|
الحسين (ع) بين البابوية والوصايا الباقرية علي القطبي تعتمد بعض الفرق، أو معظم الفرق المسيحية على فكرة المسيح المخلص، وهي فكرة تؤدي إلى أن يرتكب الفرد ما يشاء من المحرمات والذنوب والظلائم، ويرميها على عاتق نبي الله * المسيح بن مريم* ( عليهما السلام ) فيشفع له السيد المسيح يوم القيامة. وكانت تسمى قديماً بصكوك الغفران حيث يقدمها، أو يبيعها رجال الكنيسة لأتباعهم، وخاصة في القرون الوسطى، والتي يطلق عليها الأوربيون اسم ( العصور المظلمة).. ولعل هذا هو أحد الأسباب التي أوصلت المجتمعات الغربية إلى هذه الحالة المنفتحة والإباحية في التـعامل مع الشهوات والرغبات الحياتية المعروفة. فهل يوجد في الدين الإسلامي مثل هذه الأفكار.. ربما يعتقد البعض أن فكرة الشفاعة هي قريبة من هذا المعنى، ولكن شتان بن الأمرين...
أحاديث غير مسؤولة.. حدثني أحد الفضلاء الأصدقاء أنه سمع من أحد الخطباء هذا العام في مجلس عاشوراء قصة مفادها ان إمرأة كانت من بنات الهوى، أو بنات الليل، أي إمرأة عملها الزنا وإتيان الفاحشة مع الرجال ( والعياذ بالله).. تقول القصة : صادف أن لاحقها أحد الأشخاص فهربت وحين هروبها دخلت بيتاً يقيم الطعام في ثواب الامام الحسين... فصادف أن لا مس جسمها بخار طعام الإمام الحسين (عليه السلام )، أو دخان نار الطعام. ويضيف هذا الخطيب أن أحد الصالحين رأى في المنام هذه المرأة وهي تساق إلى نار جهنم، ولكن النداء جاء إلى زبانية جهنم أن النار محرمة عليها لأن دخان او بخار الطعام طعام الحسين (ع) قد لا مس جسدها.. يعني هنا أمام مشكلة اكثر تعقيداً... فما عادت تكفي شفاعة الامام الحسين (ع) وحدها، بل حتى الدخان الذي يخرج من النار، أو البخار من الطعام يكفي لتحريم النار على جسد العاصي والمذنب... أعتقد أنا قد زدنا على النظرة البابوية إضافة جديدة.. أولاً هل يعتبر المنام حجة ؟ وسبق أن تكلمنا حول هذا وقلنا : أن لا أحد من الفقهاء يقول أن منامات واحلام الناس حجة شرعية،, عدا رؤيا الأنبياء والأئمة المعـصومين (ع). وهنا ألا تعتبر هذه القصص التي ما أنزل الله بها من سلطان تشجيعاً لشبابنا وأبنائنا على إرتكاب المعاصي، ومن ثم ألذهاب إلى أقرب حسينية، أو مسجد أو بيت يطهوا الطعام في ثواب الامام الحسين فيتمسح به، فتحرم عليه النار.. إذن ما احلى وأسهل هذه العبادة. أين قوله تعالى : وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61) يونس عَلِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرّةٍ فى السمَوَتِ وَ لا فى الأَرْضِ وَ لا أَصغَرُ مِن ذَلِك وَ لا أَكبرُ إِلا فى كتَبٍ مّبِينٍ (3) سبأ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ شرّا يَرَهُ (8) الزلزلة --------------------- مثال آخر : لا وزلت أذكر أن أحد المؤمنين والمجاهدين سمع حديثاً صحيحاً يقول ( حب على حسنة لا تضر معها سيئة ). ولكن هذا الخطيب لم يشرح هذا الحديث بشكله الحقيقي.. فما كان هذا المؤمن إلا أن ترك الصلاة لأنه اعتبر حب *الامام علي* يكفي بحسب هذا النص.. !!! وكل ما حاول بعض المؤمنين أن يشرحوا له معنى الحديث لم ينفع.. قالوا له : إن حب الامام علي لا يجتمع مع إتيان المعاصي وترك الواجبات.. وذكرنا له عدة أمثلة منها : لو أن أباك أمرك بأن تذهب إلى مكان وتشتري له حاجة، ولكنك لم تفعل، ثم أتيت له وقلت له والله أنا أحبك يا والدي،, وهكذا كل ما يبعثك في حاجة لا تقضيها وكل ما يطلب منك أمر لا تنفذه، ولكنك حقيقة تحب أباك وتعتز به.. فهل يكفي هذا الحب والمودة ليرضى عنك أبوك ؟؟؟ ----------------- مثال رابع : بعض الخطباء يقول كل أعمارنا لا قيمة لها إلا هذه الدقائق والساعات في مجالس، أو شعائر الإمام الحسين (ع) !!! معقولة هذا الكلام.؟؟؟ واحد يقول لا تـنـفعـنا إلا هذه الدقائق التي نجلس فيها في هذه المجالس والمآتم والشعائر. إذن أين الأعمال لصالحة ؟؟ أين الصلاة والصوم والحج وأداءالزكاة ؟؟ وأين طلب العلم، واين تكفل اليتيم، وأين الجهاد، وأين مساعدة الفقراء..؟؟؟ كل هذه الأعمال الصالحة لا قيمة لها، أو إن قيمتها في أحسن تقدير أقل من أهمية دقائق نلطم بها، أو نبكي بها على سيد الشهداء (ع).. أهذه كانت أعظم اهداف ثورة الحسين عليه السلام ثورة الحسين ؟؟؟ أقال الحسين إنما خرجت لأجل البكاء واللطم والنحيب... فقط.؟؟؟ أهذا الإصلاح الذي دعا اليه الإمام الحسين حين قال : إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله.. نحن نعتبر هذه الوسائل لإحياء ذكرى النهضة الحسينية، وليست هدفاً بذاتها.. ولكنا أمام تحريف كبير عن جهل، أم عن عمد.. أبعدنا كثيراً عن الأهداف التغيرية العالمية العظيمة لهذه النهضة الخالدة.. -------------------------- نظرة علمية وموضوعية لكرامات أهل البيت (عليهم السلام). هل يعني أني لا اقتنع باي كرامة أئمة أهل البيت ؟؟ لا ليس الأمر كذلك والعياذ بالله .. هناك كرامات عديدة ولكن المشكلة تكمن في فهم هذه الكرامات !!!.. مثال.. (( كانت عائلة ناصبية تنصب العداء لأهل البيت عليهم السلام ولم يرزقهم الله ولداً فنذرت المرأة إن رزقها الله ولداً لتبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الإمام السبط الحسين عليه السلام وقتلهم وشاء الله أن يرزقها الله ولداً، وكان هذا الولد أبو الحسن جمال الدين علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخلعي (الخليعي) الموصلي الحلي.. الرواية تقول: ( فلما ولدته وبلغ أشده ابتعـثـته إلى جهة نذرها فلما بلغ إلى نواحي (المسيب) بمقربة من كربلاء المشرفة طفق ينتظر قدوم الزائرين فاستولى عليه النوم واجتازت عليه القوافل فأصابه القتام الثائر فرأى فيما يراه النائم إن القيامة قد قامت وقد أمر به إلى النار ولكنها لم تمسه لما عليه من ذلك العثير (غبارالتراب) الطاهر فانتبه مرتدعا عن نيته السيئة، واعتنق ولاء العترة، وهبط الحائر الشريف ردحا. ويقال: إنه نظم عندئذ بيتين إذا شئت النجاة فزر حسينا******* لكي تلقى الإله قرير عين فإن النار ليس تمس جسما*******عليه غبار زوار الحسين وأصبح شاعراً مفلقاً لأهل البيت عليهم السلام.. نظم فيهم فأكثر، ومدحهم فأبلغ، ومجموع شعره الموجود ليس فيه إلا مدحهم ورثائهم، كان فاضلا مشاركا في الفنون قوي العارضة، رقيق الشعر سهلة، وقد سكن الحلة إلى أن مات في حدود سنة 750 هجري, ودفن بها وله هناك قبر معروف.)) هذا هو تفسير كرامة اهل البيت عليهم السلام .. لقد كانت الرؤيا سبباً لهداية هذا الرجل المولود في عائلة ناصبية -1 بمعنى : لم يكن الغبار علة النجاة، بل سبب النجاة ( والفرق شاسع) وصار أبو الحسن جمال الدين الخليعي من محبي أهل البيت عليهم السلام، ومن عباد الله المطيعين. ولقد أخلص في الولاء حتى حظى بعنايات خاصة من ناحية أهل البيت عليهم السلام ففي " دار السلام " للعلامة النوري: إن جمال الدين الخليعي لما دخل الحرم الحسيني المقدس أنشأ قصيدة في الحسين عليه السلام وتلاها عليه، وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي.الخليعي أو الخلعي، وهو يتخلص بهما في شعره -2 – وقد خمس البيتين المذكورين الشاعر المبدع المرحوم الحاج مهدي الفلوجي الحلي المتوفى 1357 وهما مع التخميس: أراك بحيـــــرة ملأتك ريــنا *** وشتـــــتك الهـوى بينا فبينا فطــــب نفسا وقر بالله عينا ***إذا شئت النجاة فزر حسينا لكي تلقى الإله قرير عين إذا عـلم الملائك منك عزما * تـــروم مزاره كتبوك رسما وحرمت الجحيم عليك حتما * فإن النار ليس تمس جسما عليه غبار زوار الحسين ------------------------------------------ ألآن تعالوا نتزود من حديث الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام ) ووصاياه العظيمة ونرى هل تنطبق هذه الوصايا علينا، أم لا.. الإمام الباقر(ع): " خيثمة، أبلغ موالينا أنَّا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلاَّ بالعمل، وأنَّهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع، وإنّ أشدَّ الناس حسرةً يوم القيامة مَنْ وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره". -3- ويُوضح الإمام الباقر(ع) هذا المعنى بقوله لجابر، وهو أحد أصحابه: "يا جابر، أيكفي مَن ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ والله ما شيعتنا إلاَّ مَنْ اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون إلا بالتواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة وبرّ الوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين ـ المديونين ـ والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفِّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناءَ عشائرهم، حَسْبُ الرجل أن يقول أحبّ علياً وأتولاّه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً، فلو قال إنّي أحبُّ رسول الله، فرسول الله خيرٌ من عليّ، ثم لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبُّه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبُّ العباد إلى الله عزَّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر: والله ما يُتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلاَّ بالطاعة... مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَنْ كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع عن محارم الله" -4 - إذن هذه وصايا الإمام الباقر (عليه السلام).. وهذه صفات الشيعي ... التواضع الخشوع وأداء الأمانة والتعاهد لليتامى والـفـقـراء. الشيعة أمناء عشائرهم.. أي أنهم افضل أهل عشائرهم بالأخلاق والأمانة . ويقول الإمام الباقر عليه السلام : رسول الله ( ص) أفضل من علي، وعلي (ع) أفضل من الحسين (ع) ومع هذا من يدعي حبهم و لا يسير بسيرتهم لا ينفعه حبهم شيئاً.. -------------------------------- ختاماً نبقى مع بعض ما قاله المفكر الإسلامي الراحل مرتضى المطهري في هذا الشان : مخاطباً الناس التي ترى في بكاء الناس على الحسين سبباً لغفران جميع الذنوب يقول الشيخ المطهري : "من المعروف أن أحد أركان الفكر المسيحي يستند إلى فكرة صلب المسيح المخلص، والفادي المخلص، هي ألقاب المسيح عندهم، فالمسيحية تعتبر أن جزءاً أساسياً من عقيدتها إنما يقوم على أن عيسى ما صلب إلا ليكفر عن ذنوب أمته، أي إنهم بهذا يرمون بذنوبهم على أكتاف عيسى" "هل فكرنا نحن المسلمين جيداً بأن كلام المسيحية هذا لا ينسجم ولا يتناسب مع روح الإسلام الذي نؤمن به ، ولا ينسجم مع أقوال الحسين(ع)" -5- المطهري يهاجم أولئك الذين ساهموا بتغيير نهضة الإمام الحسين(ع) ، فيقول: " أنا لا أعرف من هو المجرم أو المجرمون الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة بحق الحسين بن علي(ع) عندما وجهوا السهام السامة إلى الحسين بقولهم إن الحسين قد عرّض نفسه إلى القتل ليحمل على كتفه ذنوب أمته وهو القول الشائع بين المسيحيين عن المسيح (ع ) " -6 - رحم الله الشيخ المطهري لم يكن مثل اقرانه المشتركين في العملية السياسية، فلم يقتصر فكره على الهم السياسي وهاجس الخوف والقلق من المؤامرات المزعومة ، بل كان رجل دين بمعنى الكلمة، كان مفكراً عقائدياً واجتماعياً سلمياً وثقافياً يعمل على التغيير من داخل الأمة، حاول الإصلاح داخل الطائفة الشيعية المنتشرة في أنحاء العالم.. ولكن الرصاص الأعمى عاجلته قبل ان يتم مشواره، وترك من تراثاً كبيراً في عشرات الكتب والمجلدات والكراسات ومئات البحوث والمقالات والمحاضرات حاول من خلالها العمل على خدمة الإسلام المجتمع والانسانية والدين والمتدينين... وكان رحمه الله أستاذاً جامعياً لذلك كان قريباً من الشبهات والإتهامات التي تطرح في المثقفين والعلمانيين تجاه هذه الشعائر.. وكان يتالم مما يسمع ويرى، لذلك أتى حرصه على تنزيه المجالس ومراثي العزاء مما لا يليق بها.. إضافة إلى بحوثه العديدة والمتنوعة في مجالات الحياة المختلفة.. ---------------------------------------- 1- ذكر القاضي التستري في "المجالس" ص 463. 2- ص 187 نقلا عن كتاب " حبل المتين في معجزات أمير المؤمنين " للسيد شمس الدين محمد الرضوي 3- الكافي، ج:2، ص:175. 4- الكافي ج:2، ص:275. 5- الملحمة الحسينية. (ج1، ص60). 6- الملحمةالحسينية - ج1، ص99).
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |