18 لا تساوي 18!

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

 قواعد الرياضيات المتعارف عليها بين العلماء بديهية، واحد زائد واحد يساوي إثنان دائماً، لا تحتاج لبرهان، وليست قابلة للنقاش، ولو تخلينا عنها لانهارت كل العلوم الطبيعية التي عمادها الرياضيات، ولكني اكتشفت خرقاً واضحاً لهذه القواعد، وفي الأرض نفسها التي علمت الدنيا الحساب والهندسة، والتي لولاعلومها لما توصل فيثاغورس الإغريقي إلى نظرياته الهندسية المعروفة، ولما تفوه بمقولته المأثورة: أيوريكا، أي وجدتها، هذا الاستثناء على قوانين الرياضيات هو أن 18 لا تساوي 18 دائماً، وهنا لا يجوز الاستثناء لأنه لا يبرهن على القاعدة بل ينسفها من أصلها، وقوانين الطبيعية لا تقبل الاستثناءات، فكما أن كل جسم يرمى في الهواء لا بد أن يهوي إلى الأرض بفعل الجاذبية كذلك لا بد أن كل 18 تساوي 18، وبالطبع المقصود هنا عددان متساويان من نفس الجنس، 18 نمراً لا يساوي 18 نخلة، و18 كوكباً لا تساوي 18 رجلاً، و18 شيطاناً لا يتساوون مع 18 ملاكاً في النوع، ولكن ألا يتساوى 18 إنساناً مع 18 إنساناً؟ والتشريعات الربانية والوضعية كلها تؤسس لهذه المساواة، والتي تؤيدها الحقائق العلمية أيضاً .

 بالبديهة أيضاً لا يستوى الأعمى والبصير، كما لا يستوى الطيب والخبيث، وإن كان الجميع سواء أمام القانون وفي الحقوق العامة، فهل يتساوى 18 ارهابياً مع 18 شرطياً؟ أقول لكم بأن ما قرأت وفهمت يدل على أن 18 ارهابياً ليسوا متساوين مع 18 شرطياً بل افضل منهم، وقبل أن تتعالى صيحات الاستنكار والتنديد، وما أكثر ما تتردد في العراق هذه الأيام، لنحتكم إلى الحقائق الناصعة.

 قبل أيام معدودات اختطف الارهابيون 18 شرطياً، ولا إدري كيف يستطيعون المرة تلو الأخرى النجاح في ذلك ما لم تكن بعض قيادات الشرطة متواطئة مع الارهابيين، وما بين شرور الارهابيين وحماقة وجهل القادة المخلصين وخيانة غير المخلصين ضاعت الالآف من الأرواح البريئة من الشرطة وغيرهم، وبعدها بقليل قتل الارهابيون أفراد الشرطة المختطفين بصورة جماعية، ونشروا شريطاً صوراً لمشاهد القتل على الملأ.

 وقبل يومين تناقلت وكالات الأنباء المحلية الخبر التالي: (اصدرت المحكمة الجنائية المركزية احكاما بالسجن لمدد مختلفة بحق ثمانية عشر ارهابيا بينهم عرب، وشملت الاحكام السجن المؤبد ضد ارهابي يحمل الجنسية المغربية والسجن لمدد تراوحت بين عام واحد وثلاثين عاما ضد عدد من الارهابيين بينهم سوريون، وقد اصدرت المحكمة هذه الاحكام عقب ادانة الارهابيين بشن اعتداءات اجرامية ضد المدنيين والقوات الامنية وعبور الحدود بصورة غير مشروعة بالاضافة الى حيازة اسلحة غير مرخصة)

 اتضحت لكم الآن طرفي المفارقة: 18 شرطياً في كفة و18 ارهابياً في الكفة الأخرى، فأي الكفتين أرجح؟

 لو كان الموضوع مباراة رياضية بين الارهابيين والشرطة لكانت النتيجة الارهابيون 18 والشرطة صفر، أي فوز ساحق للارهابيين على الشرطة.

 الحصيلة النهائية هي أن 18 من شهداء الشرطة، كلهم عراقيون أقحاح، غادرونا من دون عودة في حين لا يزال 18 ارهابياً، منهم أجانب من المغرب وسوريا، كلهم مدانون بجرائم كبرى، أحياءً يرزقون، ولو في السجون.

 يستدل من البيانات الحكومية بأن من كل مائة ارهابي يقعون في مرمى القوى الأمنية عشرة يقتلون وتسعون يلقى القبض عليهم بالمعدل، وغالباً ما يتنهي الأمر بغالبية التسعين إلى الفرار من السجون أو الافراج عنهم، ومن لم يستطع فراراً أو يفرج عنه بنية خبيثة من قوات الاحتلال أو بفعل وساطة سياسي متعاون مع الارهابيين تصدر عليهم المحاكم أحكاماً مخففة.

 الشرطة هم أبناؤنا الذين اضطرتهم الحاجة الأشد مرارة لتحمل مرارة العمل في الشرطة تحت هذه الظروف الأمنية الصعبة، وهم أبناء الحكومة والأداة الرئيسة للقضاء في فرض القانون، ولو لاهم لما كان للمحاكم وقضاتها هيبة، فلماذا تفرط الحكومة وقضاتها بأرواحهم الغالية باصدر أحكام هزيلة وغير رادعة بحق الارهابيين؟

 ما دامت هذه السياسة الرعناء مطبقة من قبل الحكومة ومادام القضاء متساهلاً في أحكامه الصادرة على الارهابيين ستبقى أرواح الأبرياء من الشرطة والمدنيين أهدافاً ميسرة لسلاح الارهابيين، وستكون أي خطة أمنية ومهما حشد لها من أفراد مدربون وامكانيات مثل تناول الماء بغربال ومآلها الفشل الذريع حتماً.

وبعد ألم اقل لكم بأن كفة 18 ارهابياً أثقل في ميزان الحكومة والقضاء العراقي من 18 شرطياً؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com