سفاراتنا بين الأمس واليوم .. وطموحاتنا الوطنية!

 

هادي فريد التكريتي / عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

hadifarid@maktoob.com

سفارات العراق حولها النظام البعثي الساقط ، في مختلف بلدان العالم ، إلى أوكار حزبية ، ومراكز أمنية ، وأقبية تعذيب ، يمارس فيها المخبرون البعثيون،  وضباط الأمن والمخابرات ، اختطاف واعتقال المواطنين وتعذيبهم  ، والتحقيق معهم ،  والتجسس على الطلبة والمعارضين ، الهاربين من ظلم النظام وإرهابه ، وبذا فقدت السفارات وظيفتها وصفتها ، كونها جزء من الوطن ، ولخدمة الشعب ، يلوذ بها كل طالب  ومغترب ، وظلت طيلة عقود حكم البعث ، مكانا مشبوها ، ملوثا للسمعة ، يبقى الداخل إليها مكرها ـ لإنجاز معاملة تخصه ، كتجديد أو تمديد جواز سفر ، أو تسجيل عقد زواج أو ما شابه ذلك ـ والخارج منها حذرا ، متلفتا يمنة ويسرة  خشية من عراقي ، أو فضولي يراه ، فتلوكه الألس! ن ، وهذه بعض أسباب مقاطعة العراقيين لسفاراتهم ، على الرغم من الحاجة الماسة والضرورية لمراجعتها ، مما ألحق بالعراقيين اضطهاد وأذى ، انتعش جراءها سوق  تزوير الوثائق وبيعها بأسعار فاحشة ، عبر سماسرة السفارة ، من بعثيين ووسطاء .

وبدلا من أن ينشغل السفير وكوادر سفارته ، بأمور البلد ومصالحه الدبلوماسية والسياسية ، وإظهار  الوجه الحقيقي لحضارة وتاريخ وثقافة وادي الرافدين ، والمستوى الفعلي  لحياة الشعب ورفاهيته ، انصرف البعض ، بما فيهم السفير ،  لمهام حزبية ومخابراتية ، وانشغل البعض الآخر في بيع الوثائق وتزويرها ، وتهريب العملة ، وإقامة حفلات ماجنة ، ' للبعث الصامد ' بوجه شعبه ، واختلاق  مناسبات ترضي نرجسية القائد 'الضرورة '، وتؤرخ لبطولاته في قادسيات بائسة ومهزومة ، والتغني بأمجاد ' عروبة ' منتصرة ، على فرس مجوس ، وتحرير فلسطين من اليهود ، ورمي آخر مستوطن منهم في البحر ، عبر ' تحرير'  الكويت ، القضاء السليب ، و' عودة الجزء إلى الكل ' ، هذه الأمور كانت كل مها! م سفاراتنا ، وشغلها الشاغل ، كيف ملاحقة المعارضين، وكيفية إعداد تقارير مزورة عنهم  ، أما السفير فلا يحتاج لمؤهلات ، لإشغاله هذا المنصب سوى الإيمان بالمبادئ القومية ـ الفاشية للحزب القائد و'الردح ' بعبقرية القائد ، لذا كانت السفارات خاوية ، إلا من كوادرها ذوي الوجوه الكالحة والمكروهة .  

 بعد سقوط النظام ، واحتلال أمريكا للعراق ، استبشر كل العراقيين ، على مختلف انتماءاتهم ،  خيرا ، بسقوطه وعودة السفارات لممارسة وظائفها وواجباتها المعتادة تجاه الوطن والشعب ، فغصت مباني السفارات العراقية ، في مختلف البلدان بالمئات بل بآلاف المواطنين ، كل يبغي قضاء حاجته ، التي حالت دون تحقيقها ظروف الحكم الفاشي ، وحتى البعض راح يراجع السفارة ، لا لأمر معين ،  متباهيا بأن له سفارة يلجأ إليها وقتما شاء ، أسوة بخلق الله الذين لهم سفارات تخدمهم ، وتحرص على رعاية شؤونهم في بلدان الاغتراب .

لحظات السعادة في حياة المقهورين ، سرعان ما تتبدد وتزول ، وهذا ما حصل للمواطن العراقي في سفارته ، بعد أن احتل السفارات ممثلو الطوائف ـ الدينية والقومية ـ العنصرية ، وفق كوتا المحاصصة ، سيئة الصيت ، بعيدا عن مبادئ المواطنة والكفاءة والمؤهلات ، التي أقرها الدستور لنيل الوظائف العامة ، وكما كان الحال في عهد البعث  ، طبقت نفس المعايير لشاغلي مناصب الدولة ، ومنها السفارات ، وعادت حليمة لعادتها القديمة ، فالسفير هو من يجيد ' الردح ' للطائفية ، أو يتغنى بالمثل ' القومية ـ العنصرية ' وكذا كل الكوادر العاملة ، بما فيهم الكتبة والمستخدمين المحليين ، فتدنت كفاءة السفارة، في كل كوادرها ،لانعدام ، أو بساطة ، المؤهل  العلمي والمهني ، رافق هذا انعدام الرقابة والمحاسبة للمقصرين فشاع التزوير وكثر الفساد ، فتلاشت من جديد القيم الوطنية للسفارات ولعمل! ها الدبلوماسي ، وما عادت تمثل الشعب العراقي ،  بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية ، ولا تمثل الوطن الموحد من شماله لجنوبه ، إنما أصبحت السفارة ملكا  لسفيرها ، يوجهها حيث شاء ، ويختلق لها مناسبة الاحتفال وفق طقوسه القومية والمذهبية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أقامت السفارة العراقية في بلغاريا احتفالا طائفيا بمناسبة أربعينية الشهيد الحسين ، وأصرت السفارة إلا أن تطبق الفلكلور الطائفي ـ الشعبي بتقبل العزاء جلوسا ' متربعين على الأرض ' كما قدمت كذلك  الهريسة والزردة بالحليب أما الضيوف على الأرض ، والسفارة فيها ما يكفي من الأثاث الفاخر من الموبيليا الحديثة ، التي لم يوافق أن يدخلها السيد السفير دون أن تؤثث سفارته وفق مودة العصر ، وليس العصر الذي استشهد فيها الإمام الحسين ، كما أن السيد السفير أبى إلا أن يوثق هذه المناسبة الطائفية، بالصوت والصورة ، للضيوف وهم يتناولون 'الهريسة ' لتنقلها الكثير من المواقع الألكترونية ، متباهيا سيادته بأنه طائفي 'ل! لكشر' ويا ويلك  يا المعترض ، ناسيا سيادته أن السفارة هي مركز دبلوماسي يمثل الدولة ، وليست حسينية ، أو خيمة في حارة شعبية ،  يقام فيها العزاء وتقدم الهريسة ، وكل هذا النشاط الطائفي  لم يرض رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ،  الشيخ همام حمودي ، حيث صرح أثناء زيارته الأخيرة إلى لندن على رأس وفد من النواب العراقيين ' النشامى' قال عاتبا لا فض فوه ، على الدبلوماسية العراقية ( يعني على وزير  وزارة الخارجية ) :' هناك نوع من العتب على الدبلوماسية العراقية في بعض المناطق ، قصورا أو تقصيرا في أداء المهام لإكمال تجهيز السفارات ...). آمل أن لا ينصرف ذهن القارئ إلى معالجة القصور والتقصير ، أن هناك سفراء من نوع الملالي لا يليق بهم مقام السفير وإدارة السفارة ، ربما لعدم الكفاءة أو المؤهل ، لا هذا لم ولن  يرد على خاطر ' الملا ' رئيس لجنة العلاقات  ! الخارجية في مجلس النواب ، الشيخ همام حمودي ، إنما الرسالة التي أراد إيصالها للسيد وزير خارجية العراق ' هوشيار الزيباري ' هو عتبه على عدم تجهيز السفارات الواقعة تحت قبضة ' الملالي ' بالسواطير والقامات والزناجيل  ، وعدم التحشيد ' الجماهيري ' طائفيا ، والتوجيه رسميا بنزول السفارة وأعضائها ليلة ' الطبك ' إلى شوارع العواصم التي هم فيها للتطبير ، ليلة عاشوراء وفي الأربعينية ، أن إقامة الإحتفال  دبلوماسي ' طائفي ' في السفارة بتقديم ' الهريسة' وفق الفلكلور غير كاف ، ويعتبر تقصيرا وقصورا وفق منظور 'الملا' الشيخ همام ، فهل بهذه العقلية سيتقدم العراق..؟ وهل هذا هو الطموح ..؟ وهل من عبرة اكتسبتها فصائل الحكم الحالي ، من حكم الطاغية صدام ..؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com