من دفتر ذكرياتي في معتقل / أبو غريب ... (حازم المجنون!!) (3)

جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

من دفتر ذكرياتي في معتقل أبو غريب / الحلقة الثالثة / حازم المجنون !! هل كان فعلاً مجنوناً .. ؟؟ أم ماذا ..؟؟؟.

        ************

بالرغم من مآساتنا من عذاب ومشقة وأعتداء وأسماعنا الكلام البذىء ومعاقبتنا لأتفه ألأسباب ، ناهيك عن عذابات ألأهل عند المواجهة ألأسبوعية وألأهم ألأنقطاع المستمر في المياه ( وكانت مسألة متعمدة ) ، ناهيك عن مداهمتنا بهرواتهم في منتصف الليالي بحجة أنهم سمعوا ( صوتاً غير طبيعياً ) وحرماننا من النوم.. وأهانتنا .. مع ذلك كنا نصادف أشياء ( لم تكن لابالبال ولا في الخاطر ) ، على حد قول المثل الشعبي!!.. أنه قدرنا كان لازم نواجه كل تلك التحديات بصبر وتشجيع ألأخرين ، وإلا كيف السبيل لقضاء كل تلك السنوات في ذلك المكان وتحت رحمة ( جلاوزة ) وأكثر من 90% منهم كانوا لايحملون (مثقال ذرة ) من الضمير والوجدان !!!.

من المصائب التي واجهناها ، وكانت بمثابة عقوبة أضافية وجود عدداً من ( النزلاء)* معنا وكانوا بمثابة كوارث.. من بين هؤلاء شخص كان يدعى بـ ( حازم المصلاوي ) .

من هو حازم المصلاوي ؟؟؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في منتصف عام / 1996 جاؤا بوجبة جديدة الى قسمنا .. من ضمنهم ( حازم ) هذا .. كان هادئاً ولايختلط بأحد.. تصرفاته تقول أنه كان يحمل هموماً!!.

كان في العقد الثالث من عمره .. أو أكثر بعدد من السنوات.. عمله ـ سائق سيارة أجرة ـ تاكسي / ومن أهالي مدينة الموصل ، من عائلة محترمة ومحافظة !!.

حازم .. كان بريئاً بمعنى الكلمة ومع ذلك كان محكوماً بستة سنوات... ياترى لماذا ..؟؟.

كان له شقيق أكبر منه ، يعمل ( طيار ) .. طيار سمتية / هيلكوبتر .. كان قد فر من العراق وأستقر ( مؤقتاً ) في العاصمة ألأردنية وكان قد قدم طلباً لمنحه حق اللجؤ السياسي في دولة أوربية.. أو أمريكا !!.

من هناك من ( عمان ) أعلن معارضته للسلطة.. أصدر بيان صحفي تهجم بشدة على النظام.. بأختصار أعلن نفسه كمعارض وسيعمل جاهداً ويشارك في أسقاط النظام .

بالتأكيد ، أنتشر الخبر.. ولاسيما أن عدد من الصحف ألأردنية نشروا الخبر والبيان .. لذلك حاولت ( المخابرات العراقية ) أن تعيده الى العراق ولكن من دون جدوى !!.

حينها تم تكليف شقيقه / حازم ليقوم بالسفر الى / عمان ويعمل لقاء بشقيقه ويقنعه بالعودة الى العراق مع مجموعة من الضمانات لابل حتى ترقيته !!.

ولكن ( على مين ؟؟؟) .. فعلاً يلتقي / حازم بشقيقه ويطرح عليه الفكرة.. لكن الطيار ضحك من كل قلبه وقال له بالحرف الواحد :

ــ من أقرب الى النظام ..؟؟ أنا ..؟؟ أم حسين كامل وصدام كامل..؟؟ ، عد ياحازم وأخبرهم بأن نجوم السما أقرب !!!.

يعود / حازم بخفى حنين.. ولكن المشكلة أنه عاد الى ـ الموصل ـ وكأن المسألة أنتهت .. وبدأ بالعمل بشكل أعتيادي .. بعد مدة عندما علموا بعودته .. طلبوه وسألوه عن النتائج ...!! فأخبرهم بالحقيقة !!.

ولكن ياترى هل ـ دخول الحمام زي خرجوا ؟؟؟؟. ... طبعاً لاء!!.

لذلك وقفوه.. وتعرض أثناء الأعتقال الى شتى أنواع التعذيب من ضمنها تعرضه لتيار كهربائي في أعضاء حساسة من جسمه .. لذلك أصاب بنوع من الكآبة وفقدان الكثير من الذاكرة !!.

حازمنا.. كان في أوقات ـ عال العال ـ يتحدث ويضحك ويتذكر كل شىء.. وفجأة ينقلب 180 درجة يصبح أنساناً أخراً .. حاولنا كثيراً مساعدته والتحدث معه.. لكن هيهات وهيهات.. من غير نتيجة !!!.

المصيبة الكبرى :

 بالرغم من ظرفه الا أنه كان ( غير مؤذ ) أطلاقاً.. كان ينزوي لساعات طويلة من غير أن يكلم أحد.. هكذا عرفناه.. ولكن في ظهيرة أحد ألأيام .. صعد حازم الى الطابق ألأعلى.. وصرخ بصوت عال :

ــ يانزلاء القسم الثاني:

أجتمعوا عندي خطاب.. وخطاب مهم.. أخرجوا جميعاً !!.

كان ينادي بصوت عال.. وعال جداً .. صوته كان جهورياً وكأنه يتكلم عبرة مكبر صوت !!.

خرجنا جميعاً... شكرنا وبدأ بالكلام.. خطاب سياسي من الدرجة ألأولى .. حول مآساة الشعب العراقي.. وبعدها بدأ بالتهجم ومسبة ( صدام ) وزوجاته ووالدته وقريباته وبناته( بالأسم ) ..!!!... ويكرر الجملة بصوت أعلى !!.

طبعاً هذه المصطلحات عقوبتها ألأعدام.. ونحن كنا ( اللي فينا يكفينا) .. لذلك أسرعنا كل الى غرفته .. لم يبقى الا مراقب القسم / عادل مخلف الدليمي .. الذي بدأ بالصراخ بوجهه وشتمه :

ــ ماذا تقول يامجنون ( تريد تخرب بيوتنا ) .. أنزل.. أنزل .. كاف !!!.

أستمر / حازم في خطابه السياسي ومسباته وحينها قال :

ــ أيها الجبناء..لماذا أختفيتم..؟؟ هل تخافون من / صدام.. والله أنا ما أخاف ... أخذ يكرر عبارا لا أريد ذكرها هنا !!!.

خلال دقائق حضر مسؤلوا القسم وقد سمعوا الكثير من كلامه ...!!.

بعد نصف ساعة حضرت ( قوات الطوارىء والشغب ) أحاطوا القسم وهم مدججين بالأسلحة وألأقنعة.. كان منظراً مخيفاً.. قرأنا الشهادة.. لكوننا نعرف النتائج..!!.

أما / حازم ..فكان قد أصيب بنوع من الهستريا... يضحك ويضحك .. ويسب ويشتم !!.

فتحوا تحقيقاً بالموضوع.. أستمعوا الى شهادات العشرات.. كلها كانت نفس الشهادة ،لكون الجميع سمعوا كلامه ومسباته !!.

ذاك النهار كان كالجحيم.. لقد أجبرونا بالجلوس في الساحة ألأمامية حتى المساء .. حينها حضرت لجنة من / ألأمن العامة .. أخذوا يحققون ويسمعوننا عبارات لاتذكر.. أقلها :

ــ سنعدمكم هذه الليلة جميعاً!!!.

التحقيقات كانت مستمرة.. وكان ممنوع علينا الكلام والنهوض وحتى قضاء حاجة !!! كانت ساعات وكأنها سنوات !!.

في الليل أعادونا الى القسم.. ولكن أجبرونا على ( عدم النوم ) الى الصباح.. في الصباح حضر ضباط كبار من جهات عليا.. يرتدون ملابس أنيقة ومعهم حماية ورشاشات وملفات وحقائب !! .. كانت أيام لاتذكر ..!!.

في اليوم التالي أخذوا حازم والمراقب وعشرة شهود الى مكان ما.. وبعد العودة قالوا لنا :

ــ لانعرف المكان.. لكوننا كنا معصوبي ألأعين... كانت قاعة محكمة .. أخذوا أفاداتنا وبالتفصيل المملل.. بعدها أعادوهم ومعهم حازم .. ولكن حازم وضعوه في المحجر* .

في اليوم التالي أخذوا حازم مرة أخرى.. لم يعود الا بعد أسبوع.. وحينها أخبرونا مايلي :

ــ وفق التشخيص من قبل أطباء أختصاصيون في / مستشفى الرشيد العسكري تبين أن حازم / مجنون فعلاً .. لذلك يعاد الى مكانه من غير عقوبة !!!.

عاد حازم ولكنه كان هذه المرة فعلاً مجنوناً.. يبدو أنه تعرض الى تعذيب شديد في المخابرات.. كان يتحرك وهو يتحاشى الجميع.. كان مذعوراً بمعنى الكلمة !!.

يعاد ويضعوه في المحجر لتكملة مدة حكمه.. نعم لقد وضعوه هناك وأعتقد كان المكان المناسب لنبتعد عن شروره لكوننا كنا ( اللي فينا يكفينا ) !!.

كانت أيام عصيبة.. ولت ولكنها ستظل في الذاكرة !!!.

هنالك حلقات ومفاجآت أخرى... أنشاءالله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • النزيل / مصطلح يطلق على المحكومين .

  • المحجر / غرف منفردة من غير شبابيك.. يضعون المعاقب هناك ويطلق عليهم أن فلان في المحجر.. عقوبة قاسية وقاسية جداً !!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com