|
قراءة في جذور الواقع السياسي للعراق الجديد (2) ثقافة المعارضة وعقلية السياسيين الجدد محمد سعيد المخزومي وتتلخص هذه المشكلة في (ثقافة الإقصاء) ومنهج العزل و(قرار الحذف) الذي غالبا ما تنشب مخالبها في عقول أبناء الحركات المعارضة عموما إلا من رحم الله وخلصت من تلك الشوائب، تلك الثقافة التي من أبرز معطياتها أن اخسرت الحركة الإسلامية في العراق حلمها الذي كانت تعمل من اجله، حيث كانت ثقافة المعارضة تختصر الطرف الآخر عالما كان أو فقيها، كوادر عركها التاريخ أو طاقات صنعتها سنون الجهاد، كفاءات سياسية وُلدتْ من رحم المعاناة أو تيارات اجتماعية لها حضورها الفاعل في المجتمع، ليتمخض ذلك الاختصار كله عن تلك الخسارة التي تراجع بها القوم عن أهدافهم التاريخية ليقبلوا بالحل الديمقراطي الغربي. ثم يستمر قرار الحذف وثقافة إقصاء الأخوة لإخوانهم في الجهاد والمصير والمعاناة الى ما بعد سقوط الطاغوت، خاضعين لقرارت ثلاث قرار النفس وثقافة المعارضة وليس العقل، والقرار السياسي الاقليمي، ثم القرار السياسي الدولي، حتى اذا بدأت الانتخابات الشعبية العارمة تمخضت بسبب تلك الثقافة عن اختصار (الأغلبية الشعبية) وتحويلها إلى (أقلية سياسية)، تلك الأغلبية الشعبية التي كان من المفروض أن تأتي بالأغلبية الساحقة من الأصوات الانتخابية لتشكل حكومتها الشعبية بسرعة وتختصر معاناة الشعب المنهك، وتؤلف وزاراتها الوطنية، وتمضي قُدما في مشاريع البناء، وسريعا في أعمار البلاد ، وحسما في قمع فايروس الإرهاب، والتخلص بحزم من برامج مكافحة الإرهاب، ففقدوا بسبب تلك الثقافة الكارثية: عنصر المبادرة، ومبدأ اغتنام الفرص التاريخية التي حينما تذهب لن تعود وقد قالها أمير المؤمنين عليه السلام ( اضاعة الفرصة غصة) ([1]). أو كما قال الشاعر: وإن أمكنت فرصة في العدو***** فلا يــــك هـمك إلا بها فإن تك لم تأت من بـــــابها ***** أتـــاك عدوك من بابها وإيــاك مـــن نــدم بعـــــدها *****وتأميل أخرى وأنى بها فتمخضت معطيات تلك الثقافة القديمة مجددا عن تنازل أكثر على حساب الشعب بالقبول بما يسمى بالمصالحة الوطنية مع قتلة الشعب المذبوح فأدخلوهم في مناقشة الدستور وهم ممن لم ينتخبهم الشعب لهذه المهمة كما يعرفها الاعمى فضلا عن المبصر، بل ممن كانوا في الرعيل المتميز في ركاب جهاز النظام البائد، حتى وصل الأمر في مرحلته الحاضرة إلى القبول بواجهات البعثيين في اروقة الحكم الجديد تحت عناوين مختلفة لتقوم بالدفاع في وضح النهار عن حلمهم في عودة النظام السابق وتنعت القتلة بالمسلحين تارة والمقاومة تارة اخرى وابناء الشعب تارة ثالثة. وما ذلك إلا بسبب التفريط بالطاقات العراقية المخلصة الذي أدى إلى غياب المشروع السياسي للحكومات العراقية في الوقت تستأنس قوات الاحتلال لهذا الفراغ والغياب في السياسي المشروع، وعدم تماس الطاقات العراقية الأمر الذي يجعل حكومة الاحتلال تعبث بما يحلوا لها. وما عيب تلك القوى والطاقات العراقية إلا أمرا واحدا هو كعيب الدعابة التي أعاب القوم بها على أمير المؤمنين عليه السلام وأخرجوه على أساسه في الظاهر من ميدان الحكم والسياسة، فكان عيبها أنها لم تكن في دائرة هذا الحزب أو تلك الفئة. ويا ليت الاخوة رواد العملية السياسية الحالية لو (تصالحوا مع إخوانهم) و(أبناء جلدتهم) وتوافقوا مع (رفاق محنتهم) وتقاربوا مع (شركاء معاناتهم) و(أبناء وطنهم) لما احتاجوا إلى التنازل للبعثيين باسم (المصالحة الوطنية والتوافق الوطني) لكنما أمير المؤمنين عليه السلام قالها من قبل قرون لو كانوا يعقلون أن ( من ضيعه الأقرب اُتيح له الأبعد) ([2]).. ولا أقول ذلك إلا اضطرارا ... وبعد أن خسر عراقنا بسبب تلك الثقافة الكثير حتى كلفتنا مقابر جماعية جمة، وقتلا لقوافل من العلماء الأفذاذ، وتصفيات لجحافل من فطاحل الأمة، ثم أحواض الحوامض الكيمياوية، ومفارم لحوم البشر، والمبيدات القاتلة للإنسان بالجملة، والسجون المظلمة، والتهجير القسري، والمصادرة التامة لأنفاس الإنسان، حتى هذا اليوم حيث شلالات الدم المراق في ساحات العراق، وبعد أن بلغ عدد ضحايا أهلنا ما بين ال( 500-1000) يوميا بين ذبيح الودجين، وقطيع الرأس، ومعلق على أعمدة الكهرباء، ومفروما في مطاحن مفخخات البعثيين والطائفيين الأشرار.... الأمر الذي يشير إلى إحكام توافر الظروف الموضوعية لمشروع المؤامرة وفي مقدمتها ثقافة السياسيين في الإقصاء والحذف للمخلصين الذي أدى إلى تهيئة الظروف الملائمة لذلك المشروع كما أسلفنا بحثه في الحلقة السابقة. ولأن الحكام الجدد هم من السياسيين الشيعة والاكراد والسنة بشكل رئيس فقد وجب الوقوف عند ابرز الواجبات والمسؤوليات المناطة بهم حتى لا يزدادوا تخبطا على تخبط . فكان لابد من ذكر ابرز المسؤوليات على صعيد السياسيين الشيعة. وأبرز المسؤوليات على صعيد السياسيين الكرد. وأبرز المسؤوليات على صعيد السياسيين السنة.
الواجب الأول: ابرز المسؤوليات على صعيد السياسيين الشيعة ولأن السياسيين الشيعة المنفردين في الحكم جديدوا العهد بممارسة الحكم وإدارة الدولة ومواجهة تركات النظام البائد، اضافة الى ممارستهم القديمة التي كانت العمل في إطار المعارضة للنظام السابق، فإن ذلك يوجب عليهم أمورا عديدة اختصر منها ما يلي: أولا: خلع جلابيب ثقافة المعارضة قد يعتبرني البعض اني قاس في هذا النقد فاقول أن ما يميز الناصح عن المَلِقِ هو أن الأول جريء لا يساوم ومشفق لا يريد جزاءا ولا شكورا، بينما الثاني جبان في الحق منافق مع رفيقه لأنه يزين له الغلط ولا يريد له في نهاية المطاف إلا الشر، من هنا كان على كل من يتصدى لحكم البلاد أن يقبل النصحية ويتودد الناصح ولا يتبرم من النصح لكونها صريحة لأن (من اعرض عن نصيحة الناصح اُحرق بمكيدة الكاشح) ([3]) وهو العدو. وقد يتظاهر المَلِقَ بالنصح فيتورط السياسي بالفضح، الأمر الذي يوجب عليه التمييز بين الناصح والفاضح لأن الفاضح لا يحب الخير من حيث كونه مَلِقا و(المَلَق من الكذب) ([4]) ، بينما الناصح الصادق مشفق، ولأنه صريح، فقد صارت (معصية الناصح الشفيق، العالم المجرب، تورث الحسرة وتعقب الندامة) ([5]) كما قالها سيد الناصحين أمير المؤمنين عليه السلام ومن هذا المنطلق فإني أضع يدي على موطن الداء وإن كان في ذلك ألم للمريض حيث أن ألم المعالج خير من ألم المزيّن للعلة على أنها عافية. من هنا فإن أول ما يجب على كل المتصدين لإدارة شؤون الشعب الذي عانى من الحرمان والاقصاء هو الرشد الثقافي الذي يتجلى بالتخلص مما علق فيهم من ثقافة المعارضة التي كانت تعني معارضة النظام جملة وتفصيلا بسبب ظلمه، الأمر الذي أفرز أمراضا حزبية في حينها وأبرزها طرد الطرف الآخر وإقصاءه مهما كان لونه وشكله وفهمه وعلمه وتاريخه وجهاده، ثم رفض الآخرين فكرا وعلما وعملا ومشروعا بل وحتى وجودا، ثم التقوقع داخل إطار الحزب والفئة الخاصة. وهذه قضية ثابتة علميا وعمليا، ولا يحتاج إثباتها إلى تعب كثير، ومن ابرز مخاطر هذا المرض هو ما يعود على (المُقصي ) وهو المتصدي لعملية الاقصاء، (والمُقصى لأجله) وهي إدارة البلاد نحو الرفاه والنجاح، لأن غاية الاقصاء الانفراد بالحكم الذي كان من الواجب فهمه على انها مسؤولية شرعية في تحقيق خدمة الناس وإدارة شؤونهم وليست الهيمنة والحكم والسلطنة والإستئثار بكل شيء على انه غنيمة، كما هو دأب عامة السياسيين على هذه الأرض، أما الذي لم يتضرر منها فهو (المُقصى) وهي الجهة أو الشخصية الدينية أو السياسية التي أريد أو يراد اقصاؤها، ولكن الضحية الأساس من هذه الثقافة فهو الشعب المحروم .
ثانيا: الإعتزاز بكافة العقول المخلصة في بناء العراق فاذا ما نجح السياسييون في انتصارهم على الذات (لأن أعدا عدوك نفسك التي بين جنبيك) ([6])، كما أعلنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتخلصوا من ثقافة الاقصاء فقد تمكنوا من جمع كل المخلصين والمؤمنين بالعراقِ وللعراق وقيمهِ ومبادئهِ وإشراكهم في العملية السياسية التي تعني بذل الجهد في بناء الخربة التي خلفها نظام البعث البائد، وليست (العكعكة) كما يصفها طلاب القصعة واللاهثون وراء النهب والسلب من أي صوب كانوا أو حدب. فوجب عليهم وجوبا شرعيا وأخلاقيا أن ينفتحوا على كافة العلماء والمفكرين ورجال السياسة، والاستفادة من كل الطاقات البناءة، وأن يخلعوا جلباب التنكر للاخرين، وينبذوا التحسس من المرجع الفلاني والمرجعية الفلانية والكتلة الكذائية والتيار الفلاني فانها ثقافة المراهقة السياسية، ومعطيات ثقافة المعارضة القديمة التي لو كانوا قد ترفّعوا عنها لكان عراقنا بألف خير، ثم عليهم أن يعلموا أن أولئك لم يكونوا إلا أبناء هذا البلد، وأهل لهذا الشعب الذين ضحوا في سبيله كل غالٍ ونفيس. فعليهم ألا يضيعوا العقلاء ( لأن من ضيع عاقلا دل على ضعف عقله) ([7]) كما قال أمير المؤمنين عليه السلام الذي ما ساوم على حساب الحق ولو بمقدار طرفة عين. لأن من ضعُف عقلُه فرّط في العقلاء وأخلد إلى هواه، فتهجم عليه اللوابس بينما (العالم لا تهجم عليه اللوابس) ([8]) على حد قول إمام المسلمين الصادق البار الأمين سلام الله عليه. إن هذه الحقيقة لَمِمّا يجب الإذعان إليها والتسليم بها، وعدم المكابرة عليها، أو التنكر لها لأن التنكر لها تنكر للحق، واللهُ ورسولُه وائمة الحق لا يستحييون أن يضربوا للناس الأمثال. كما يدلنا هذا الأمر إلى ضرورة إعمال العقل كي يعرف كل من يريد سياسة الأمة، وجوب إعطاء كل ذي حق حقه، ووضع الامور مواضعها وانصاف الآخرين من أنفسهم مهما اختلف معهم حزبيا أو شخصيا أو غيرها ممن المعايير التي تضيع عندها الحقوق، وترتبك فيها الحياة، وقد بيّن الإمام الباقر عليه السلام حقيقة العاقل الذي يضع كل شيء بميزان الحق فقال: (لا يُعد العاقل عاقلا حتى يستكمل ثلاثا: إعطاء الحق من نفسه على حال الرضا والغضب، وأن يرض للناس ما يرضى لنفسه، واستعمال الحلم عند العثرة ) ([9]) ولذلك قلت على كافة السياسيين الاعتزاز بكافة القدرات العراقية المخلصة ولم اقل إحتضانهم أو التعاون معهم أو إشراكهم وعدم اقصائهم، ذلك لأن المؤمن عزيز على الله فيجب الاعتزاز به بأمر من الله، ومن اذل مؤمنا فقد اذله الله، فكيف اذا كان ذلك المؤمن عالما نذر عمره لخدمة الإنسانية، أو مفكرا أوقف حياته لبناء المجتمع، أو كادرا كرّس ما عنده لرفعة شعبه، فهل سيكون تجاوزه والغض منه حسنة يثيب عليها الله ويكافيء عليها التاريخ ؟!ٍ
الواجب الثاني: ابرز المسؤوليات على صعيد السياسيين الكرد هناك من يقول أن على الأحزاب السياسية تغليب مصلحة الشعب على مصلحة الحزب، وفي هذا القول غلط مفهومي كبير، إذ أن كلمة التغليب هذه تحمل فيها الإقرار بنصيب كبير من المصالح الحزبية، وفي هذا جناية كبيرة في حق الشعب، وذلك بسبب ما ينطوي عليه من خلط في مفهوم الحزب سواء كان داخل الحكم أو خارجه. إن الغاية من تأسيس الحزب في مفهوم الإسلام لا في مفهوم غيره هي بذل الجهد في خدمة الناس، ونصح الأمة ما استطاعوا اليه سبيلا، ذلك أن الحزب يعني اجتماع طائفة من الناس لقدرتها على بلوة فكرة عملية من شانها تقديم البلاد إلى الأمام فتضع لها منهجا علميا وعمليا في هذا المجال. وبالتالي فالأحزاب تمثل الوسيلة في اختصار الجهد من أجل الوصول إلى الغاية الكبرى المتجسدة في خدمة الناس وحماية مصالح المجتمع، لكونها الطليعة المتقدمة في الوعي والمبادرة، أما إذا فقدت كونها طليعة متقدمة في الوعي، وضيعت على الأمة المبادرة، وعكفت على مصالحها الذاتية، وانكفأت على حساباتها الخاصة، وتقوقعت على ثقافتها القديمة فقد خرجت من هذا المفهوم القيمي للحزب، ودخلت في المفهوم الآخر للأحزاب التي تريد الاستئثار بمصالح الشعب والعمل على تطلعاتها الخاصة كجماعات أو أفراد كما رأينا في حزب البعث الذي حكم العراق بالحديد والنار وما جلب إليه إلا الهلاك والدمار، وهو ذاته الذي يدمر العراق الآن حتى يقول الناس أن عهدهم المظلم على ما فيه من جور كان افضل مما عليه الآن. من هذا يتبين أن على الأحزاب السياسية الحاكمة أو خارج الحكم أن تعمل لصالح البلاد وخدمة الإنسان ورعاية مصالحه، بعيدا عن مصالحها الفئوية. من هنا أقول أن على كل الأحزاب السياسية الشيعية أو الكردية أو السنية أو غيرها أن لا تُغلّب مصلحة الشعب على مصلحتها فحسب بل يجب أن تضع في ثقافتها وأدبياتها الحزبية العمل لخدمة الإنسان والوطن والإنسانية (وهذا يحتاج إلى مصداق عملي لا شعار نظري) وأن يجانبوا كل التطلعات الحزبية القديمة الخاصة بهم، من حسابات فئوية أو قومية أو طائفية كانوا عليها أيام كونهم معارضة، هذا بالنسبة إلى السياسيين الشيعة والأكراد. أما السياسيين السنة فعليهم أن يتنازلوا عن شهور العسل التي كانت فيها على حساب حرمان الشعب وقهره وأن ينظروا بعين الإنسانية إلى الأمور وأن يتحلوا ولوا بأقل قدر من الحضارية كما قال الإمام الحسين عليه السلام لزعماء المشروع القومي العربي في زمانه ( إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عُُُرُبا كما تزعمون) ([10]) فلماذا هذا التدمير وسفك الدماء من أجل عرش كان مبنيا على الظلم والجور والحرمان. بناءا على ذلك المفهوم عن الحضاري عن الحزب فيكون على السياسيين الكرد مسؤوليات إنسانية كثيرة أبرزها العمل على إنقاذ العراق من مخالب إرهاب قومية البعث الطائفي وذيوله، ومن تلك المسؤوليات ما يلي:
المسؤولية الأولى: العمل على فيدرالية المحافظات بدل فيدرالية الأقاليم الأمراد كما الشيعة تضرروا كثيرا بما لا يحد وصفه من القتل الذريع في ابناءهم والتدمير الشنيع في مدنهم وبلداتهم بسبب هيبمنة الأقلية على مصائرهم تحت عنوان الحكومة المركزية. فكان من حقوقهم ات يعيشوا احرارا كما خلقهن الله وليس كما يريده لهم عفلق أو غيره، فكان اسلم سبيل للجميع حياة كريمة هو النظام الأداري الفيدرالي أو نظام الولايات كما يسميه تاريخ المسلمين، فتم اختيار فيدارلية الاقاليم. صحيح أن فيدرالية الأقاليم قد بني عليه الدستور الجديد، لكنما ضرورة البحث العلمي وتقييم المرحلة يضطرنا إلى القول - كما بحثناها من قبل - أن فيدرالية المحافظات تحل جانبا كبيرا من أزمة تعبئة فلول البعث وهيئات علماء الإرهاب وأئمة التكفير الديني حيث كانوا وما زال الإعلام معهم يلوكون بقضية: أن فيدرالية الأقاليم تعني الانفصال وتمزيق وحدة العراق وما إلى ذلك من الطُعْم الذي كانوا يلقونه في أفواه مريديهم من أبناء العامة في العراق وغيره، مما جعلهم يعبئون المغفلين لما يسمونه لهم الجهاد من أجل وحدة العراق وشعبه (؟) وسبيلهم إلى ذلك ذبحهم أهله وتمزيقهم أشلاءا متناثرة على أمل ان يكون عشائهم الليلة عند رسول الله كما يزعم المغفلون، إذ لا عشاء أو غداء ولا ليل ولا نهار عند رسول الله إلا في ثقافة المغرر بهم من الغافلين المغفلين. المهم أن فيدرالية الأقاليم هو الأمر الذي رغب به السياسييون الكرد، وأعطي لهم، ووافق عليه السنة بكل رحابة صدر، ويوم أراد الشيعة ذات الحق قامت الدنيا ولم تقعد لحد الآن، فهبّ سياسيوا السنة وهيئات علماء التكفير والتدمير للنيل من الشيعة، معترضين على أمر كان حقهم المشروع، واعترف به السنّة للأكراد ولم يرونه للشيعة و(تلك اذاً قسمة ضيزى) ([11]) . صحيح أن فيدرالية الأقاليم حازت على موافقة الأغلبية وهذا مقتضى الشورى في الإسلام والديمقراطية في الغرب وكلاهما مرفوضان من قبل منطق الاستبداد والمستبدين، ولكن ما اقتراحي لفيدرالية المحافظات إلا من قبيل وضع دعاة الاستبداد في زاويتهم الطبيعية وإلقامهم حجرا يكمّ افواههم ولو إلى حين فضلا عن أن فيدرالية المحافظات تعطي لكلٍّ حقه من دون يكون فيه بخس لحق أحد قط، اضافة إلى ما فيه من اختصار لنزيف الدم العراقي بمقدار.
المسؤولية الثانية : فيدرالية المحافظات لحل مشكلة كركوك إن بقاء القضايا السياسية والإدارية عالقة لم يتم البت فيها لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر، ثم تتراكم لتتلوها قضايا أخرى يؤدي بمشروع بناء العراق إلى التعطيل والتوقف، وبتعطيل المشروع تسقط هيبة الحكم والنظام ومشروع بناء العراق، الأمر الذي يدفع بإرهاب بقايا النظام السابق إلى النمو من جديد، فيهيئ هذا التعطيل (والترحيل للقضايا القانونية) الجو الكافي الذي تترعرع فيه بؤر الإرهاب الوافد والحاضن معا، وهذا ما قد حصل بعد تعطيل قضية كركوك وقضية الفيدرالية وقضية الاقتصاص من مجرمي النظام السابق والقضايا التي ما زالت عالقة، الأمر الذي أنبت بؤرا غير طبيعية المنشأ لتتبوأ مواقع لها في الدولة الفتية بشكل اضطراري ألقيت عليه مسوح الشرعية، فزادت الأمور سوءا حتى أجمعت إرادة تحالف الإرهاب البعثي - التكفيري على أن تتخذ لها مواقع سياسية في تمزيق الحلم الذي استبشر به الشعب العراقي المحروم. من هنا اقول لو تنازل الاخوة الكرد عن أحلامهم القديمة، لأجل العراق وقالوا بفيدرالية المحافظات لتمت المصادقة على الدستور ولما تم ترحيل بعض بنوده ولما ترتب على هذا التعطيل اي تنازل للإرهاب المقنّع الذي أدى إلى الاقرار بتغيير بعض فقرات الدستور، ليتطور الأمر إلى مراجعته من جديد، كما يريده الإرهابيون، ثم تطالعنا به (توصيات بيكر هاملتن)، لتأتينا بعده توصيات آخرين بإلغائه، وما ذلك إلا بسبب عدم التنازل السياسي بين الفرقاء من موضوع فيدرالية الأقاليم إلى فيدرالية المحافظات بما فيها كركوك. وقد قلنا فيما قدمناه من مشروع (أطروحة الدستور) بضرورة فيدرالية المحافظات لتضع كل قوم وطائفة موضعها الطبيعي من دون زيادة أو نقصان، بحيث يتضع الشيعة موضعهم الطبيعي والسنة موضعهم الطبيعي وكذلك الأكراد والتركمان موضعهم الطبيعي في العراق الجغرافي والسياسي الجديد، دون أن يضيع لأحد حق على الاطلاق .
المسؤولية الثالثة: ترك سياسة (التزمُّت السياسي على حساب الشعب) في ميزان البحث العلمي الدقيق في أي مشروع سياسي وملاحظة معطياته على واقع المجتمع واستقراره، لابد من عدم التغافل عن قضية التزمُّت السياسي فيما بين الأحزاب السياسية والتعصب الحزبي على حساب مصالح الشعب، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع فرص تاريخية ليست على الأحزاب ذاتها لأنها سوف لن تتضرر كثيرا بقدر ما سيدفع ثمنها الباهض الشعب المسكين الضحية الذي يجب أن يكون واعيا بدوره لمجريات الامور بدقة ويكون رقيبا وحسيبا على تصرفات الحكومة والدولة على حد سواء. بناءا على هذا المنطلق فإن أية حركة تعصب أو تزمُّتٍ مهما كانت صغيرة ستؤدي إلى كارثة كبيرة تصيب العباد، وتخرب البلاد على أهلها، وتهلك الحرث والنسل، وتكبر كلما امتد بها الزمن. ومن هذا المنطلق اذكر موقفا واحدا كشاهد ليس إلا، وهو : التزمّت السياسي الذي تعرضت له تشكيل حكومة ما بعد الجعفري، وذلك بعد أن كانت رغبة الائتلاف العراقي (الشيعي) أن يكون مرشحها مرة اخرى الجعفري، رفضت القائمة الأقل من الأقلية السياسية (وهي القائمة السنية) وأصرت إلا أن تسقط حكومة اذا ما جيئ بذاك المرشح ثانية أو على الاقل يسقطون إعادة انتخابة مرة اخرى، فحصل اصرار مشوب بنوع من التزمت الخارج عن منطق الديمقراطية التي تشبث الجميع بأرياشها. وقد عبر السياسييون من أهل السنة عن هذه الرغبة علنا وبعد مواقف عديدة ومنها على لسان عدنان الدليمي رئيس هيئة التوافق العراقية (السنية) الذي صرح في لقاء له بالوطن الكويتية تحت عنوان : إسقاط الجعفري ضرورة لخروج العراق من أزمته, قائلا: (لو اصر الائتلاف على رئاسة الجعفري للوزارة سيتم اسقاطه في المجلس لأنه لن ينال اغلبية ولن يحصل على ثقة المجلس، نحن ندافع عن انفسنا بالحوار والكلمة الصادقة والعمل الجاد من اجل انقاذ العراق والسعي الحثيث لتشكيل حكومة قوية واعادة تشكيل الجيش العراقي القديم ولو بجزء مهم منه وهذا ما سيحدث ان شاء الله حينما تتشكل الحكومة الجديدة) ([12]) فكان انقاذ العراق في نظر سياسيي السنة لا يتحقق إلا باعادة البعثيين إلى الحكم والسلطة، وأصروا على هذه المطالب التي ستتحقق بعد تغيير مرشح الائتلاف إلى غيره، خلافا لمنطق الديمقراطية التي بها يزعمون. لأن معطيات الانتخاب وبموجب منطق الديمقراطية قد تمخضت في وقتها عن رغبة كتلة الأكثرية لترشيح الجعفري مرة أخرى للحكومة، فرفضته حكومة الاحتلال الأمريكي بقوة وزادت حركة توافد المسؤولين الأمريكان إلى العراق للضغط من أجل تغيير هذا المرشح حتى طفح الأمر على وسائل الإعلام وما عاد خافيا على احد، الأهم الذي اريد قوله هو تعرض المشروع السياسي للبلاد ( على أثر هذا التزمت) إلى نوع شديد من التعثر يتناسب مع شدة الضغوط السنية في داخل الحكم. في هذه الاثناء بادر الجعفري في زيارة مفاجئة إلى تركيا فاشتدت العاصفة ضراوة وتصايح السياسييون الأكراد إلى جانب السنة فتمخض الأمر عن توجيه ضغط مشترك ضد إعادة ترشيح رئيس الوزراء ثانية، وتمسّك السياسيون الشيعة في حقهم الانتخابي بالإبقاء على مرشحهم، وبعد سلسلة من الضغوط الخارجية والداخلية حاولت الكتلة السياسية الشيعية الخروج من هذه الأزمة بمرشح آخر، فواجهت القضية تزمتا جديدا في داخل الكتلة السياسية الشيعية بين مؤيد للتغيير وبين معارض. وهكذا بقيت تدور العملية السياسية في دائرة مفرغة توقفت الحكومة فيها شهورا وتأخر بسببها العراق دهورا، ذلك لأن توقف الدولة عن ممارسة بعض نشاطها يؤدي إلى استفحال أعداء العراق في نشاطهم المضاد، فكيف إذا كان التوقف ينبئ عن فراغ في وجود الحكومة أساسا، الأمر الذي أدى إلى عبث داخلي في نظام الحكم، ونشوء ثغرات في كيان الدولة، وتبوء بؤر التخريب السياسي مواقع لها، إضافة إلى انفلات الحدود الذي اتسع الشرخ فيه، فتدهور الوضع الأمني الذي أذن لبؤر الإرهاب البعثي مع التحالف الوهابي التكفيري في زيادة تنظيمهم، والى غيرها من العوامل التي تسبب فيها تزمّت السياسيين بما فيهم الكرد في أزمة تشكيل الحكومة وأزمة كركوك وأزمة فيدرالية الاقاليم. من هنا يكون من الواجب على السياسيين الكرد كما هو الحال مع غيرهم عدم التزمّت في المواقف السياسية، وذلك كيلا يضيفوا إلى الجو المتشنج تشنجا آخر، حيث أن الشعب هو الذي يدفع الثمن باهضا، وإذا ارتبك العراق بأكمله سوف لن يقر قرار في أية منطقة فيه شمالية كانت أو جنوبية أو غربية على الإطلاق، ذلك لأن نسيج العراق واحد، وترابطه وشيج، وإنْ عمل أعداء العراق على تخريبه لمصالحهم الخاصة، فإن بعضه يتأثر ببعض، واذا تداعى العراق فانما سينهار على رأس الجميع.
وفي الختام.. الخص القول فيما يلي: أولا: أن على كل السياسيين العراقيين الارتفاع إلى أعلى مستويات الحضارية لأنهم يقودون بلدا فيه من الكفاءات ما تتطأطا لهم الهام وتحتفي لذكر فكرهم اقدام العظام، فعليهم الترفع عن ثقافة الاقصاء القديمة، لأن العراق للجميع، وخدمته واجب على الجميع، وما نتائج سياسة الاستئثار الذي كان عليه البعث عنهم ببعيد. حيث أن الاقصاء من الظلم الفاضح الخطير الذي حذر منه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : ( ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله ادحض حجته وكان لله حربا حتى ينزع أو يتوب) ([13]) ثانيا: من معطيات سياسة اقصاء رجال العراق أن يؤدي بالعملية السياسية إلى ( حقط الرجال) في الميدان الساخن في الحياة، فيضطر الحاكمون الجدد إلى الاعتماد في بناء البلاد على من هم ليسوا للمسؤولية بأهل، فيستعينوا بالبخيل الذي يزين لهم العجز، والحريص الذي يشجعهم على الإقصاء ويثبطهم عن المبادرات الناجحة لكونها صادرة من غير حزبه وفئته، فيعتمدون على الجشع الحريص. هذه الكارثة السياسية قد حذر منها معلم الإنسانية رجال الحكم بقوله: ( ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور ) ([14]) ثالثا: التنزه عن سياسة التزمت في المواقف والتحلي بالتعقل وترك التشنج بين الكتل والفئات السياسية، لما في ذلك من التاثير البالغ في تدمير العراق وتأخير البناء، وعليهم النظر الى أنهم في موقع كانوا يحصون على من تبوءه قبلهم كل شاردة وواردة ، وان الناس ينظرون اليهم اليوم كما كانوا هم يصنعون من قبل، فنبههم أمير المؤمنين عليه السلام بقوله لواليه على مصر من انك في : ( بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور . وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم.) ([15]) رابعا: أن يُخلص السياسييون المتورطون في مسؤولية ثقيلة لا يحسدون عليها وهي مسؤولية دماء الناس وارواحهم واموالهم فيجب عليهم أن يكونوا بالمرصاد لكل العابثين بمقدرات الشعب، لأن من حتميات الاقصاء والتفرد والاستئثار، الاستعانة باشباه الرجال الذين يقضمون مال الله قضما كما كان سبيل الذين من قبل فليكونوا من هذه القضية على حذر شديد. لأن ثقافة الاقصاء السياسي ينتج منهج الاستئثار بالحكم على انه سلطنة وليس خدمة، وعلى أن الحاكم سلطان وليس خادما لشعب، الأمر الذي يفرز ضرورة الاستعانة بالاعداء، ثم بالنفعيين من الأعوان وتلك كارثة اكبر من اختها. ذلك لأن عيبا على الإنسان العادي أن يعجز عن كسب اخوانه، فاذا كان سياسيا فسيكون الأعجز عن كسب العلماء والعظماء والكفاءات وذوي الرأي السديد والفكر الرشيد من أهل هذا الوطن، وقد نص أمير المؤمنين عليه السلام على خطورة هذه العقلية بقوله: (أعجز الناس من عجز عن كسب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم) ([16]) خامسا: على الحكام الجدد واخص بالذكر الائتلافين الشيعي والكردي أن يحققوا المصداق الاكمل للقوة من خلال المحاسبة والنقد وقبول النقد وترك استشارة من يزين الغلط لمآرب نفسية وحسابات سياسية وأهداف خاصة دولية كانت أو اقليمية أو حزبية أو غيرها وليقبل الناصح اذا نصح بما هو مر مذاقه، ويهجر الناصح اذا نصح بالعسل الموبوء وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : (ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك) ([17]) هذا بالنسبة إلى اللإئتلافين المذكورين، وسيكون لي في الحلقة القادمة بحث مفصل عن السياسيين ائتلاف السنة بعون الله تعالى. [1] - شرح نهج البلاغة ج18 ص283 [2] - شرح نهج البلاغة ج18 ص118 [3] - غرر الحكم ودرر الكلم ص226 [4] - شرح نهج البلاغة ج15 ص65 [5] - نهج البلاغة ص79 [6] - بحار الأنوار ج67 ص64 [7] - غرر الحكم ودرر الكلم ص55 [8] - الكافي ج1 ص26 [9] - تحف العقول ص316 [10] - العوالم – الإمام الحسين عليه السلام ص293 [11] - سورة النجم/ آية 22 [12] - الوطن الكويتية / العدد المؤرخ في 10/ مارس/ 2006 [13] - نهج البلاغة ج3 ص85/ من عهد الإمام إلى مالك الاشتر [14] - نهج البلاغة - ج 3 ص 87 [15] - المصدر السابق [16] -المصدر السابق ج4 ص4 [17] -المصدر السابق ج 3 ص 83
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |