|
في عيد المرأة.. لا مساواة بين الرجل والمرأة راسم المرواني / مستشار هيئة الإشراف الثقافي العام لمكتب السيد الشهيد الصدر (قده) / بغداد كثيرة هي نقاط العجز في فهم دور المرأة على الخارطة الاجتماعية للوجود، وكثيرة – أيضاً – هي التداعيات التي نشأت عن سوء الفهم هذا، وأهم هذه التداعيات هي الشعور المكتنـز لدى المرأة بأنها كائن مضطهد، وربما وصلت آثار هذه التداعيات الى مرحلة خطيرة من مراحل الشعور بـــ ( عقدة الإضطهاد ) أو حتى عقدة النقص. أحتاج قليلا من الصبر لدى القارئ كي أترجم ما أقول أو أدعم ما أقول، وأحتاج الى رويته في الحكم على المقال من عنوانه. إن الذي عجز ( الرجال ) عن فهمه هو قيمة المرأة الحقيقية في ( عالم الإمكان )، وتصوروا أن ( الرجال قوامون على النساء ) بحجة القيمومة المجردة، ولم ينتبهوا الى حقيقة الخلق التي استدعت وجود المرأة والرجل في الكون، فنحن – كإسلاميين منفتحين – نفهم بأن الرجل والمرأة يشكلان وثيقة العقد الشرائكي في تنظيم الحياة، ونستطيع أن نوضح المسألة على وفق المثال التالي:- لنفترض – جدلاً – بأن شركة من شركات صناعة الحاسوب قامت بانتاج حاسبتين ( كومبيوترين ) متشابهين من ناحية القدرة على الإستيعاب، والسرعة في اعطاء النتائج، وقابلية التذكر، وغير ذلك من المواصفات التقنية والفنية، ولنفترض أنهما الحاسبة (أ) والحاسبة (ب)، وعليه فهاتان الحاسبتان متساويتان ( تماماً) من ناحية الكفاءة والقدرة على التحليل والإستنتاج وغيرها، ولكن، اقتضت ضرورات العمل أن تعبأ الحاسبة ( أ) ببرامج تخص عمليات التصميم والمونتاج، وهيأت للعمل في مساحة اقتضت وجود بعض التغييرات في الهيكل الخارجي. أما الحاسبة (ب) فقد تم تنصيبها أو تعبئتها ببرنامج خاص بالتحليلات المرضية أو السيرولوجية، وتم دعم تصميمها الخارجي للعمل في ظروف مختلفة على وفق مساحة العمل. المفترض - علمياً وعملياً - أن لا فرق بين الحاسبتين من ناحية القدرة والجاهزية، ولكن الفرق يكمن في الإختلافات التصميمية، مما يجعل من إحداهما مكملة للأخرى، ويبقي على وجود الآخر بالشكل الذي يضمن استمرار العمل ودوام الصيرورة. والآن ننتقل الى مثال آخر أقرب لفكرة الرجل والمرأة من مثال الحاسبتين، لأن المتوقع أن يستنكر أحد القراء على مثالي الذي يتخذ من الجمادات أنموذجاً للإنسان، ومثالنا التالي يتضمن فكرة وجود ( شابين ) تخرجا في مرحلة الإعدادية، ودخلا سوياً إحدى الجامعات العسكرية، وتدارسا نفس المواضيع، وتذاكرا نفس المواد العلمية المتعلقة بدراستهما، واجتازا نفس الإختبارات، وبعد تخرجهما في الكلية العسكرية، اقتضت مسؤولية التوزيع أن يصار الى تعيين أحدهما كقائد ميداني في المعركة، وانتداب الآخر الى مركز لتأهيل الجنود الجدد، فهما رافدان لبعضهما، ولا يمكن استمرار العمل أو النصر بأحدهما دون الآخر، فالفارق بينهما يكمن بالوظيفة، وليس بالقابليات. هذان المثالان متعلقان بحكمة الوجود، فالمرأة والرجل متشابهان الى حد ( التساوي ) في منطلق الوجود، ولكنهما ( متفاوتان ) في الوظيفة، لحكمة تقتضي وجود هذا الإختلاف الذي يضمن استمرار الوجود. إن ثقافة سلب المرأة ومصادرتها وتغييبها لم تكن من متبنيات الإسلام، بل يمكن أن نقول بأن الإسلام فضل المرأة على الرجل في مواطن كثيرة، يمكن أن نفهما من خلال إعطائها النصف من إرث الرجل، لأن الرجل مأمور بالنفقة على المرأة، وبذلك تبقى حصتها ( النصف ) من الإرث مصانة وقابلة للنمو، وبهذا يمكن أن نفهم أن الإسلام أعطى للمرأة حق نمو الملكية أكثر من الرجل، أو فكرة تربية الأطفال التي أعطاها للمرأة، ودفع بالرجل أن يلتفت الى العمل بالخارج وتوفير مستلزمات العيش، فكأن الإسلام قد أسلم مقاليد استمرار الحياة، وبناء المجتمع بيد المرأة، ولم يسلمه للرجل، ثم أعطى للمرأة حق المطالبة بــــ ( خادمة ) من الرجل، ولم يفرض عليها القيام بالأعمال المنزلية، لأن الإسلام يفرق بين الخادمة ( كأجيرة ) والزوجة كسيدة متربعة على عرش البيت. وقريباً من هذا، حق المرأة بأن تفرض على زوجها عدم التزوج من إمرأة أخرى بوجودها، كنوع من أنواع الإتفاق أثناء إبرام عقد الزواج. إن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فكرة سلبية ناشئة عن عقدة النقص والإضطهاد التي تشعر بها المرأة إزاء الرجل، والمتأتية من تغييب المجتمع الذكوري للمرأة، وتصويرها على أنها عبارة عن ( مجموعة عورات )، ومحاولة جعل شرف المرأة في أعضائها التناسلية فقط، متناسياً – أعني المجتمع – أن عورات الرجل أكثر، وكل موقف (سلبي) يتخذه الرجل – والمرأة أيضاً - إزاء الإنسانية يمثل عورة مكشوفة مخزية. صحيح أن تكوين المرأة الفسيولوجي الظاهري – أنموذج الحاسبتين السابقتين – افترض عليها أن تخفي معالمها، ولكن ليس لسبب الإهانة أو استصغار الشأن، بل هو اعتراف (واضح) بروعة هذا التكوين، واعتراف (صريح) بأن تكوينها أكثر جمالاً ورونقاً وتأثيراً من تكوين الرجل، لأنه يمثل الدفء الذي يحتاج إليه الرجل في رحلته المتعبة المضنكة والمضنية مع الحياة، وبذا يستحق هذا التكوين أن لا يبتذل بشكل مهان. يمكنني أن أفهم بأن للمرأة حقوقاً وواجبات، ويمكنني أن أفهم بأن المجتمعات المتخلفة – طالبان أنموذجاً – قد صادرت حقوق المرأة ووضعتها في خانة التردي، ولكن ما لا أفهمه هو هذا الإغماض السلبي من قبل المرأة عن حقوقها، ولماذا لا تقدم المرأة أنموذج الزهراء ( الثائرة ) عليها السلام – التي استبدلت المواقع مع أمير المؤمنين ع للمطالبة بحق مضاع - كحجة في الحوار مع المتمسحين بعباءة الإسلام ؟، ولماذا لا تقدم المرأة أنموذج خديجة الكبرى عليها السلام في شدها لعضد رسول الله، وامتهانها للتجارة وتوظيف الأموال ؟ وأين المرأة من أنموذج ( زينب العقيلة ) التي وقفت – بكبرياء الفرسان – لتقول لأكبر طاغية في زمنه (( ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، فإني لأستصغر قدرك، وأستعظم توبيخك، وأستكثر تقريعك )) ؟. تحية للمرأة في عيدها، ومطلوب منها – الآن – أن تعي دورها، وتعلم أنها نصف المجتمع الخلاق، وأن تتخذ لنفسها مكاناً يليق بها، وليس المطلوب منها أن تطالب بالمساواة، فالمطالبة بالمساواة يمثل برأيي ( قمة العجز )، بل عليها أن تنتصف لنفسها، ولا ترضى بأقل من حقها الطبيعي والشرعي، وأن تؤشر على المواضع التي فضلها الله بها على الرجال.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |