا التي تتحطم على جدران الأسمنت تثير في معنى وجودنا الكثير من الفوضى ...وهدر العافية...والرغبة الجامحة في الكراهية ... كراهية الاسمنت...الذي نتقزم ازاءه كنمل سليب الارادة. أجول كل يوم في بغداد الرمادية ...تصطدم افكاري بكتل الاسمنت التي عبرت المحيط مع الديمقراطية...تضاف خيبات أمل جديدة لخيباتي القديمة. ورغم هذا فلا زلت أحمد الله بانا لانعيش في بلد أعاصير وزلازل ...لان أبنائي سيرثون مني هموم الحسرة على المنزل البسيط في مدن الفولاذ...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |