وقفات مع المجلس الحسيني (1)

علي القطبي

ali.ramazan@telia.com

هل إن هذه المجالس بمستوى المساحة الجغرافية الهائلة التي  وصلت إليها والجماهيرية الواسعة الغير محدودة  والتي تستمع  من خلال الحضور في التجمعات الحسينية التي تقام في مختلف الأماكن من مساجد وقاعات وبيوت المؤمنين، أو من خلا ل المشاهدة لها من خلال الكاسيتات وأفلام الفيديو والتي تطورت إلى أقراص الكمبيوتر والأجهزة المتطورة الأخرى، بل حتى أن مقاطع من المجالس أو من الردات الحسينية صارت من ضمن رنين تليفونات الموبايل الجوال...

كما إن المحاضرة الحسينية دخلت في العديد  من البيوت والمحافل في أنحاء العالم من الموالين والمتشيعين ومن غير المتشيعين، بل وحتى من غير المسلمين.

وصار من المعتاد والطبيعي أن تجد في مجلس الحسين المستمعين من مختلف الديانات والمذاهب. 

خاصة في المجتمع العراقي حيث لا يحل عاشوراء إلا وترى الإخوة الصابئة المندائيين.  إضافة إلى الكثير من أخوتنا أبناء المذهب السني ، وكذلك العديد من الإخوة المسيحيين (بمختلف فرقهم) يحضرون في المجالس الحسينية المنتشرة في أنحاء العالم ..

بل إن هناك العديد من كبار المثقفين المسيحيين كتبوا كتباً في ثورة الحسين عيهم السلام خاصة وفي حق آل البيت عليهم السلام منهم الكاتب والأديب المسيحي أنطوان بارا ، وجبران خليل جبران، وبولس سلامة وغيرههم  كثير.. وكذلك العديد من الأعزاء الصابئة المندائيين كتبواالمقالات والبحوث في حق الامام الحسين..

وفي بلاد الهند  تركت  ثورة الحسين (ع) أثارها النفسية والروحية الهائلة عند القوميات والأديان المختلفة، سيما عند الهندوس، ومنهم زعيمهم الخالد *المهاتما غاندي* الذي قال قولته المعروفة : تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوماً فأنتصر.

وغيرهم من المستشرقين الغربيين والشرقيين مما يطول المقام بذكرهم.  

 وحتى الكثير ممن يدعي اللا تدين فإنه يرى نفسه مشتاقا للحضور في مثل هذه المجالس لأبعادها الانسانية الرائعة، التي تأخذ في العديد من الأحيان بعداًُ وطنياً وشعبياً.

 وإن صح القول إن مجلس عزاء ورثاء الحسين عليه السلام قد صار في بعض شعائره وحالاته من عادات وتقاليد وثقافة المجتمعات الاسلامية التي يتواجد فيها الموالون لآل بيت رسول الله ( ص).

وحتى  في غير البلدان الاسلامية فرضت نفسها الشعائر الحسينية  في الوسط الحضاري والروحي وحتى الثقافي..

بكل بساطة هذه المراسيم أصبحت ظاهرة عالمية..

لذلك حق على الخطيب أن  يتسلح بسلاح العلم الشرعي والفقهي والعقادي أولاً ، ومن ثم يتثقف بثقافة متقدمة وواسعة ومتشعبة الأبعاد لكي يعطي هذا الجمهورالواسع أقل حقه..

تناهى إلى سمعي أن بعض الخطباء يقرأ في السنة الواحدة أكثر من ثلاثمائة مجلس، وهذا الخطيب لم يدرس في حوزة ولا في جامعة ولا مدرسة دينية، وسبب صعوده هو حالة الولاء الأعمى والدعاء والتمجيد لابعض الشخصيات المسيطرة على البعض المراكز الولائية فتراه يجهد في الدعاء  وذكر مناقب فلان وفلان  خلال المجلس  وكأن الفكر الإسلامي والمعارف الدينية  قد انتهت فلم يبق لنا إلا ذلك الرمز السياسي  ..

ويمكن أن يسهل الأمر إذا اعتمد الخطيب في حديثه على مصادر العلماء المعتبرة ودروسهم وأفكارهم، لكن المشكلة أن يعتقد هذا الخطيب أنه صار عالماً فيفتي ويفسر وينظر بغير علم  إلا من ثقته العالية بنفسه أو بالحقيقة من غروره وإعتقاده بأنه صاحب علم ونظر وذكاء بمجرد صعوده على المنبر.

متناسياً أو متغافلاً عن خطورة أن يفتي الإنسان أو يفسر القرآن الكريم بغير قدرة على الاجتهاد العلمي...

سأحاول في هذه الحلقات الموجزة والمختصرة الاختصار لكي لا يتعب  للقارئ من التطوال..

لا يفوتني ان اشكر الصديق الشاعر المبدع الأستاذ  فائق الربيعي على مقاله القيم الذي نشره بعناون لقطات من المجالس الحسينية  في مالمو / السويد  وتناول فيه ببحث مختصر وبمنهج اكاديمي  جميل بعض النقاط الايجابية و بعض النقاط السلبيية.. للمجالس التي أقيمت في مدينتا (مالمو/السويد / التي نسكن بها...

http://alnoor.se/article.asp?id=2915

وقد فتح لي أبواباً وآفاقاً  للتوسع في الحديث حول هذاالشأن المهم الحيوي في حياتنا.

 مجالس الحسين (ع)  دعوة إلى العلم  والعمل، أم إلى الاتكالية على الشفاعة  .

بين البابوية والواقعية

وقديماً كانت هناك عقيدة تسمى بصكوك الغفران.. 

اليوم عندنا من يقوم بنفس هذا الدور من حيث يدري ولا يدري

أسمع هذه الروايات الغريبة والتي يرددها العديد من الخطباء بلا وعي ولا تركيز..

وإني لأعذر هؤلاء الخطباء فهم ليسوا من أهل البحث والتدقيق ولكن اللوم على من يخرّج هؤلاء ويبعثهم  للتبليغ بدون إدخالهم في دورات. وامتحانات ولو كانت بسيطة ومختصرة..

يبدوا ان الجهات المسيطرة على الحسينيات والمساجد الشيعية المنتشرة في أنحاء العالم عندهم تركيز على نقطتين عند المبلغ وهما..

-1-  الجانب العاطفي..

  2- الولاء الفئوي السياسي والشخصي

أتكلم قليلاً عن  الجانب العاطفي :

وإن كان البكاء على الامام الحسين (عليه السلام)  له من الثواب العظيم مما لا يعلمه إلا الله وقد جاءت الروايات المتواترة بأهمية ومكانة الدموع الهاملة  على مصائب اهل البيت (عليهم السلام)  ويكفي في هذا دعوة الإمام جعفر بن محمد الصادق للباكين والزائرين والمواسين للمولى أبي عبد الله الحسين عليه افضل ا لتحيات والسلام   

 في  الرواية المتواترة ولا أقل بالتواتر الإجمالي والمنقولة عن الإمام الصادق سلام الله عليه

 أنّه دعا حال السجود لزوّار قبر الإمام أبي عبد الله الحسين

فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا وتلك الدموع التي جرت رحمة لنا)) -1-

ولكن هذا لا ينسينا أن العلم له من الأهمية العظمى مما لا يمكن تجاوزها وكلنا يعلم أن أول آية نزلت في القرآن هي آية إقرأ (( اقْرَأْ بِاسمِ رَبِّك الّذِى خَلَقَ (1) خَلَقَ الانسنَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَ رَبّك الأَكْرَمُ (3) الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلّمَ الانسنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))  (5

وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء

وفي الرواية المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من أفتى الناس بغير علم فليتبوء مقعده من النار..

-2- الولاء السياسي أو الفئوي..

حالة الولاء السياسي  والحزبي ربما تقدم في بعض الأحيان.. على حساب المستوى العلمي وحتى الشرعي الفقهي.

وقد حصلت دعوات من عدة من علماء الدين الدين الكبار لرفع مستوى المنبر الحسيني  وجعله وقفاً على العلماء، أوعلى الأقل على طلبة العلوم الدينية المثابرين على العلم  منها دعوة  الفيلسوف الراحل الشيخ مرتضى  مطهري الذي ركز كثيرا على هذه النقطة وذكر في مجلد ( الملحمة الحسينية ) -2-..

وذكر أخطاءاً ومغالطات واختلاقات  كثيرة ذكرها بعض الخطباء وكتبها بعض ارباب المقاتل., وإن كنت لا اتفق مع المطهري في تعرضه لبعض النقاط التي فسرها بغير ما تحتمل من التفسير وبالغ في نقده لبعض الحالات التي  ليس فيها ما لا يضير أو ما يخالف الشرع والعقيدة والعقل.. بحسب وجهة نظري الخاصة..

وربما سأتطرق لبعض الأمثلة في حلقة أخرى من موضوعي هذا..

وكذلك دعوة العلامة البحاثة الراحل آية الله الشيخ * محمد مهدي شمس الدين*  إلى ضرورة أن يكون خطيب المنبر الحسيني من علماء الدين..

لوجود المساحة الجماهيرية الواسعة التي تستمع بكل اهتمام في مجالس عاشوراء في أنحاء العالم - 3-

 هناك روايات غريبة ومقولات  ليست روايات أو تفاسير، أو وقائع تأريخية صادرة عن أحد المصادر المعتبرة من الكتاب أو من سنة النبي، أو من طرف أحد أئمة أهل البيت عليهم السلام أو من العلماء والأولياء الصالحين، إنما هي من  مقولات ذكرها أحد الأشخاص المجهولين بدون أن نعلم من الذي ذكرها.. وسأقدم بعض الأمثلة  في الحقيقة القادمة.. أن شاء الله تعالى.

----------------------------------------------------------------

-1-  المرجع الديني العارف بالله... آية الله السيد صادق الشيرازي بجموع المعزين في بيته المكرم بمدينة قم المقدسة يوم الثلاثاء مساءًا الموافق للعاشر من محرم الحرام 1428 للهجرة، والتي تسمى بليلة (الوحشة).

-2- مجلد كتاب الشيخ المرحوم مرتضى مطهري ويضم ثلاثة أجزاء بعنوان الملحمة الحسينية..

-3- وأذكر أني سمعت هذا شخصياً من الشيخ الراحل  محمد مهدي شمس الدين* وكان هذا في بداية التسعينيات في فاتحة أحد خطباء المنبر الحسيني اللبنانيين وأعتقد أنه كان مجلس فاتحة المرحوم الشيخ الخطيب * نجيب شمس الدين* رحمهما الله جميعاً..

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com