|
الليبرالية هي الحل محمد محبوب على الرغم من وجود ملامح تيار ليبرالي أو أرهاصات ليبرالية واضحة على الساحة السياسية والثقافية في العراق كما يمكن أن نتلمس بصورة جلية النشاط الدؤوب لشخصيات ليبرالية مرموقة فضلا عن وجود أحزاب أقرب الى الخطاب الليبرالي وأن تكن هويتها الليبرالية لم تتبلور بعد ولازالت تفتقد الى الجماهيرية المطلوبة ، نقول على الرغم من ذلك فأن الأوضاع الكارثية التي يعيشها العراق منذ أربع سنوات تحتم بروز تيار ليبرالي قوي ينقذ البلد من هذا النفق المظلم. غياب الليبرالية السياسية في عراق اليوم في ظل الأنقسامات الطائفية والعرقية يفاقم من خطورة الأزمة العراقية ويطيل أمد معاناة العراقيين ، من هنا فأن بروز تيار ليبرالي يشتغل على نشر الثقافة الليبرالية في الشارع العراقي سيعجل في أنفراج الأزمة من خلال مغادرة الحلقة المفرغة لمشكلات أوجدتها التيارات الأسلامية والقومية واليسارية ولاتتوفر لديها أمكانية تقديم حلول لها ، والأنتقال الى خلافات عملية تتعلق بالحياة السياسية والأقتصادية الداخلية. وفي مقدمة التحديات التي تواجه تشكل تيار ليبرالي جماهيري هو تأثير رجال الدين والأحزاب الدينية الذي يهيمن على الشارع العراقي بأستثناء كردستان العراق وأن بدأنا نلاحظ أنتشار ملحوظ للحركة الأسلامية الكردية في ظل شعور المواطن هناك بالتذمر من الفساد الأداري والمالي وضعف الخدمات. ولابد للتيار الليبرالي ان يحتوي هذا التأثير الواسع للعامل الديني عبر الأنطلاق من قاعدة الأصلاح والتنوير الديني لا التناقض مع الدين ، يمكن للتيار الليبرالي أن يستثمر مساهمات فكرية مرموقة قامت على التوافق بين الأسلام والليبرالية بدأها كل من محمد عبدة وجمال الدين الأفغاني ورفاعة حسن الطهطاوي ، مساهمات يمكن أن تقدم رؤى وأفكار متقدمة تدفع إلى بناء وظيفة اجتماعية وسياسية واقتصادية للإسلام تخدم التطور السياسي والتنمية الاقتصادية ولا تعيقهما، فيمكن الإفادة من هذا الاتجاه الإسلامي والبناء عليه. ومن الأشكاليات التي يتحتم على الليبرالي العراقي مواجهتها تلك الصورة النمطية السائدة عن صورة الليبرالي التي يعمل رجال الدين والأحزاب الدينية ليل نهار على ترسيخها في ذهن المواطن العراقي والتي تقدم الليبرالي كداعية للأنحلال الخلقي والأستهتار بالقيم والأخلاق والتنكر للثقافة العربية والأسلامية. ولعل المناقشات التاي رافقت كتابة الدستور العراقي الحالي والتوجسات التي عبر عنها الأسلاميون الشيعة والسنة ـ المرة الوحيدة التي توحدوا فيها ـ خشية من تضمين الفكر العلماني في الدستور الذي ينشر الشذوذ الجنسي على حد قولهم والغريب أن شخصيات شيعية بارزة تحظى بتأييد ومباركة مرجعية النجف تحدثت حول ذلك في محاولة لتشويه العلمانية والليبرالية في نظر المواطن العراقي الذي لازال يعاني من الأنقياد الأعمى لسلطة العمامة ولخطاب الأسلام السياسي ، ولم يكن الأمر أقل سوءا في مرجعية سنية مثل هيئة علماء المسلمين التي تربط الفكر الليبرالي بالماسونية والتنكر للدين والعلاقة مع المحتل الأمريكي. ومن أبرز التحديات التي تواجه الليبرالي العراقي تأكيد هويته الوطنية ورفضه للتبعية الفكرية والسياسية والأقتصادية حيث يحاول الأسلاميون والقوميون واليساريون ترويج أتهامات بقصد التشويه مثل علاقة التيارات الليبرالية بالمشروع الأمريكي في المنطقة والأعتراف بأسرائيل وتلقي التمويل من مؤسسات أمريكية والترويج لسياسة العولمة وما الى ذلك مستغلين حساسية الشارع العراقي في الوسط والجنوب من هذه الموضوعات الشائكة. يمكن للتيار الليبرالي العراقي أن ينطلق من قواعد أساسية تحظى بتأييد المواطن الذي بدأ يتذمر من عجز حكومة الأسلام السياسي عن أيجاد الحلول لمشكلاته اليومية ومسؤوليته في أفراز المشكلة الأمنية وأندلاع الحرب الطائفية ، قواعد أساسية تتمثل في نشر مبادئ التعددية الفكرية والسياسية والدينية ووحماية حرية الفرد وتداول السلطة السياسية سلميا ونبذ أحتكار السلطة والأيمان بالنظام الجمهوري الدستوري البرلماني والفصل بين السلطات الثلاثة السلطة التشريعية ( البرلمان ) والسلطة التنفيذية ( الحكومة ) والسلطة القضائية فضلا عن السلطة الرابعة ( الرأي العام ) التي تمثل الصحافة أحدى وسائلها المهمة والفاعلة والقادرة على مراقبة أداء السلطات الثلاثة الأولى وكشف الفساد وترسيخ تقاليد ديمقراطية. ومن هنا يأتي دور النخب السياسية والثقافية والأكاديمية في نشر الوعي والثقافة الليبراليين وأستثمار المنابر المتاحة كافة لهذا الغرض وأشراك مكونات الشعب العراقي المتنوعة في بناء حركة ليبرالية قوية وفاعلة تكون بديلا مقبولا ومنقذا من الأوضاع المدمرة التي تعصف بالبلاد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |