بغداديات.. عذره انجس من فعله

بهلول الكظماوي / امستردام

bhlool2@hotmail.com

bhlool2@gmail.com

بعد ما استتبّ الأمر لأبي العباس السفّاح، وسقطت مقاليد امور الدولة الاسلامية بيده، بعد أن استطاع أن يتخلّص من أول حلفائه المشكوك في ولائهم والذين يخاف منهم منافستهم له الملك، تخلّص من ابي مسلم الخراساني (تماماً كما تخلّصت ما يسمّى بحكومة الثورة البيضاء للبعث سنة 1967 من حلفائها في الثورة،(عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن الداوود).

ذهبت تلك الايام بالسفاح وذهبت بالذي بعده، الى أن استتب الامر لهارون الرشيد، ويجد (هارون) في منافسيه البرامكة أشد وطأة عليه ممن سلفهم على ابي العباس السفاح.

فكانت ثورة البرامكة المسطورة بالتاريخ.

(تماناً كنكبة الخمسة والخمسين عضواًً في قيادة حزب البعث الحاكم، وكان على رأسهم عدنان حسين الحمداني سنة79).

و أنا هنا لست بصدد التأريخ للمرحلة، بقدر ما اردت ان اجيب على رسائل وردتني في البريد اللالكتروني تستوضح مني عن منطقة الكرخ وشارع حيفا الذي ذكرته في آخر (بغدادية) لي، وكانت بعنوان (بسمار جحا).

هنا أستعير تعريفاً لنشوء منطقة الكرخ من بغداد اذكره من كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي الذي ارّخ للربع الاخير من القرن السادس الهجري وحتى الربع الاول من القرن السابع:

يروي ياقوت الحموي في معجم بلدانه: أن موالي اهل بيت الرسول محمد (ص) وهم الذين لم يكن لهم نصيب في الحكم ودوائر الدولة في العهدين الاموي ومن بعده العباسي، فكانوا يمتهنون الصناعات اليدوية والحرف الشعبية، فيدورون في بضاعتهم وينادون عليها في الاسواق مستخدمين اشعاراً والفاظاً وتعابير لتسويق هذه البضائع والمنتوجات اليدوية على الوافدين الاجانب لبغداد (الرصافة) التي رصفها المنصور الدوانيق حينها، اذ لم يكن هناك جانب ثان مسكون لنهر دجلة اسمه الكرخ كما هو الآن.

غير أن منطقة (الشونيز) وهي تبعد اربعة فراسخ كان بها سكن الى جوار مقابر قريش وسميّت (الشونيز) بعدها بالكاظمية اثر دفن الامام موسى ابن جعفر وكنيته الكاظم (ع).

نعود الى الصناع والحرفيين وصبيتهم المنادين على بضائعهم في الازقّة والطرقات من بغداد المرصوفة، فكان ندائهم وسيلة أعلام تعكس مظلوميتهم ومظلومية ذويهم، تلك المظلومية الواقعة عليهم من السلطة الحاكمة، وخصوصاً اذا علمنا ان شرطة الرشيد وعسسه كانت طليقة اليد في أخذ الاتاواة (الخاوة) من هؤلاء الكسبة وفي تضييق سبل العيش الكريم عليهم (كما هم حال جلاوزة البلدية عند شعوبنا في ايامنا الحاضرة).

اشار احد دهاقنة التجار اليهود على الرشيد بأن يكرخهم (للكسبة الشيعة) الى خارج الرصافة، وايده بعد ذلك دهاقنة آخرون، واقترحوا أن تكون كرختهم الى الجانب الآخر من النهر.

أوعز الرشيد بكرخهم (كما تكرخ المياه من وبر الابل وصوف الاغنام المبتلّة)، وبذلك سميت المنطقة التي كرخوا اليها بـ (الكرخة)، ومن بعدها خففت الكلمة كرخة الى (كرخ)، فاصبح منذ ذلك الحين لنهر دجلة من بغداد جانبان، وصوبان (صوب الكرخ وصوب الرصافة).

تنويه واستدراك مهم:

في قناعاتي: لم يكن العباسيون وقبلهم الامويون يمثلون السنة، وكذلك لم يكن ابو مسلم الخراساني وبعده البرامكة يمثلون الشيعة بقدر ما هم طلاّب حكم وطلاّب دنيا يمثلون انفسهم واطماعهم.

امّا التلبّس بلبوس ديني ولبوس أيّ مذهب من المذاهب من قبل أي من هؤلاء فما هو الاّ لبوس لتسويغ مآربهم وبلوغ أهدافهم وليس حباً بالطائفة والمذهب الذي تلبسوا به.

 

البغدادية .. عذره انجس من فعله

 بعد عملية كرخ الشيعة وجد الرشيد أن تبريرات اعماله لا يصدقها الناس, بل يصفون كل تبريرات واعذار اخطاء اعماله: هي امرّ والعن من افعاله.

لذلك استدعى الرشيد بن عمه ابي وهب (البهلول) ليسأله عن: كيف يكون المرء عذره انجس من فعله ؟

فما كان من البهلول الاّ وفاجأ الرشيد بأن نقره ببعصة على آليته !

تفاجأ الرشيد باستغراب واستهجان عملة بن عمه البهلول له.

اذ كيف وهو (هارون الخليفة) وواجب الطاعة ويستهزء به البهلول ويبعصه امام الملأ من دهاقنة الحاشية المقربة من الخليفة.

حين ذاك استدرك البهلول الموقف معتذراً للرشيد قائلاً له:

عفواً حضرة الخليفة، لم اقصدك انت الذات، ولكني خانتني ذاكرتي وخانني نظري، اذ تخيلتك وضننت بأن زوجتك السيدة زبيدة هي التي تقف امامي فبعصتها....!

عند ذاك زاد استغراب الرشيد وقال للبهلول:

ما عذرك هذا الذي هو اقبح من فعلتك الشنيعة ؟

فاجابه البهلول: هذا هو جوابي لسؤآلك الذي سألتنيه قبل قليل عن كيفية أن يكون العذر اقبح وانجس من الفعل !.

و ألآن عزيزي القارئ الكريم:

تنشر وسائل الاعلام منذ فترة ليست بالوجيزة ولا تزال أخباراً عن انقلاب مزعوم سيقوم به الدكتور اياد علاوي على حكومة المالكي، ولربّما التعمّد في نشر هذه الاخبار، بل تضخيمها هو جزء من الحملة الاعلامية التي تشنها الاجهزة التابعة للموتورين، وهم اعضاء وكوادر وعملاء النظام البائد بالعراق، وبالطبع ليس حبّاً باياد علاوي بقدر ما هو كرهاً وبغضاً بالمالكي وحزبه والائتلاف المنضوي فيه، اضافة الى الرعب الذي اصاب الموتورين من نجاح خطة المالكي لفرض سيادة القانون في العراق الجديد، مما له دلالاته بانقطاع آخر خيط من خيوط الامل لعودة بعض مكاسب وامتيازات هؤلاء الموتورين، بل انكشاف ما تبقى ممن لم يزل مستوراً منهم ومندسّاً بالاجهزة الامنية ومجلس النواب وبقية مرافق الحياة في الدولة العراقية الجديدة.

و على كل حال، فان هذا لا يبرر اخطاء الدكتور اياد علاوي.

فتصريح الدكتور علاوي الاخير حين زار الكويت والذي تناقلته وسائل الاعلام (ولا تزال شبكة الاخبار العالمية – الحوراء) لا تزال على صفحتها الالكترونية الاولى تنشر الخبر، ومفاد هذا التصريح يقول:

ان حكومة المالكي والائتلاف مخلب ايران في المنطقة !

و انه (علاوي) شيعي ولا يشرفه ان تمثله حكومة شيعية كحكومة المالكي !.

و انا كاتب هذه السطور قطعاً ضد التدخل الايراني في الشأن العراقي فضلاً عن ان يكون لأيران مخلب في العراق.

غير اني اتسائل: هل لايران وحدها مخلب في العراق ؟، أم ان هناك في العراق مخالب كثيرة ليس للقطط فقط، بل لذئآب مثل بن جرار الحبل (حفيد كلوب) وعصابته، وحلف السنتو (حلف بغداد الجديد) المتكون من السعودية والاردن ومصر وحشروا فيه تركيا والباكستان مؤخرا.

و بنفس الوقت فاني اتصور ان من حق الدكتور علاوي ان لا يتشرف بان تمثله حكومة شيعية كحكومة المالكي، ولكنني اتسائل كيف له ان يتشرف بان يضع يده بيد حكومة مستقبلية يتحالف بها مع البعثيين:

صالح المطلك، خلف العليان، عدنان الدليمي، محمد الدايني، ظافر العاني، عبد الناصر الجنابي.... الخ.

اني ليست لي مشكلة مع احد وليست لي مصلحة مع اي واحد سواء كان المالكي وعلاوي، بل كل ما اتمناه ان يأمن اصحاب مسطر عمال البناء في ساحة الطيران ومدينة الصبر وبقية المساطر، ويأمن طلبة الجامعة المستنصرية وبقية الجامعات ويأمن الباعة والكسبة واصحاب البسطيات في سوق السراي وفي سوق الصدرية، ويأمن الكسبة والتجار في الشورجة، ان مصلحتي تكمن في ان يأمن كل هؤلاء فئات الشعب العراقي من ضربات وتفجيرات ومفخخات اولاد الحرام الذين يتغذون على مهاتراتنا ومناوشاتنا وحزازياتنا.

و أختم بالقول:

اتمنى أن اكون كسميي البهلول (رحمه الله) الا في حالة واحدة لا اتمناها، وهي:

أن لا اضرب مثلاً لعلاوي بكيفية أن يكون العذر اقبح من الفعل.

ودمتم لأخيكم

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com