|
تأملات في مسودة قانون النفط والغاز
يوسف الفضل / مهندس مختص بشؤون النفط للثروة النفطية أبعاد متعددة بالنسبة للعراق. فهي ثروة كبيرة يعتمد العراق عليها دولة وشعبأ في استيراده للسلع ومنها المواد الغذائية بنسبة تفوق 60% ومجموع المواد الأخرى المستوردة والخدمات بنسبة 95% . ومن خلال هذه الأرقام يتوضح الدور الخطير الذي تلعبه الثروة النفطية في حياة الشعب العراقي دولة ومجتمعأ حاليأ ومستقبليأ. لم تحتل الثروة النفطية هذه الأهمية في حياة الشعب العراقي الأ بعد اكتشاف النفط واستثماره المكثف تجاريأ. فالعراق دولة زراعية وحضارتها مرتبطة بمياهها وخصوبة ارضها. اما ألأستثمارالفعلي للنفط فقد بدأ في بداية ثلاثينات القرن الماضي وتطور تدريجيأ بدءأ بأستخاراجه وتصنيعه الأولي من خلال بناء المصافي البسيطة ومن ثم المتطورة وبناء الأنابيب الى مرافئ التصدير على البحر الأبيض المتوسط. وكانت الشركات العالمية المتخصصة في صناعة النفط هي شركات سبعة , خمسة امريكية واثنتان اوربية وتسمى اصطلاحأ بالأخوات السبع. لقد تطورت عقود الأستثمار والعلاقة بين هذه الشركات والدول المنتجة من دول العالم الثالث عبر مسيرة طويلة وشاقة. فقد بدأت بأعطاء الدول المنتجة سعرأ مقطوعأ عن كل برميل منتج وبعدها تطورت الى صيغ أكثر أعتدالأ بأن جعلت للدول المنتجة نسبة من الأرباح من الأسعار التي يباع بها النفط الخام وفرضت ضرائب على الأنتاج. أما الغاز فان قيمته اعتبرت صفرأ ويحرق معظمه في مواقع الأنتاج بسبب صعوبة نقله وتصنيعه في تلك الفترة. لقد بدأت في عقد الستينات زخم وتنافس شديدين على النفط بين الدول الأوربية المستهلكة للنفط كفرنسا وايطاليا والمانيا واليابان وروسيا والصين وحتى دول مثل الهند التي تفتقر الى المادة البترولية والقاعدة الصناعية المتطورة ولكن النفط يشكل ثقلأ كبيرأ على ميزان مدفوعاتها الخارجية من العملة الصعبة. بدأت هذه الدول حملة كبيرة منسقة بين حكومات وشركات تلك الدول من أجل الحصول على حصة مناسبة من الثروة النفطية استثمارأ وأرباحأ. ومن نافلة القول ان الصناعة النفطية تمتاز بكثافة رؤس الأموال ومخاطر عالية لرأس المال في عمليات التنقيب والأستكشاف وتتطلب استثمارات كبيرة من أجل التطوير. وان الدول الصغيرة او الرساميل الخاصة بدون دعم عمليات الأستثمار بالمشاركة المعمول بها في الدول الغربية لا يمكن ان يكتب لها التوفيق. ولذا عمدت العديد من الدول والشركات الصغيرة بحشد قواها الأقتصادية من أجل اقتحام الصناعية النفطية التي تحتكرها الأخوات السبع ( الأمريكية والبريطانية - الهولندية). فرنسا عمدت الى تشكيل عدد من الشركات الحكومية والمختلطة والمؤسسات وتبعتها ايطاليا وباقي الدول الأوربية واليابانية والروسية والصينية والهندية! لقد كان العراق وكذلك ايران من أوائل الدول التي اكتشف فيهما النفط. ومن الطبيعي ان يكون للشركات النفطية الكبرى خطط ومصالح قد تتلاقى او تتقاطع مع الدول المنتجة. ومن الطبيعي كذلك ان تسعى الشركات الى زيادة ارباحها وتحصين مكاسبها الآنية والمستقبلية. وان تشخيص تلك الأمور غاية في السهولة الآن بسبب الأدلة المادية التراكمية والتي تشير بوضوح لتلك الخطط. لقد اتجهت الشركات الى تنويع مصادر انتاج النفط بالدول والمناطق المجاورة للعراق وايران مثل الكويت والسعودية والأمارات وطال نشاطها البحار والمحيطات المجاورة والتي لم تكن تحت مظلة قانونية تحدد ملكيتها بعد. لقد كان ذلك النشاط ذو حدان: الأول ضمان امدادات النفط تحت كل الضروف المحتملة لأن عجلة الأقتصاد والحياة بشكل عام مرتبط بهذه المادة الستراتيجية. والثاني وضع اسعار النفط ومطالب الدول المنتجة تحت سقف سيطرة الشركات النفطية الكبرى. لم تمنع اجراءات الشركات الأحترازية من كسر ذلك الطوق من قبل الدول المنتجة. وقد احدث تغير النظام الملكي في العراق هزة عنيفة للمصالح النفطية للأحتكارات النفطية العالمية. مما حدى بتلك الشركات الى التفاوض وتقديم تنازلات مهمة في صيغ العقود التي شملت نسبة الموارد وصيغ جديدة للمشاركة والمشاركة الفعلية في تشغيل وادارة المشاريع النفطية والمشاريع المرتبطة بها. وقد كان من أهم تلك المنجزات تأسيس شركات وطنية في الدول المنتجة. هذه الشركات كان لها دور محوري في صياغة العلاقة مع الشركات النفطية المتنافسة القديمة منها والجديدة. وقد خطت العديد من تلك الدول خطوات مهمة في تطوير وتوسيع الأستثمارات النفطية سواء في نشاط الأنتاج او التصفية او النقل والتوزيع او الصناعات البتروكيمياوية. لقد استطاعت فنزويلا مثلأ ان تقوم ببناء مصافي تفي بسد احتياجاتها وتصدير الكميات الأخرى المنتجة وتوقفت عن تصدير النفط الخام! السعودية والكويت والأمارات والتي بدأ فيها انتاج النفط بوقت متأخر نسبيأ قد خطت بخطوات هامة في مجال التصفية والتصنيع. لقد وضع عبد الكريم قاسم رحمه الله اسس صناعة نفطية وطنية من خلال تأسيس شركة النفط الوطنية ومن خلال نقل ادارة مصفى الدورة والمصافي الأخرى لأدارة عراقية ومن خلال تفعيل بعض بنود العقود الموقعة وسحب حق الأمتياز للمناطق التي لم تستثمر. دعمت السلطة العراقية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم بشريأ وماديأ وقانونيأ شركة النفط الوطنية. واستطاعت الشركة من تحقيق انجازات مهمة على مستوى تطوير الكادر البشري وتطوير الحقول والصناعة النفطية. وقد قامت السلطات المتعاقبة على دعم هذا الأتجاه ظاهريأ ولكنها استطاعت ان تفرغ هذا التوجه من محتواه! وذلك من خلال التفريط بالكوادر العراقية المؤهلة وعدم رعايتها ماديأ ومعنويأ. ومن خلال اهمال الجانب القانوني والأقتصادي والفني لتطوير الصناعة النفطية في العراق. لم تكن الجهود ولا الدعم المادي بمستوى مناسب لتوفير الكوادر البشرية او الأحتفاض بها ولم تكن السلطة مهتمة بتطوير القطاع الصناعي النفطي عموديأ وافقيأ. بل كان جل اهتمامها على استخراج النفط الخام وايجاد منافذ متعددة للتصدير! ان قانون النفط والغاز الجديد والذي قدمته وزارة النفط بعد اقراره من مجلس الوزراء لمجلس النواب يحتاج الى وقفة طويلة من قبل المتصدين للشأن العراقي خصوصأ. ولعل قراءة اولية للنص تجعل القارئ يتسائل عن نقاط عديدة يلفها الغموض وعدم تحديد لمستقبل الصناعة النفطية. ولعل افضل ما كتب حول الموضوع من نقد هو تعليق الدكتور محمد علي زيني في مقالته المنشورة في جريدة الزمان. ويبدو ان الذي حرر تلك المسودة قد تعمد وجود فراغات لتفسيرات متعددة. ومن الممكن ان يكون ذلك مفيدأ احيانأ لعدم وضوح الصور ميدانيأ او ضروريأ من الناحية السياسية. وان اتجاه القانون الجديد اعتماد الخصخصة واقتصاد السوق كما هو واضح من املاءات البنك الدولي والدول المانحة للمنح والقروض الميسرة والأجراءات التي تنتهجها السلطة ووزارة النفط تحديدأ! وعليه يمكن تحديد النقاط التالية للمناقشة: · ان الأجور المتدنية للكوادر النفطية العراقية يخلق بيئة طاردة للطاقات البشرية الكفوءة والتي يمكن ان تكون المحور الرئيسي لنهضة القطاع النفطي. ولعل السياسة الحالية للوزارة تستند الى معايير سياسية او/ ومصلحية للوزير وبطانته مما ادى الى استشراء الفساد المالي والأداري كوباء يصعب السيطرة عليه! وفي مثل هكذا اجواء لا يمكن ان تتحرك السلطة ووزارة النفط تحديدأ لصياغة قانون سيحدد مسقبل الثروة النفطية لمئة سنة مقبلة! ان تمرير القانون الحالي سيعني الأستفادة من الفراغات القانونية المخططة بعناية وستجد العمولات طريقها لجيوب من بيده القرار سواء كانوا سياسيين او اداريين! · ان موضوع الخصخصة للقطاع النفطي ليس بالضرورة سلبيأ. ولكنه غير مناسب للضرف العراقي الحالي وذلك بسبب الدمار الذي لحق بالأقتصاد ورجال الأعمال العراقيين وضعف امكانات الدولة المادية. ان التوجه نحو الخصخصة حاليأ يعني سيطرة رؤوس الأموال الأجنبية على الصناعة النفطية وكل مفاصل الأقتصاد العراقي! وان ذلك سيجعل العملية السياسية عرضة لخطر حقيقي ويجعل كل العراق رهينة بيد التوجهات واهداف اصحاب رؤوس الأموال. ان هذا الأتجاه لوزارة النفط يعني ببساطة هيمنة الشركات النفطية العالمية على القطاع النفطي وتحديد توجهاته من حيث التصدير او التصنيع وحتى حجم الأستثمارات. وان شركة النفط الوطنية يمكن ان تلعب دورأ مهمأ ويمكن ان يحجم دورها من خلال التشريعات والأمكانات الأدارية الكفوءة لقيادة هذا القطاع المهم. وان مستوى الأداء الحالي للوزارة لا يدل على وجود مثل هذه الرؤيا والخطط. ولذا فان المراقب لا يمكن ان يكون متفائلأ عن مستقبل الثروة والصناعة النفطية في العراق خلال معطيات وممارسات الوزارء المتعاقبين لوزارة النفط. ولعل ما طرح في النقاط اعلاه هي رؤوس اقلام ولم تستوفى بحثأ بعد. وهناك حاجة كبيرة لأثرائها بالدراسات والتي تأخذ بنظر الأعتبار التداعيات السياسية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |