من دفتر ذكرياتي في معتقل / أبو غريب ... الحلقة ألأولى!!

جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

بين فترة وأخرى أقلب دفاتر الذكريات التي دونتها خلال أعتقالي في ( سجن / أبوغريب ) سىء الصيت.. ذلك المعتقل الذي دخل التأريخ بالأخص بعد ألأعتداءات التي مارسها جنود ألأحتلال بحق عدد من المعتقلين العراقيين.. نعم لقد أصبح يذكر كما الحال مع معتقلات رهيبة ومعروفة.. نعم أنه باستيل العراق!!!.

أبو غريب.. مدينة تقع في غرب مدينة / بغداد.. وقد تم بناء ذلك المعتقل في عهد الرئيس العراقي ألأسبق / عبد السلام محمد عارف.. والغريب أن من وضع حجر ألأساس له هو الدكتور / عبد الكريم هاني ـ وزيرالعمل الشؤن ألأجتماعية ـ ألأسبق.. وقد شاء القدر أن يسجن هناك لمدة أكثر من عشرة أعوام.. نعم الدكتور / أبوهاني كان أستاذنا وطبيبنا.. لايزال حي يرزق وهو من القوميون العرب.. موجود آلآن ( أطال الله في عمره ) في بغداد و لديهم جريدة في ألأعظمية ومتواصل معه ..لله الحمد .

في سجن أبو غريب ألأقسام التالية /

1 / قسم ألأحكام الخاصة ـ قسم السياسيون ـ قضيت فيها مع 1200 سياسي سنوات من شبابي .. هذا القسم حصراً للسياسيون فقط ..لم يكن معنا غير سياسيون أطلاقاٌ.. لكون بقية الجرائم ألأخرى كانوا في الثقيلة والخفيفة .

2 / قسم ألأستقبال / يستقبل فيه المحكوم ويقضي عدد من الليالي هناك لأجراءات أدارية وغيرها كـ ( فتح فايل وطبع أصابع ..الخ ) .

3 / قسم ألأفراج / عملهم تهيئة الذين سيطلق سراحهم.. يقضي المحكوم سنته ألأخيرة في ذلك القسم ولكن السياسيون كانوا يبقون في قسمهم .

4 / قسم ألأعدام ....لاتعليق !!.

5 / قسم ألأحكام الخفيفة / للذين أحكامهم أقل من عشرة أعوام.. لكافة الجرائم..السرقة ، ألأختلاس ، القتل ، التجارة بالمخدرات .. سرقة أموال الدولة ...الخ من الجرائم .

6 / قسم ألأحكام الطويلة / للذين أحكامهم أكثر من عشرة أعوام، نفس جرائم قسم الخفيفة .

7 / قسم العرب وألأجانب / كل المحكومون أما من الدول العربية أو من ألأجانب.. ولمختلف المواد كحوادث الدهس.. التهريب.. التجسس.. غيرها !!.

في كل قسم هنالك:

ـ مخبز.. نعطيهم طحين ومبلغ من المال نأخذ بالمقابل خبزحار!!.

ـ مستوصف .. يديره أحد المحكومين .

ـ مكتبة ومسجد صغير .

ـ قاعة أجتماعات ومسرح صغير .

ـ حانوت لشراء الحاجيات الضرورية .

قسمنا / قسم ألأحكام الخاصة ـ السياسيون ـ كان يقع قرب الباب الرئيسي من الشارع العام.. وكنا نختلف عن بقية ألأقسام حيث البقية كانت تحت أدارة وزارة العمل والشؤن ألأجتماعية ..أما قسمنا فكان تحت سيطرة رجال ألأمن.. والعرب وألأجانب أيضاً!!.

في البداية كنا جميعاً في قسم واحد.. ولكن مع أزدياد العدد فتحوا قسماً أخر .. فنقلوا نصفنا الى القسم الثاني.. فكنت أحدهم.. ومن الجدير بالذكر أن المعتقلون كانوا من أنحاء العراق... من زاخو والى الفاو.. لله الحمد بفضل العولمة وألأنترنيت لازلت تربطني بعلاقات مع عدد كبير منهم .

قسمنا وكذلك القسم ألأول كان يتكون من عشرون غرفة حجم كل غرفة 3× 4 م ، عشرة غرف في ألأسفل وعشرة في الطابق ألأول.. والمعضلة أن الغرفة الواحدة مخصصة لستة أشخاص ولكننا كنا في كل غرفة أكثر من 12ـ 15 شخصاً .. وتلك كانت مصيبة أثناء الليل والنوم ومواجهة ألأهل في الشتاء!!.

الغرف كانت فيها من شرائح مختلفة حيث العرب والكرد والتركمان ومسيحي وأيزيدي وغيرهم ومن كافة ألأعمار وألأعمال والمناصب !!.

شاءت الصدفة أن أكون في غرفة فيها أناس أكابر ولازالوا على قيد الحياة ولكن أحدهم أستشهد قبل عامان ولكن ألأحياء في تبادل الرسائل ومنهم :

ـ الدكتور / قاسم مهاوي كان ينتمي الى / حزب الدعوة ألأسلامي .. بعد تحرير العراق عين وكيل لوزارة النقل.. أستشهد في حي العدل قبل عامان.. بكيت عليه دم.. كان عالم من أكبر العلماء.

ـ الدكتور / صادق عرفات ـ تركماني ـ من أهالي الموصل .. أختصاص أمراض جلدية.. موجود آلآن في الموصل وله عيادة قرب جامعة الموصل .

ـ ألأخ / منير برهان ـ أبو نور ـ موجود في كركوك من قياديي حزب تركماني . .. قضى عشرون عاماً بالكمال والتمام في أبوغريب!!!.

ـ الرائد الطيار خالد حازم .. كان متهم في المشاركة في ألأنقلاب الذي نسب الى اللواء الطيار الركن ( محمدمظلوم الجبوري) والرائد الطيار كان من أهالي مدينة الموصل والده يملك معمل للمرطبات .

ـ عادل مخلف الدليمي / من أهالي الرمادي ، قضى عشرون عاماً أيضاً .

ـ ستة شباب من أهالي السماوة والديوانية والنجف ( محمد وعباس وكاظم وسيدمحسن وحسام وأنا ) . .. وبعد ذلك وضعوا شاباً كوردياً معنا من أهالي ( بردة رش ) يدعى نزار كان في العقد الثاني من عمره وينتمي لتنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني .

في النهار لم تكن لدينا مشكلة حيث كانت ألأدارة تفتح ألأبواب وكان بأمكاننا أن نتواجد في الساحة ألأمامية.. حيث نتمشى أو نطبخ أو نغسل ملابسنا أو غيرها!!.

الوسيلة الوحيدة للتسلية كانت :

ـ تلفزيون في الممر.. أشتريناه بأنفسنا.. وكان مسموح في كل غرفة تلفزيون .. في أغلبية الغرف كانت هنالك أجهزة تلفاز.

ـ منضدة واحدة.. للعب كرة المنضدة .

ـ الشطرنج.

ـ مكتبة القسم / كانت فيها كتب أدبية كثيرة ولكن للأسف سرقها رجال ألأمن.. لم يبق شىء يذكر.

أما الطعام فكانت كل مجموعة تأكل مع بعض.. الغريب أن تلك الجماعة يطلقون عليها أسماً غريباً( سفرداش ) أعتقد أسم تركي!!.

ألأهل في كل مواجهة ( أيام ألأثنين ) يجلبون لنا أنواع الخضروات والرز واللحوم والطحين وبدورنا كنا نطبخ .

شخصياً كنت ( سفرداش) مع شابان من مدينة السليمانية وهما :

ـ ريبوار عمر عثمان .

ـ أسفنديار محمد .

كانا من تنظيمات ألأتحاد الوطني الكوردستاني ..قضيا 15 سنة إلا كم شهر.. بسبب أنتمائهم لذلك التنظيم.. كانا في عمر الزهور حين أعتقلا.. ولكن المجرم / عواد البندر قرر أن يكبر سنهما وبالتالي الحكم عليهما بخمسة عشر عاماً...!!.

لم يكونا وحيدان في القضية كان معهم ثلاثة أخرون وهم :

ـ نزار جلال .

ـ كامران عبدالله .

ـ برهان رؤوف .

جميعهم آلآن ضباط في أمن ( أسايش ) السليمانية .. بعد أطلاق سراحهم كرموا من قبل حزبهم بمنحهم رتب ضباط هناك !!.. ولازلت على أتصال معهم .

هؤلاء ألأبطال ( الخمسة ) أتهموا بأغتيال ( مفوضين ) من أمن النظام السابق في شارع / مولوي.. ولكن بسبب صغر سنهم لم يعدموا ولكن حكم عليهم بخمسة عشر عاماً!!!.

أبو غريب .. قياساً بمعتقلات ( المخابرات وألأمن وألأستخبارات ) بمثابة فندق خمسة نجوم.. وذلك لعدد من ألأسباب :

ـ زيارة ألأهل في كل أسبوع .

ـ ألأطلاع على مايجري في العالم.

ـ أكل أعتيادي .

ـ تلفزيون و جلسات ثقافية وأدبية ودورات تعليم لغات ولعب منضدة وشطرنج... ربيع دائم !!.

مشكلتنا الكبرى كانت كثرة أنقطاع الماء.. ومن المعلوم أن الماء هو الشريان الرئيسي للحياة.. أما الكهرباء فلم يكن ينقطع الا لدقائق.. وبالأخص في الليل لا أنقطاع حتى الصباح.. والسبب للمراقبة والا ليس ( لكرمال عيوننا ) .. والمشكلة ألأخرى قلة الحمامات.. كان في قسمنا حمامان فقط .. ولكن في ألأونة ألأخيرة تم تشييد مجموعة من الحمامات في الساحة ألأمامية .

أعدادنا كانت في أزدياد مستمر.. أمتلأ القسمان.. في كل يوم وجوه جديدة.. كل أسبوع ناس جدد.. لم يشملنا أي عفو ..أو عفو عام.. بقية ألأقسام ( القتلة والحرامية والمختلسين والمجرمون وغيرهم ) كانوا مشمولون بقرارات العفو..الا نحن قسم ألأحكام الخاصة( السياسيون ) كان لابد أن تكمل المدة المقررة.. من غير ليه ..!!.

من الشخصيات الدينية التي لم أنساها الى ألأبد / سماحة السيد ـ محمد الطباطبائي ـ ذلك الرجل الشجاع الشهم العظيم.. قضى عشرون عاماٌ في أبو غريب.. الغريب أنه قضى ثمانية أعوام في قسم ألأعدام قبل أن ينقل الى قسمنا.. كان كالجبل الشامخ.. كنت أزوره يومياً ونتناول الشاي معاً... رأيت صورته من على الصفحة ألأولى لجريدة ( الزمان ) بعد أطلاق سراح جميع المعتقلين ، قبل دخول القوات ألأمريكية.. وجدته متعباً كان متكئاً على أحد الشباب !!...لا أعرف أخباره آلآن !!.

في أبو غريب أنواع الساحات لممارسات ألألعاب ولكنها كانت مغلقة.. من غير أسباب!!.

هنالك حلقات أخرى ومفاجئات ولربما حتى صور !!! ..أنشاءالله تعالى.