شخبطة على الحائط

كاتباتنا وكتابنا يعيشون اللغة العربية لغة الخوف والتورية والتكفير والتبجح

لغة الفحول والثقافة المغلقة والانشاء المدرسي والنحيب على التاريخ

 

توما شماني – تورونتو / عضو اتحاد المؤرخين العرب

tshamani@rogers.com

احدي الكاتبات الفاضلات في جريدة الشرق الاوسط  الكاتبة المتحررة زينب حنفي كتبت مقالا في المرأة المتآكلة انها تعني بها المرأة العربية، انني في الواقع اثني على موقف الاستاذة زينب حنفي في كتابتها عن المرأة بانفتاح اكثر وجرأة في عصر طاغي يسيطر عليه كتاب وكاتبات يعيشون الايام الخوالي في هذا القرن الذي يسمونه القرن الحادي والعشرين، احد اصحاب العمائم في العراق يعيب على الشباب لعب كرة القدم وآخر في ايران يبشر بقدوم المهدي المنتظر ومعمم أخر في استراليا يشير الى النساء الاستراليات بانهن لحوم مكشوفة تنهشها الكلاب والجموع تهتف لهم واخر قرضاوي يلعب بالعقول في الباطل والمسموح ومسائل تدعو الى الضحك ولكنه ضحك كالبكا كما يقول المتنبي. اثني على الدكتورة نوال السعداوي فى جرأتها في الكتابة بعبارات فيها اشياء من الصراحة ولكنها ليست كل الصراحة، لانها لوفعلت ذلك لن يسلم رأسها من سكاكين اللادنيين والقرضاويين والصدريين والقميين المنتشرين شرقا وغربا وكل له حدودهم الخاصة. اننا نعيش واقعا ليس له ضريب حتى في القرون الخوالي. الروائي الكبير الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ  الاول في دنيا العرب نالها في الأدب في البلاد العربية طعنه واحد برقبته الا انه نجا من سكاكين الاخوان المسلمين.

عصرنا الذي نمر به عصر من العصور المظلمة، في هذا العصر يعيبون ويعيرون اوربا انها مرت بعصور مظلمة دون ان يدركوا بسبب العمى الفكري ان ذلك حدث قبل ما يزيد على الخمسة قرون. في وقت كانوا يرمون ابن رشد الذي تفخر به الفلسفة حتى اليوم كانوا يرمونه بالنعل عندما يدخل الجامع في قرطبة وحرقوا كتبه العربية بكاملها ثم احياها الغرب من النصوص العبرية التي بقيت. اننا قد فقدنا بوصلة الزمن لجهلنا اذ لازلنا نعيش الكيانات الماضية التي دمرناها، ناسين ان الآخرين مروا في عهودهم المظلمة في الماضي في عصور مضت وانتهت هناك فادت الى نهضات ليس لها عد، نهضة اثر نهضة اثر نهضة ادت الى طفرات نرى آثارها الآن في اوربا وامريكا واليابان والصين والهند تكنولوجيا وحضاريا حتى وصلوا الفضاء  في وقت نحن نراوح ونسير القهقرى فرحين مهللين مصفقين لما يقوله الفقهاء من فتاوي من امثال القرضاوي والشيرازيين في مسائل الطب والحياة الجديدة التي نمر بها الآن، حتى انقلبت اللغة العربية الى اداة فعالة في الاتيان بالتخلف والجهل والتقوقع فيما قاله الاقدمون والمتقوقعون الجدد الذين يظهرون على شاشات التلفزيون بوجوهم الفوتوجينيه معتمرين بعمائم مخاطة بخيوط الدمقس ملوحين بايديهم باليوم المشهود. ولاعجب ان امست لغتنا العربية العربية  لغة خوف وتورية وتكفير وتبجح، وامست لغة الفحول والعمائم والثقافة المغلقة والانشاء المدرسي والنحيب على التاريخ.

اننا نعيش الآن الجاهلية والقبلية بكل ابعادها التي اشار لها ابن خلدون حين قال (العرب اهل بداوة وعصبية) ولاتزال هذه المقولة قائمة في اللغة اذ تروي الروايات ان شخصا اراد الانتقام من قتلة اخيه فترصد شخصا من القبيلة الاخرى وامجرد كونه من القبيلة الاخرى، اراد له القتل فقال (ومهفف الاعطاف قلت له انتسب اجاب ما قتل المحب حلالو) برفع كلمة (الحلال) ولو قال (حلالا) لقتله لان اعداءه من القبيلة المجاورة ينهون كلمة الحلال بالنصب اي (حلالا). وفوق ذلك اننا نعيش عصرا انسدت به طرق الثقافات اذ قال شاعر مرة (واني وان كنت الاخير زمانه  لآت بما لم تستطعه الأوائل) هذا ماقيل قبل عشرة قرون ولازلنا نردد ما ثرثر به الاقدمون. فان الكثرة الكاثرة من معليمنا الذين يهيمنون على القوة هم من الذين ابلانا بهم الدهر، لازالوا على اعتقاد ان كل ما هو موجود الآن من مستحدثات في خزانات الكتب من كافة اقطار العالم انما هو اثم وكفر وضلال، لان ماجاء به الاقدمون هو الثابت الذي لا يتبدل مع الزمن. وأسوأ مثل ان مدرسي اللغة العربية وهم اكبر كوادر التعليم والاكبرعددا من بالنسبة لمدرسي الكيمياء والفيزياء والرياضيات، يقضون اربع سنوات في الكلية ليتعلموا كيفية رفع الفاعل ونصب المفعول به وهو ما يلقنون به الطلبة في اكثر من عقد من الزمان، ومع كل هذا العناء لايستطيع الطبيب او المهندس التفريق بين الفاعل والمفعول به. اتذكر في عملي في الجرائد الكبرى في العراق ان هذه الصحف والاذاعة تعين شخصا يعمل من اجل تصحيح مقالات لكي تكون مطابقة لحالات الرفع والنصب والجر والسكون. آخر اخبار عصر الحداثة ان ارض الكنانة مصر رفعوا دعاوي قضائية ضد مايقرب من 30 من الشخصيات الثقافية البارزة كان منهم نجيب محفوظ رحمه الله وأحمد عبدالمعطي حجازي وعبدالمنعم رمضان وغيرهم وكذلك أُبيح دم أبو زيد باعتباره مرتداً، اما فرج فودة فكان مصيره القتل بيد متعصب دفعته الفرق الدينية على القتل. وفي فلسطين احرقت نسخ كتاب (قول يا طير) لوجود ألفاظ تخدش الحياء وهو الكتاب الذي حصلت فلسطين به قبل سنتين على جائزة التراث الشفوي على مستوى العالم وجعلته منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (الاونيسكو) من الكتب القيمة.

ان رب المشاكل فينا ان كتابنا في بلاد العرب وحتى لبنان ارض الحرية التي لم يعهدها العالم العربي والاسلامي من قبل لم يسلموا من سكاكين احزاب الله وجماعات التكفير وفي العراق يذبحون النساء على شاشات التلفزيونات والصحفيون يقتلون بالجمله بالتصفيات المذهبية وكذلك الاساتذة والاطباء. للاسف ان الكتاب اصحاب العقول المتحجرة بالنصوص البائدة ومنهم السايكوباثيون المعتمرين بالعقال خريجي جامعات (تأبط شرا) هم الذين يسيطرون على الصحاقة العربية المسنودة بالدولارات البترولية يثرثرون ويعيدون الثرثرة ويعيدون، هؤلاء الثرثارون هم المسيطرون على صحافات وتلفزيونات اليوم، ولا عجب ان اضطر الآخرون من الكتاب والكاتبات اللجوء الى لغة، ليست من انصار الباطنية فقط  بل لغة مبهمة غير واضحة تخفي امورا مهمة جدا تمنع عنهم تأصيلها وايصالها خوفا من الطاغوث الديني الكبير الذي يجتاح مجتمعاتنا. والادهى ان في كندا شخصا قليل الحياء هو مصطفى ثابت عقد بنفسه في تورونتو محكمة اسماها (محكمة الفكر) اوقف الاديان الثلاثة في قفص الاتهام وصف اليهودية بالارهاب والمسيحية بالارهاب واستصدر حكما بتفضيل دينه على الاديان الاخرى، هذا اللاحياء يصدر في مجلات وكتب بالعربية هنا في تورونتو المضيافة التي تدعوا الى تعانق كافة الاديان.

ان المرأة في البلاد العربية والاسلامية هي نفسها العربية التي تعيش عالما متزمتا نحوها حتى في اللغة فاذا كانت هناك مليون امرأة  فينبغي ان نخاطبهن بـ (انتن) اما اذا وقف بينهن ذكر مجنون فعلينا ان نخاطبهن بـ (انتم) وذلك من اجل عيون المجنون. وبلغ الاستهتار بالمرأة ان اصحاب العمائم يستطيعون تطليق زوجة من زوجها بمايعرف بالحسبة التي تقضي ببطلان زواج المرأة المسلمة من الملحد ومن غير المسلم.

كفانا الشرود واالتحدث بلغة التورية والخوف القائمة الآن في القرن الحادي والعشرين. الكثير من الكاتبات والكتاب يخشون تسمية الاسماء باسمائها لان السيوف مشروعة على اعناقهم واعناقهن اليوم او غدا او بعد غد. هذه حالتنا هذه مصيبتنا هذا طريقنا المسدود المظلم الاسود المنتهي بنا لامحالة الى اللامستقبل والفناء.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com