أمراء الطوائف المؤمنون يبيحون المحرمات

رشاد الشلاه

rashadalshalah@yahoo.se

لم تعد وسائل حرب الإبادة الجماعية التي تلجأ إليها القوى الإرهابية المحلية والوافدة وعصابات التطرف الطائفي وبقايا أجهزة النظام السابق، كتلغيم السيارات والقذائف وتفجير الأسواق والمدارس والجامعات وأماكن العبادة والخطف والاغتيال بالجملة، لم تعد ناجعة وكافية لتحقيق النصر على المواطنين العراقيين العزل، فلجأت تلك القوى الظلامية في الأيام الأخيرة الماضية الى استعمال المواد الكيمياوية السامة المحرمة، مستلهمة تجارب دكتاتور العراق السابق في حملات أنفاله المدانة ضد الشعب الكوردي في النصف الثاني من عقد ثمانينات القرن الماضي، ومما يؤكد هذه الجرائم والاستعداد لارتكاب الأخطر والمزيد منها في الفترة القادمة، العثور على مستودعات كبيرة للأسلحة والصواريخ والقذائف المضادة للطائرات، بالإضافة إلى عدد من السيارات التي تم تلغيمها لتفجيرها فيما بعد، وعلى حاويات لغاز الكلورين وذخيرة تحتوي على مواد كيمياوية وعشرات من زجاجات غاز البروبين . يأتي هذا التطور النوعي في استعمال الأسلحة القذرة في الوقت الذي تزداد فيه الهوة ويتعمق الانقسام  بين الأطراف المنخرطة بالعملية السياسية وظلال مشاعر عدم الثقة المتفاقمة بين قادة البلد الطائفيين الساعين الى الدعم الخارجي لسحق مناوئيهم، وهم بهذا المسعى لا يجهلون المآل الأسود الذي سيحل بالبلد وبهم  في الوقت نفسه ، ومدى الضرر الذي يصيب إنجاح خطة بسط الأمن في العاصمة بغداد وهي في مراحل تنفيذها الأولى. ولكنهم يطبقون سياسة " علي وعلى أعدائي" اليائسة المدمرة.

 وتبقى من بين هؤلاء قلة أيقنوا ان حقيقة الصراع الطائفي الجاري هو صراع سياسي، وان اعتماد مبدأ المحاصصة مزق الوطن، وكان سببا مهما من أسباب جحيم الموت اليومي والفساد، وتأخر انسحاب القوات الاجنبية. وتأكد لهم بان التصريح بمناسبة وأخرى بان هذا الاصطفاف الطائفي والقومي يجسد إرادة "مليونية" هو واقع مؤقت ناتج  عن ممارسات الحكم الدكتاتوري السابق وتكريس قوات الاحتلال له، استُغل ووُظف لمصالح فئوية ضيقة ومفضوحة، واستُثمر لتأجيج التناحر الطائفي والقومي، والانغمار في صراع عبثي لا يتورع عن اللجوء الى ما هو شائن وغريب ومحرم في سحق " الأعداء".

 فجاءت دعاوى "الاغتصاب" التي أعلنت هيئة علماء المسلمين رسميا من أنها من أعدتها و روجتها الى وسائل الإعلام الطائفية المعادية، لتدلل على الدرك المنذر بالشؤم الذي وصلت إليه القوى الطائفية و أوصلت البلد إليه. وهي بذلك لم تدخر وسيلة في حربها ضد الآخرين، ولم تسلم من هذه الوسائل، المحرمات وعرض الوقائع بتفاصيل يأنف من إجهارها المواطن العراقي، وهنا تستدعي ضرورة الحذر من توظيف موروث قدسية الشرف وحوادث انتهاك الأعراض لأغراض سياسية رخيصة في مجتمع تزداد و تتأجج لدى البسطاء فيه مشاعر الانتقام والثأر العشوائي، و أخذت قيمه الروحية والاجتماعية تُستغل بأساليب بعيدة كل البعد عن مثل الشرف و الغيرة أو الحرص عليها ولتتحول الى مادة إعلامية لدى القنوات الفضائية الفضائحية التي تشق الجيوب على حادثة اغتصاب قبل ان تتوثق منها، بل وتتعامى عن اغتصابها هي لميثاق الشرف الاعلامي الذي تتحجب به في نهجها الإعلامي الطائفي.

 وفي ظل هذه الخضم من الفوضى السياسية والأمنية الذي تزيده تدخلات القوى الإقليمية والتخبط الأمريكي قتامة وتعقيدا، تلح الحاجة الى ان تأخذ القوى التي نأت عن نفسها تبني القيم الطائفية والقوى التي أخذت تدرك مخاطر الافتتان الطائفي، دورها لتتجسد بتيار وطني ديمقراطي همه العراق فقط، ليأخذ المبادرة في إيقاف نزيف  البلد و إنقاذه من مستنقع الرعب والموت اليومي، والعراق اليوم وكأي بلد مر في أزمات عصيبة بحاجة الى قادة دولة همهم البلد ككل ومواطنوه جميعا أيا كانت انتماءاتهم الروحية والقومية والمذهبية، لا الى قادة  طائفيين يصرخون ويزيِّتون أسلحتم فقط لتصفية خصومهم، قادة يعوضون هذا الشعب الصابر بعضا من ما فقده دماء وخيرات ، لقد أريقت دماء مئات الآلاف من الأبرياء،  وأهدرت سنوات من عمر شعبنا في الحروب و التهديم بدل الأعمار والتشييد ، وكما هي استحالة عودة الأرواح المزهوقة فان الوقت الذي يمضي تستحيل إعادته.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com