قانون النفط والغاز...رطانة شهرستانية..!

 

هادي فريد التكريتي / عضو اتحاد الكتاب العراقيين في السويد

hadifarid@maktoob.com

تساوق الكشف عن مسودة قانون النفط والغاز، على الرأي العام العراقي، مع إعلان الإدارة الأمريكية عن موعد سحب قواتها ـ المشكوك فيه ـ من العراق،بعد أن تسرب خبر رفع حكومة المالكي للقانون إلى مجلس النواب للمصادقة عليه.

 قبل أن تكشف الحكومة عن نص هذا القانون، تناول بعض الخبراء والكتاب، عراقيين وأجانب، مناقشة بعض مخاطر وعيوب هذا القانون، وما سيلْحقه من حيف وغبن بالشعب العراقي، وأجياله القادمة، إن أقر هذا القانون بالصيغة التي ُنشرت فيه، إلا أن أمر إقراره، أو تعديله أو إلغائه يبقى أمرا" عراقيا" صرفا، تتحكم فيه موازين القوى التي تتقاسم كراسي المجلس النيابي، بغض النظر عن انتماآتهم القومية ـ العنصرية والدينية ـ الطائفية، ومدى وطنية ومصداقية كل هؤلاء النواب، والتزامهم بالعهود والوعود التي قطعوها لناخبيهم، في تحقيق الأمن والرخاء لعامة الشعب العراقي، وهذا يتطلب من المجلس النيابي، قبل أن يناقش مسودة القانون، أن يقر تشكيل لجنة من خارج المجلس، ذات اختصاص مهني وقانوني، من كوادر سبق لها العمل في مجال النفط وتسويقه، ومن خبراء شركة النفطية العراقية، لدراسة هذا القانون. منظمات المجتمع المدني، بكل اختصاصاتها ومجالات عملها، تتحمل مسؤولية كبرى، أمام الشعب العراقي بكل مكوناته، القومية والدينية والطائفية، للتعريف بهذا القانون، وشرح وتوضيح كل مادة ومفردة فيه، والمخاطر التي يتضمنها إقراره بصيغته الحالية، باعتباره أخطر قانون يمس ليس حياة الشعب العراقي ورخاءه فقط، بل أمنه واستقراره، ووحدة شعبه ووطنه طيلة العقود اللاحقة. مسؤولية أخرى يتحملها مثقفو العراق وكتابه، وكل نخبه السياسية، وخبراء القانون والنفط وكل الكوادر العراقية العاملة في هذا المجال، لبيان الثغرات " والمطبات " التي بثها مشرعو هذا القانون في مختلف الفقرات والمواد، بهدف غمط حقوق الشعب، و تكبيل العراق وشعبه بقيود واتفاقيات جائرة تسوغ، للشركات الأجنبية، نهب ثرواته لسنين طويلة، دون قدرة وطنية على انتزاع هذه الحقوق، بموجب هذا القانون.

الأسباب الموجبة لهذا القانون كما وردت في المقدمة: "...ينبغي أن توزع الفعاليات النفطية...بين هيئات وكيانات تجارية وتقنية ( متعددة..هـ ف.)رئيسية بما فيها شركة نفط وطنية عراقية ( واحدة..هـ. ف.) تجارية مستقلة وإعطاء دور للأقاليم والمحافطات المنتجة.." وهذا يعني تجزئة العراق وتجزئة ثرواته وخصخصتها، وإعطاء مكانة متميزة ومطلقة للشركات الأجنبية، دون الوطنية، في استثمار واستغلال النفط والغاز للمناطق التي هي تحت إدارة الأقاليم والمحافظات، وتوزيع أهم الثروات على كيانات قومية وطائفية مفتعلة،لا أحد يعلم بعد تكوينها وعددها، وهي غير قادرة على استثمار هذه الثروات وإدارتها، بما عندها من إمكانيات متواضعة في كل قدراتها، وهذه الثروات ليست من حق قومية ما أو طائفة بعينها، ولا حتى لكل الشعب العراقي فقط، في ظرفه الراهن، بل هي من حق أجياله القادمة أيضا، على مدى السنين اللاحقة، ولا يحق لحكومة محاصصة، في دولة ضعيفة المؤسسات، تتنازعها قوى التكفير والحقد الديني ـ الطائفي والقومي ـ العنصري ومشلولة الفعل أن تشرع مثل هذا القانون لنهب خيرات البلد، وهي تنتظر تعديلا في الدستور، متفق عليه، بين القوى السياسية بموجب المادة 142 من الدستور الدائم.

إن ما يناقض ما نصت عليه " الأسباب الموجبة "، ما تضمنته المادة 1ـ ملكية المصادر النفطية، من الفصل الأول ـ الشروط الأساسية، حيث نصت على :ـ " إن ملكية النفط والغاز تعود لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.." وهذا يعني بقاء النفط والغاز في كل مراحله بيد الحكومة،أي، بيد وزارة النفط، وشركات النفط الوطنية العراقية، دون استحواذ "أقاليم" ـ لم تتشكل بعد، ـ ماعدا إقليم كردستان ومحافظات لا زالت تتبع لحكومة مركزية ـ على ثروات البلد.

مسودة القانون المطروحة للرأي العام بنص عربي، فعلى المجلس النيابي أن يتمسك بنصوص القوانين بلغتها التي شرعت به، وضرورة أن تتمسك بها، الحكومة، الآن ومستقبلا، ولا تقبل أي نص أجنبي آخر، على الرغم من أن مسودة القانون قد أغفلت هذا الجانب، لغاية في نفس د. حسين الشهرستاني، وليست بنفس يعقوب ! وهذا جزء من التجاهل المتعمد، الذي يلحق ضررا بالغا بالحق العراقي، إن أشكلت نصوص مواد هذا القانون وقت تطبيق مواده على الشركات الأجنبية، فمسودة القانون المنشورة باللغة الانكليزية لا تتطابق جمل ومفردات الكلمات، مع المعنى وما يشير إليه النص العربي، وهذا ما يستوجب التأكيد بالنص في القانون، على أن النص العربي هو المعول عليه عند حصول الاختلاف، أو إذا عرض الموضوع أمام لجان التحكيم أو في المحاكم، التي يحب أن تكون عراقية، وعلى الأرض العراقية.

أشار الأستاذ سيار الجميل في موضوع له حول " مشروع قانون النفط والغاز ـ دراسة تفكيكية ومقارنة " المنشور على موقع البديل الألكتروني ليوم 18آذار الحالي، حيث أورد الكثير من الأمثلة المفارقة للنص العربي في مسودة القانون، عما هو عليه في النص الإنكليزي، مما يستدعي مراجعة دقيقة للنصوص في كلا اللغتين، وهذا ما يدعو الحكومة، التعويل على النص العربي واستبعاد أي نص آخر عند الإختلاف في تطبيق مواد القانون ونصوصه.

تزامن نشر مسود القانون مع إعلان تحديد موعد لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهذا ما يؤكد أن صياغة القانون لم تكن عراقية، إنما صاغتها وهيأتها شركات النفط الأمريكية، والترجمة لهذا النص كانت مستعجلة ومرتبكة، بدت رطانتها المبهمة واضحة المعالم، ففي الفقرات 17 و18 من المادة 4 يتجلى الخلط جليا، ويصعب على من له إلمام جيد باللغة العربية أن يتوصل لفهم المراد من تعريف العراقي والأجنبي، وما المقصود بحصص كل منهما، سواء أكانت أ كثر من 50% أم أقل من 50%، إنها فقرات ملتبسة وأريد منها التدليس على نهب الشركات الأجنبية وتهربها من القواتنين العراقية، في حالة إلإلتباس الحاصلة فعلا، في تسمية وتعريف الشخص العراقي ـ الأجنبي العامل مع الشركات الأجنبية، أو العراقي المقيم خارج العراق وشراكته مع الأجنبي، وهذا بعض اختلاف في النص المترجم، ولست أدري كيف مر هذا التباين في النص على وزير النفط، عالم الذرة الدكتور حسين الشهرستاني، وهو الدارس للذرة بهذه اللغة، أم أن الاستعجال في تمرير القانون، هو مطلب أمريكي، لم يدع فرصة للسيد الوزير من قراءته والتدقيق في العبارات واختلالات نصوصها ومفارقتها للنص العربي، مما يضمن مصلحة الشركات الأجنبية، ويوقع غبنا فاحشا بالجانب العراقي، يصعب تعديل أو رفع هذا الغبن.

الملاحظات السلبية حول مسودة هذا القانون كثيرة وكثيرة جدا في مختلف الأبواب، والمواد، ولا يجب أن يمر هذا القانون من المجلس النيابي، دون التدقيق في كل مادة ونص، لضمان مصلحة الشعب أولا وآخرا، كما أن على القوى السياسية الوطنية والديموقراطية ـ أن تعلن عن رأيها الواضح والصريح، دون مهادنة، فالأمر مصيري وخطير، لما احتواه هذا القانون، وتمريره قبل أن يعود الأمن والصفاء بين العراقيين، ليس أقل خيانة للمصالح الوطنية العراقية من معاهدة بورت ـ سموث في العام 1948 التي غسل عارها الشعب العراقي بدمائه، فالعراقيون سواء أكانوا في المجلس النيابي، أم في منظمات المجتمع المدني العاملة في العراق، كما كل المثقفين والكتاب، الذين يعز عليهم العراق، موحدا مستقرا، و شعبه سعيدا ومرفها، ليس أمامهم إلا أن يصارحوا الشعب بما ُتقدم عليه حكومة المحاصصة الطائفية، للنضال ضد إصدار هذا القانون برطانته " الشهرستانية " الملتبسة وغير المفهومة.

ما يثير الشكوك حول عدم نزاهة الحكام العراقيين المتورطين في تشريع هذه المسودة، ما كتبته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في عددها الأخير ـ يوم الأربعاء ـ قائلة :ـ " إن قانون النفط الجديد يشمل بندا يضمن لشركات النفط الأجنبية معاملة مماثلة للشركات العراقية، سواء خاصة أم عامة.." كما "..لا يجب على الولايات المتحدة أن تجبر العراق على فتح حقوله النفطية أمام الشركات الأجنبية كشرط على إنهاء الإحتلال، وإن إصرار الولايات المتحدة على سن قانون جديد للنفط ليس له علاقة بمصلحة الشعب العراقي.." فهل هناك شهادة أكثر مما شهدت به هذه الصحيفة الأمريكية وهي بالمناسبة ليست صحيفة لحزب يساري أو ماركسي كما لم تكن مناوئة للحكومة العراقية أو للوزير الذي ظلم شعبه، ويحاول إقرار تقسيم الوطن عن طريق تشريع هذا القانون، ولكنها رأت تكاثر نهب هؤلاء الحكام العراقيين للمال العام وسرقته، ما عاد يحتمل نهبا أكثر، من قبل الشركات الأمريكية المتواطئة مع أصحاب القرار العراقي..

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com