ميلاد دولة نفطية جديدة!!

 

د. عبدالله المدني / باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية

elmadani@batelco.com.bh

تقف اليوم شركات نفطية من اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة والكويت واستراليا وفرنسا والصين في طوابير على أبواب كمبوديا من اجل الحصول على حقوق التنقيب عن النفط والغاز في هذه الدولة التي أنهكتها ثلاثة عقود من الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية والأنظمة القمعية، بل التي لولا المساعدات الدولية لما استطاعت أن تقف على قدميها.

 ويأتي هذا التطور في أعقاب دراسات قام بها البنك الدولي وجامعة هارفارد الأمريكية والأمم المتحدة ومؤسسات أخرى معروفة، وأفادت جميعها بأن هذه البلاد تنام على ثروات هائلة من الطاقة غير المكتشفة يمكن – وفق بعض التقديرات – أن تزيد على بليوني برميل من النفط ونحو عشرة تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. ولعل ما عزز من مصداقية هذه الدراسات هو أن شركة تشيفرون النفطية الأمريكية التي أنفقت حتى الآن ما مجموعه 130 مليون دولار على أعمال النقيب في كمبوديا، قد نجحت بالفعل في العثور على النفط في العامين الماضين في خمسة من اصل ستة آبار حفرتها في المياه الإقليمية الكمبودية في خليج تايلاند، حيث يعتقد وجود احتياطيات تتراوح ما بين 500 – 700 مليون برميل من النفط و3- 5 تريليون قدم مربع من الغاز بحسب التقديرات الأولية.

 وبطبيعة الحال فان هذا يمثل خبرا سعيدا نادرا لبلد يعيش نحو 40 بالمئة من سكانه البالغ تعدادهم 14 مليون نسمة تحت خط الفقر (أي الذين يحصلون على اقل من نصف دولار في اليوم)، ويموت فيه 30 ألف طفل سنويا بفعل الأوبئة ونقص العلاج، ولا يحصل 50 بالمئة من أطفاله على التعليم ما فوق الابتدائي بسبب الفاقة والعجز، ولا تصل الطاقة المستوردة إلا إلى 15 بالمئة من سكانه طبقا لتقارير المؤسسات الإنمائية الأممية. فالتقديرات التي اشرنا إليها حول حجم ثروات كمبوديا من النفط والغاز، بامكانها وفق أسعار الطاقة الراهنة في الأسواق العالمية أن تضخ عوائد تصل إلى نحو 6 بلايين دولار سنويا على مدى العقدين القادمين. وهذا بطبيعة الحال رقم يفوق عدة مرات إجمالي ما تحصل عليه كمبوديا سنويا من عوائد صادراتها ومن أموال المساعدات والهبات الخارجية، بل يفوق أيضا حجم الناتج المحلي الكلي للبلاد والذي لا يتجاوز في أفضل الأحوال 5 بلايين دولار.

 غير أن هناك من يحذر من احتمال أن تتحول هذه الثروات من نعمة إلى لعنة على الكمبوديين، تأسيسا على ما حدث في دول عالمثالثية فقيرة أخرى بعيد اكتشاف النفط فيها. ففي بعض الحالات لم يستفد عامة الشعب من عوائد النفط بقدر ما استفادت حفنة من الساسة والمتنفذين. وفي حالات أخرى كانت عوائد النفط سببا في قيام الحروب الأهلية وتحول البلاد إلى ساحة للصراعات والتدخلات الإقليمية، ودافعا للمغامرين للقيام بانقلابات عسكرية متتالية وبما أدى إلى فقدان الاستقرار السياسي. وإذا ما شئنا البحث عن أمثلة نسند به هذه المخاوف، فان الحالة النيجيرية تبرز كأفضل مثال. فنيجيريا التي برزت كدولة نفطية منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، وصدرت منذ ذلك الحين ما قيمته 400 بليون دولار من النفط والغاز، لا تزال تعيش حالة من البؤس والفقر والتخلف أسوأ بكثير مما كانت تعيشه قبل اكتشاف النفط ، بدليل أن 70 بالمئة من شعبها لا تزيد دخولهم اليومية عن دولار واحد. والسبب هو فساد الأنظمة التي تعاقبت على حكمها وتوجيه مداخيلها النفطية نحو المصالح الشخصية والقبلية والجهوية بدلا من مشاريع التنمية الوطنية المؤدية إلى خير المواطن وازدهار الوطن، الأمر الذي ساهم في ظهور الميليشيات المسلحة واستهدافها للمنشآت النفطية بالاعتداء والتخريب.

 وهكذا إذا ما أخذنا في الاعتبار عوامل متجذرة على الساحة الكمبودية مثل تفشي الفساد والمحسوبية والنزعة الديكتاتورية وغياب الشفافية وضعف اطر الدولة المؤسساتية، رغم كل التحولات التي شهدتها البلاد منذ بدء عملية السلام في أوائل التسعينات، فان فرضية تحسن الأحوال الاقتصادية لعموم الكمبوديين بفعل تصدير النفط الذي يتوقع أن يبدأ في عام 2008 و2009 مشكوك فيه بحسب بعض المراقبين. حيث يراهن هؤلاء على أن النظام الكمبودي الحالي بقيادة رئيس البلاد القوي " هون سين" سوف يكون حينذاك متحررا من الاشتراطات التي تفرضها الهيئات والدول المانحة مقابل حصوله على المساعدات والمنح والهبات الإنمائية، علما بأن هذه الاشتراطات لعبت حتى الآن دورا محوريا في دفع كمبوديا نحو شيء من احترام حقوق الإنسان وتأسيس المؤسسات الديمقراطية والالتزام بالمعايير الدولية في الإنفاق العام. وبعبارة أخرى يمكن لحكومة " هون سين" أن تقول للهيئات والدول المانحة اذهبوا إلى الجحيم فلم اعد مكترثة بمساعدتكم وشروطكم، فقد صار عندي ما يغنيني عنها! ولعل ما يدفع إلى هذا القول أن الرجل قد بدأ بالفعل في تجاوز القانون بتأسيسه مؤخرا لسلطة خاصة بالطاقة ووضعها تحت إشرافه المباشر واحاطة أعمالها بالسرية التامة. 

و من ناحية أخرى، فانه ما لم يتم التوصل إلى اتفاقية ودية ما بين كمبوديا وجارتها تايلاند حول ترسيم الحدود البحرية في مياه خليج تايلاند، حيث توجد ثروات النفط المغمورة، والاستغلال المشترك لهذه الثروات، فان إشكالات مريرة قد تقع بين الدولتين الشريكتين في منظومة آسيان، محولة بذلك نعمة النفط إلى نقمة على حالة السلام الراهنة في المنطقة. والجدير بالذكر أن الدولتين تدعيان السيادة على مناطق حدودية برية وأخرى بحرية متداخلة في خليج تايلاند بمساحة 2600 كيلومتر مربع، وبما جعل حتى استغلال الثروة السمكية في الأخيرة مشكلة. وكحل لهذا الإشكال اقترحت فنوم بنه في عام 2000 أن يتعاون البلدان معا في استغلال وإنتاج نفط المنطقة المغمورة، مشيرة إلى أن البديل هو استمرار الخلاف لمائتي سنة أخرى. إلا أن بانكوك ردت بالرفض، وهو ما أرجعه المراقبون إلى عوامل تاريخية قديمة مؤججة للعواطف القومية. وفي العام التالي تم الاتفاق بالأحرف الأولى على البدء في مفاوضات لترسيم تلك الحدود البحرية لكن دون أية نتائج ملموسة على الأرض. ومما يمكن قوله على هذا الصعيد أيضا أن الجارتين الآسيويتين دخلتا في مفاوضات لحل المشكلة في عام 1995 ، إلا أن الاضطرابات السياسية التي حدثت في كمبوديا في عام 1997 معطوفة على تغير الحكومة في بانكوك في العام نفسه، أفضيا إلى تجميد تلك المفاوضات. وفي عام 1998 تعمق الخلاف أكثر كنتيجة لاتفاق تايلاند وفيتنام على البحث المشترك عن النفط والغاز في مياه خليج تايلاند، بما في ذلك المياه التي تدعي كمبوديا السيادة عليها.

 ومختصر القول أن مدى استفادة الكمبوديين من ثروة بلادهم الهائلة من الطاقة يعتمد بالدرجة الأولى على نمط الحكم. فان كان نزيها وشفافا وخاضعا للمحاسبة الديمقراطية، فقد تنعم البلاد بخطط تنموية طموحة وذات مردود ايجابي على الأحوال المعيشية بصفة عامة. أما في ظل نظام حكم تسلطي وأجهزة حكومية غير معينة بقواعد الشفافية والمحاسبة، فان عوائد الثروة النفطية سوف تزيد الهوة ما بين الفقراء والأغنياء، بل ويمكن أن تلعب دورا في زيادة رعونة النظام واستشراء الفساد ، خاصة إذا ما عرفنا أن الصناعة النفطية لا تخلق في العادة فرصا وظيفية كثيرة وتتسبب في التضخم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com