|
تحريق المتنبي جمعة اللامي “وقال عليّ بن عيسى: ليس يرى مَجْدَ الحكمة، إلاّ من كان بَصَرُ عينيهِ في قلبه، لا بصر قلبه في عينيه” “التوحيدي المقابسات: 25” ليس ما حدث في “شارع المتنبي” البغدادي، يوم الثلاثاء الماضي، حدثاً معزولاً عن الحريق العراقي الذي ابتدأ قبل أكثر من ألفيّة، بل هو تأكيد لكل تلك العمليات الإرهابية التي استهدفت الإنسان العراقي في عقله وضميره. انفجرت سيارة مُفخخة في هذا الشارع التاريخي، الذي يرتاده أهل الكتاب، وبعض من الصفوة، لتخلف اكثر من مائة بين قتيل وجريح، بين أتون من الكتب المحترقة. محرقة كتب. تماماً كما فعل النازي في صعوده، مع الكتب التي تخالف عقيدته الرأي. وكما حدث مع فاتحي بغداد وعواصم الثقافة العالمية في العصور السابقة، وكما يحدث اليوم في أكثر من مدينة في عالمنا هذا. يعرف العراقيون من هو القاتل، ومن هو المحرّق، ومن هو الارهابي، لأن بصر أعينهم في قلوبهم، كما قال بذلك مواطنهم “التوحيدي” الذي طال التحريق كتبه، في هذا الشارع الذي كان الشاهد على كسر أقفال الرقابة الحكومية، والاقصاءات الحزبية الشمولية، على كتبنا قبل يوم الثلاثاء الماضي لسنوات وعقود وحقب. كما هو القتل في العراق على الهوية، وعلى الاسم، وعلى العرصة، كذلك هو “إعدام” الكتب وتحريقها، في شارع المتنبي، وفي غير هذا الشارع أيضاً، وعلى امتداد رقعة العراق، لأن الظلاميين والارهابيين وسكان مغاور الجهل، هم الذين يقتلون على الهوية، وعلى الاسم، وعلى عنوان الكتاب أيضاً. وكما نشر العراقي النبيل، العراقي المنذور للحكمة ومجدها، حسب قول العراقي أبي حيان، رايته السوداء وسار خلف قلبه، منذ “ألفيّة” وأزْيد، فإن بعض إخوته، منذ ذلك التاريخ، بنوا أسيجة من الحديد حول عقولهم، وقمطوا قلوبهم بالضغينة، واختاروا ان يحرقوا بغداد بين يوم ويوم، وخليفة وخليفة، واحتلال واحتلال. من يسكت على جريمة “تحريق شارع المتنبي”، يضع يده في زنّار القوات الأجنبية، وقوات القتلة الأجنبية، وقبعات الأفكار المتخلفة، ويعلن انه مساهم في الجرائم التي ارتكبت بحق الثقافة العراقية على امتداد عصور العراق، التي لم تبدأ بالسومريين. ما حدث في “شارع المتنبي” يوم الثلاثاء الماضي، من تحريق عَمْد للكتب، هو عملية إعدام لأول كتاب في سومر، وأول كتاب في “دار الحكمة”، وهو عمل متلازم مع عمليات إعدام الأحرار العراقيين الذين وقفوا مع العرب، حين تخلى العرب عن العرب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |