بغداديات .. بسمار جحا

 

بهلول الكظماوي / امستردام

bhlool2@gmail.com

مقدمة حسينية في ذكرى اربعينية ابي الاحرار (ع):

خذوا من ضحايا الطف درس تحرر......ففيها لروّاد التحرر معهد

و لا تذكروها بالبكاء مجرداً..........فلن يجدها هذا البكاء المجرد

و كونوا كما كان الحسين وصحبه.....مشاعل حق للجماهير توقد

و صونوا حقوق الشعب من كل مارد..على الشعب في ظغيانه يتمرد

و لا تثقوا من فاتح بتعهد.................فما للغزاة الفاتحين تعهد

 سيدي ومولاي يا ابا عبد الله:

لقد تعلمنا من جدك الرسول بأن الدين المعاملة,

وقد تعلمنا من حفيدك الصادق الامام بأن الاسلام عمل كله والقول بعضه,

و تعلمنا منك يا ابو الاحرار بان الحرية تحتاج الى التضحية والفداء، وان التحرر عمل وليس ادعاء، جعلنا الله وكل شعبنا العراقي الحسيني من العاملين على نهجك السائرين بهديك.

 

(البغدادية)

(بسمار جحا)

 الزمان سنة 1961 وانا صبي لم ابلغ الحلم.

حيث كنا نسكن حينها مدينة الكاظمية ومحلات عملنا تقع في منطقة باب الآغا من طرف الرصافة المحاذي لسوق الشورجة التجاري.

حينها كانت المنطقة المقتطعة من نهاية شارع الامام موسى الكاظم (ع) والممتدّة من الرحمانية (رغم قصر مسافتها) وبجانبي شارعها (الشطّاني) المحاذي لسوق حمادة والسوق الجديد بطرفيه (طرف السوامرة وطرف التكارته) حيث ينتهي برأس جسر الشهداء وما يصطلح عليه بـ (الجسر العتيق) المنتصب به اليوم تمثال عدنان خير الله.

كانت هذه المنطقة آنذاك هي بمثابة مثلث الموت الذي ينحصر بأضلاع المحمودية، اليوسفية، اللطيفية في يومنا الراهن هذا.

الأحداث التي كانت تدور تلك الأيام منطلقة من هذه المنطقة هي اضرابات البانزين، اذ شكـّل القسم القليل المتسلّط على تلك المنطقة حاضنة للارهابيين الذين ينطلقون منها باضرابهم الذي يحاولون به عبثاً شلّ كل الحركة في عموم العراق منطلقين من شلّ الحركة في عموم العاصمة العراقية بغداد ابتداءً.

 والحجة التي قامت عليها الاضرابات المصاحبة لأحداث شغب رهيبة بمقاييس ذلك الوقت هي ارتفاع اجور البانزين.

فيا ترى كم هي نسبة الزيادة، والارتفاع بسعر البانزين الذي استوجب حينها كل حجم هذا الاضراب الذي تمظهر في قطع الطريق للكاظمية بغداد والاعتداء الغير مبرّر على المواطنين العزّل الذين يمرّون اجبارياً من هذه المنطقة بسبب وجود خط مرور سيارات (عبرية الداخل) وباصات مصلحة نقل الركاب (الامانة رقم 18) ما بين الكاظمية ومركز العاصمة (الشورجة)، والشورجة هي قلب العراق التجاري النابض.

نعم، لقد كان سعر الغالون الانكليزي من البانزين والغالون الانكليزي هو المكيال الملكي (امبريال كالون) متعارف عليه آنذاك في العراق مثلما كان عيار المن والحقة والاوقية الاسطانبولي متعارف عليه بالاوزان آنذاك، فكان الغالون الانكليزي يسع خمسة لترات، بينما الغالون الامريكي يساوي اربعة لترات وربع اللتر، وكانت عدادات البانزين في محطات التعبئة (البانزينخانات) تقيس ما تضخه بالكالون وليس باللتر كما نحن عليه اليوم.

و كان سعر الكالون الواحد يباع للمستهلكين بـ (1.05) فلوس وفرفعت سعره حكومة عبد الكريم قاسم مبلغ خمسة فلوس فقط ليصبح السعر الجديد بـ

(1.10) مائة وعشرة فلوس بدلاً من مائة وخمسة فلوس.

لقد بي مرّ شريط الذكيات هذا يوم امس وانا اشاهد الفضائيات بما تحمله من أخبار لأستشهاد اكثر من مائة وخمسين مواطناً بريئاً من المعزين لأبي عبد الله الحسين (ع) في مدينة الحلة فقط، نعم لقد مرّ شريط الذكريات هذا امامي وانا افكر بحجم الاستنفار المضاد لحكومتنا الوطنية في عراقنا الجديد حيث تظافرت كل قوى الشرّ والرذيلة من الرجعية العربية التي تتلبس بلبوس اهل السنة و(السنة منهم براء) لتتعاضد قوى الشر هذه التي تصف نفسها بالرموز السنية، تتعاضد مع اقصى متطرفي الشيعة، وهم ما يسمّى بمنظمة مجاهدي خلق الايرانية (الصفوية) مما يدلل على ان النفاق ملة واحدة، ولا دين ولا مذهب ولا قومية له.

ربطت ما دار في اضرابات البانزين مطلع الستينات ضد عبد الكريم قاسم وما يدور ألآن ضد حكومتنا الحالية واستذكرت قول المرحوم عيسى ماطورجي صديق المرحوم والدي وهو يصف الحجّة التي بنيت عليها اضرابات البانزين حينها، يصفها بـ (بسمار جحا).

و مفاد قصّة مسمار جحا: ان جحا كان قد باع بيته لساكن جديد ولكنه اشترط على المشتري أن يحتفظ لنفسه (جحا) بمسمار مثبت بالحائط، مما يتطلب من المشتري (المالك) الجديد للبيت اقراراً بدائرة التسجيل العقاري (الطابو) بحق جحا في المرور والتمتع في التصرف بمسماره كيفما يشاء.

و بالفعل تورّط مالك الدار الجديدة بالاقرار لجحا في حقه بالمسمار وفي تأمين الطريق للتمتع بهذا الحق.

و في اليوم التالي اتي جحا بسمكة متعفنة وعلقها بالمسمار وتركها لعدة ايام نبعث منها الروائح الكريهة وانزعج سكان البيت الجدد ولكن لا مناص من السكوت، وفي مرة اخرى اتي جحا بكرشة خروف وسخة وعلقها في مسماره وتركها ايضاً لعدة ايام، ومرة ثلثة ورابعة.... وهكذا الى ان ضجّ أصحاب الدار الجدد وفرّوا هاربين تاركين البيت لجحا بدون مقابل.

و تذكّرت ايضاً كيف ان اللين والسماحة والحلم الذي استعمله عبد الكريم قاسم مع هؤلاء القلقل من سكان المنطقة المذكورة الذين شكّلوا حاضنة للارهابيين في اضرابات البانزين في وقتها، كيف استغل هؤلاء العفو والسماحة والطيبة التي استعملها معهم الزعيم قاسم فاخذوا يستهترون اكثر ولكثر، حتى انهم بدؤوا بالمجاهرة باستهتارهم واخذوا يميزون انفسهم عن بقية العراقيين مثل ارتدائهم (الدشداشة) الجلباب الخالي من (القولة) الياخة (بلا قوله)، أي بدون ياقة، حيث متعارف عند العراقيين حينها انهم يستعيرون ويحتقرون الذين يلبسون الدشاديش بدون ياخة، ويصفون من يلبسونها بـ (المناويج) المناويك أجلّ الله القارين والسامعين.

و كان متعارفاً في الجيش العراقي حينها: أنه في حالة الامساك بالملوط به اثناء اكتشافه في الثكنات العسكرية وهو في وضعه المشين، فعندها يكون من ضمن عقوبته بأن تنزع (قولته) ياقته، فتشق امام زملائه ويعرض على جميع الجنود المصطفّين للتفرج عليه فيشبعوننه حينها بالبصاق والركلات والاهانات ويوصلوه الى حيث يقضي عقوبته في السجن ذليلا.

و اذ أنسى، لا انسى أحد تجار الشورجة وختيارييها الكبار في السن وهو يستذكر مقولة المقبور خير الله طلفاح له:

(لقد حاربناكم بالمناويج والقحاب واهل الريسز) أجل الله القارئين والسامعين.

و يقصد بالمناويك اصحاب اضرابات البانزين، اما القحاب فهن البغايا الذين منعهن عبد الكريم من ممارسة مهنة البغاء وأغلق أماكن تجمعاتهن في الصابونجية ووهي المنطقة المقابلة لوزارة الدفاع, ونتيجة لهذا الاغلاق انتشرن البغايا بين بيوت الاشراف في بقية مناطق بغداد النظيفة، وقد سجل المراقبون اوج نشاطهم في مناطق المسبح والبتاوين وشارع النضال مثل بيت ام نضال وام ثائر وام اثير وام سمير....الخ (مع ملاحظة انهن يكنين باسم ام....؟ وليست باسمائهن مثل السابق كـ ريمة ام عظام وحسنة ملص وعواشه....الخ مما يدل على ان اسمائهن هي اسماء حركية وحزبية)، حيث نشطن بعد ما يسمى بثورة 17 تموز 1968 لأستدراج الشباب المراهق والاستفادة منه تنظيمياً لصالح حزب عفلق, البكر, صدام، اذ كانت سمعة حزبهم (حزب البعث) متردية بعد تجربة الحرس القومي السيئة الصيت سنة 1963.

أمّا أهل الريسز، فهم أصحاب سباق الخيل الذي منعه الزعيم عبد الكريم فظلّ محرماً طيلة ايام حكمه وحكم الاخوين عارف، فتنفس الناس الصعداء بعد منع الريسز، فكم من بيت انهد وكم من عائلة هدمت وكم من ولد تمرض نتيجة اهمال ذويهم واولياء امورهم لانشغالهم بالمراهنات على سباق الخيل (الريسز) وصرف اموالهم ومن ثم افلاسهم بمراهناة الخيل هذه، ولما جاء صدام الى السلطة اعاده (الريسز) مجدداً وكان لخاله المقبور خير الله طلفاح ولولده عدي الحصة الاكبر في الخيول والاحصنة وفي ارباح السباق.

و ألآن عزيزي القارئ الكريم:

اوجّه كلامي بالدرجة الاولى للاخ ابو اسراء المالكي والى الوزارات الامنية، وأخص بهم وزارتي الدفاع والداخلية اضافة لوزارة الامن الوطني:

اهيب بهم ان يضربوا بيد من حديد على رأس الأفعى في شارع حيفا واين ما حلت واين ما وجدت هذه الافاعي، فاهل المنطقة التي شق منها شارع حيفا هم من اشراف بغداد واخيارهم قبل ان يسكنها الغرباء عن طريق ازاحة عرقية غير معلنة وغير محسوسة، فكل كبار السن يتذكرون أن بيت المرحوم السيد محمد الصدر وهو اول رئيس مجلس اعيان عراقي وبيت رئيس وزراء العراق السيد صالح جبرو بيت الشهيد عبد العزيز البدري والكثير من اشراف بغداد هم من سكنة هذه المنطقة المتآخية والتي لم تكن تعرف الفروق الطائفية والعرقية قبل أن يندس اليها المقبور خير الله طلفاح واولاد اخيه، وقبل ان يستوطنها الاطفال المدللون لصدام حسين (وهم المعارضة السورية والمعارضة الايرانية) بعد ان شق لهم شارع حيفا من قلب هذه المنطقة.

يا ابو اسراء، يا وزيري الدفاع والداخلية، يا وزير الامن الوطني:

 اثأروا للدماء الحسنية التي سالت في عاشوراء وفي اربعنية الامام الحسين (ع).

اضربوا هذه الافاعي بشدة، ولا تأخذكم بهم لومة لائم، ولا تكونوا كصاحب القلب الفطير (الزعيم عبد الكريم قاسم) الذي عفا عما سلف من (المناويك) ولم يستمع لبيت الشعر الناصح وهو يستصرخه:

(فضيّق الحبل واشدد من خناقهم..... فربما كان في ارخائه ضرر).

أما يكفي أن يهرب ايمن بن سبعاوي في المرة الاولى، ثم يقتحم سجن بادوش في الموصل مرة ثانية وو يهرب منه مائة واربعون مجرماً على رأسهم ابني برزان ووطبان ولربما سيهرب من يهرب منه مرة ثالثة ورابعة وخامسة لا سمح الله.

الا يكفي اقتحام سجن الجرئم الكبرى في البصرة وللمرة الثانية ليهرب من يهرب منه بواسطة الفرقة القذرة التابعة لقوات الاحتلال القذر؟.

الا يكفي ان يهرب من امام انظاركم ومن بين ايديكم كل من حازم الشعلان وايهم السامرائي ولؤي العرس ومشعان الجبوري وبجعبتهم اكثر من خمسة مليارات من الدولارات مقتطعة من لقمة ابناء شعبنا العراقي الجائع والعريان ؟.

اخبرونا يرحمكم الله كم هو حجم الثروة التي هربها عبد الناصر الجنابي الذي صدر قرار اعتقاله مؤخراً ؟ وهل (ستطمطوها مثل ما طمطمتم مذكرة اعتقال الضاري سابقاً) واي نجر ما ينحرسيهرب محمد الدايني لاحقاً ؟ افيدونا مأجورين يرحمكم الله !.

الى اي مدى تؤخرون اعدام من اعترفوا بجرائمهم وصدر قرار حكمهم بالاعدام جراء اجرامهم بحق الشعب العراقي ؟.... اهل كبستموهم طرشي مخلل ؟... فحتى لو كبستموهم طرشي، فهذا الطرشي غير صالح لللاستهلاك البشري، لأنه انجس من الميتة ومن لحم الخنزير !.

وأخيراً: أن ارواح ابناء شعبنا العراقي والبنا التحتية للوطن وكرامة العراق والعراقيين امانة في اعناقكم فصونوا هذه الامانة كما هو عهدنا بكم.

و دمتم لأخيكم

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com