|
هل نحن بحاجة لثقافة سياسية جديدة ؟ المهندس صارم الفيلي كانت الغاية المركزية لمؤتمر بغداد هي محاولة فك ارتباط الواقع السياسي والامني العراقي بالتقاطعات السياسية والستراتيجية للدوائر الاقليمية والدولية، وذلك بتضييق مستمر لمساحة التداخل في الواقع العراقي بابعاده المختلفة. اقول التضييق المستمر لان الواقعية السياسية تدعو الى الابتعاد عن دوائر التفاؤل المفرط من امكانية الوصول بسرعة الى نتائج نهائية تضع حدا واضحا وشاخصا بين مرحلتين لمجرد نجاح المؤتمر الذي انعقد في بغداد او المؤتمر القادم، وانما تفرض علينا التسليم بان معايير الكفاءة والانجاز تتحرك في بعدها العملي على قاعدة التدرج شرط تشخيص الاتجاه الصحيح للحركة في طريق الهدف المنشود، لا بادراكه وانما الدنو المستمر منه من خلال جميع المسارات وبحيوية قادرة على تصحيح الانحرافات وايجاد الحلول المنفتحة على حجم وطبيعة المشاكل التي تصادف مراحل تنفيذ توصيات المؤتمر. ومن المفيد الاشارة هنا لحقيقة التناسب العكسي لتأثير العامل الخارجي مع صلابة القاعدة الداخلية التي يتحرك عليها الجهد السياسي والثقافي والامني. فاي نجاح في تنقية الاجواء السياسية الداخلية سيصب لصالح التعجيل المستمر في التفاعل الايجابي داخل الاطر الاقليمية والدولية المتصلة بهدف مؤتمر بغداد الاخير. فالسياسة هي ليست مواقف من مفاهيم موجودة او واقع موجود، وانما هي مجموعة الاجراءات الواجب اتخاذها لتغيير الواقع غير المناسب الى واقع افضل. وهذا يأتي - ونحن نتحدث عن الوضع العراقي - بالانطلاق من خلال تفعيل المرجعية العراقية والمتمثلة بمؤتمرات الحوار الوطني المتعددة المنعقدة مسبقا لتكون المحور الملائم الذي يدور حوله جهد توحيدي لخطاب سياسي جامع بخطوطه العريضة وبعيد عن كل انواع الاثارات المربكة والمسببة للاهتزازات داخل المجتمع. وهذا بدوره يتطلب توفر زخم عال من التعاطي الايجابي يعطي التسامح افقا صحيا ومناسبا لحركة مصارحة ومكاشفة ترتفع لمستوى التحدي التاريخي وتوازي الجهد السياسي العراقي في الدائرة الدولية. والمصارحة هنا لا تعني تقديم قوائم من الشكاوى، وانما ان تقوم الاطراف التي باتت ترى ضرورة الدخول في العملية السياسية القائمة بمراجعة نقدية لذواتها اولا، للتأسيس لارضية مناسبة تقوم عليها الخطوات القادمة. كذلك القبول بمبادئ وطنية وانسانية كمعايير للحركة المقبلة. ويأتي في هذا الاطار التركيز على الهوية الايمانية للشعب العراقي بمختلف مذاهبه ودياناته التي تلزم الجميع بحفظ الحياة الانسانية وصيانة كرامتها. كما يأتي في نفس الاطار الهوية الوطنية العراقية وانجازات العراقيين الانتخابية والدستورية بضمنها آليات التغييرات المتضمنة فيه، كخطوات في طريق تشكيل الصورة النهائية للعراق الجديد كهدف مركزي يفترض بالجميع العمل لتحقيقه، رغم تباينهم حول اهداف اخرى غير مركزية او وسائل للوصول الى الهدف المركزي وهو السلم الاهلي والرفاه المجتمعي. كل ماتقدم من شأنه التأسيس لثقافة سياسية قائمة على مبدأ اننا مواطنون عراقيون متساوون ونمارس معا وبتلقائية وعقلانية نفس الحقوق القانونية والاجتماعية والثقافية والسياسية ونتحمل بالتساوي ذات المسؤوليات تجاه المجتمع والدولة. بعيدا عن اي تهميش يؤدي الى تبعثر الطاقات واضعاف الامكانيات في احتواء الازمات المستقبلية. ثقافة سياسية قادرة على احتواء كل الاهتزازات التي تصاحب المنعطفات المفصلية للواقع السياسي والاجتماعي،وتضاعف باستمرار الرأسمال الاجتماعي للعراقيين الذي يحتضن ويدير التنوع في الهويات الفرعية الناتج عن تنوع المنابع الثقافية، وذلك في اطار هوية عراقية جامعة في البعد التفاعلي لا الحسابي، ونابعة من تساوي المواطنين امام الدستور والقانون.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |