|
هل نهب آل سعود أموال رعاياهم في سوق الأسهم لتمويل مخططاتهم الشيطانية في المنطقة؟ د. حامد العطية كان انتعاش سوق الأسهم السعودية في أوائل القرن الحالي أهم حدث اقتصادي ومالي إيجابي في مملكة آل سعود منذ الطفرة الاقتصادية، التي بدأت أواسط السبعينات من القرن الماضي، وانتهت ببدء ضخ الأموال السعودية لتمويل حرب النظام البعثي البائد العدوانية على جمهورية إيران الإسلامية، وقد تسببت حربا الخليج الأولى والثانية باستنفاذ الاحتياطي المالي الضخم للسعودية واضطرار حكومتها إلى الاستدانة من المصارف الأجنبية والمحلية لتمويل العجز الكبير في الموازنات الحكومية السنوية ودفع الفوائد المتراكمة على الدين العام المتضخم، ونتيجة سياسات آل سعود الخارجية والاقتصادية الرعناء وتدني كفاءة الإدارة الحكومية وتفشي الفساد الإداري نضبت مخصصات الميزانية للمشاريع الحكومية التي كانت العصب المحرك للاقتصاد والمصدر الرئيس لعوائد وأرباح الشركات الخاصة، مما دفع بالاقتصاد السعودي إلى حالة غير مسبوقة من الركود والكساد، دامت لما يقارب عقدين من السنين، حتى صار السعوديون يرددون بأن من لم يغتني أيام الملك خالد، أي مرحلة الطفرة الاقتصادية في السبعينات، لن يثري أبداً، ومن لم يفلس أيام الملك فهد لن يفلس أبداً، ويستدل من هذا التشاؤم على عمق التردي الذي أصاب الاقتصاد السعودي آبان فترة حكم الملك فهد. انعكس الوضع الاقتصادي في مملكة آل سعود على حركة سوق الأسهم، ففي 2003م كان المؤشر العام للأسهم السعودية عند 4437 نقطة، وتزامناً مع اجتياح قوات التحالف للعراق واسقاطها النظام البعثي سرت توقعات بانتعاش اقتصادي وشيك في السعودية، وصدرت عن مسئولين حكوميين وغيرهم تصريحات تؤكد بأن الشركات السعودية ستحضى بحصة الأسد من مشاريع إعادة البناء والإعمار في العراق، وقد ساعدت هذه التوقعات والتصريحات المتفائلة في تنشيط الاقتصاد السعودي وبث الروح فيه بعد فترة طويلة من الخمول، وفي الوقت نفسه بدأ سعر النفط بالازدياد، وقد كان لهذه العوامل تأثيرات واضحة على سوق الأسهم تمثلت في صعود المؤشر العام بما يقارب الضعف ليبلغ8206 في 2004م، وشهد عام 2005م طفرة كبيرة أخرى في نشاط السوق المالية، من حيث عدد الأسهم والمبالغ المتداولة، حتى بلغ المؤشر العام 16712 نقطة، فقد تهافت الناس على شراء أسهم الشركات السعودية التي طرحت للتداول في السوق، وغذت الحكومة حركة الطلب على الأسهم بخصخصتها لبعض المؤسسات والشركات الحكومية، مثل شركة سابك والكهرباء، وطرح اسهمها للاكتتاب العام، كما شجعت المصارف السعوديين على شراء الأسهم من خلال انشاءها صناديق استثمارية وتقديمها تسهيلات ائتمانية مغرية للراغبين بشراء الأسهم، وبفعل الارتفاع الحاد والمتواصل جنى المضاربون في سوق الأسهم أرباحاً خيالية، مما شجع أعداداً كبيرة من المواطنين على دخول سوق الأسهم، وسرت حمى المضاربة بالأسهم إلى جميع شرائح المجتمع، وشارك فيها النساء بجانب الرجال، ودفع الطمع بجني الأرباح الفاحشة والسهلة البعض إلى بيع أملاكهم من أراضي ومباني وأثاث لشراء المزيد من الأسهم، حتى أن البعض منهم باع منزله وسيارته ورضي بالسكنى في شقة مستأجرة صغيرة. تخضع الأسهم مثل أي سلعة أو خدمة لقانون العرض والطلب، فمادام هنالك طلب يزيد على العرض فإن النتيجة الحتمية هي ارتفاع السعر، وأدى الاقبال المنقطع النضير على شراء الأسهم إلى ارتفاع جنوني في أسعارها، و وواصل المؤشر حركته التصاعدية أوائل عام 2006م، فقد ارتفع مؤشر الأسهم السعودية إلى أعلى نقطة في تاريخه في 25 شباط من ذلك العام، حيث بلغ 20634 نقطة، ثم حدثت الكارثة. في 26 شباط من عام 2006م بدأت أغرب ظاهرة في تاريخ أسواق الأسهم، فبعد بلوغ المؤشر السعودي ذروته بدأ بالتراجع، وبصورة لم يتوقعها أحد، فقد اعتبر الجميع الهبوط الحاد في بدايته مجرد تصحيح بعد إرتفاع متواصل وحاد، وكانوا مطمئنين إلى سرعة انحسار الموجة التصحيحية بتوقف المضاربين عن جني الأرباح من بيع بعض أسهم محافظهم الاستثمارية ليعاود المؤشر حركته التصاعدية، ووسط دهشة حملة الأسهم والمضاربين الذين كانوا متفائلين حتى الأمس واصل المؤشر تدهوره، بشكل غير مسبوق، وبوتيرة متسارعة، وخلال الأشهر العشر المتبقية من العام خسر المؤشر العام أكثر من نصف قيمته، ليصل إلى مستوى 7933، وتواصل انخفاض المؤشر في العام الحالي. لا يزال الجدل قائماً ومحتدماً بين الا قتصاديين والخبراء الماليين حول الأسباب الحقيقية لانهيار سوق الأسهم السعودي، فقد ثبت بطلان وخطأ كل التحاليل والتوقعات التي بنيت على القواعد الاقتصادية والمالية المتعارف عليها، ففي الوقت الذي لم يندهش أحد من انخفاض أسعار اسهم الشركات الخاسرة والضعيفة مثل بعض الشركات الزراعية توقف الجميع محتارين ومذهولين أمام تفسير تدهور أسعار أسهم شركات ضخمة وناجحة مثل سابك وبنك الراجحي والاتصالات وكهرباء السعودية، والتي سجل الانخفاض قي أسعارها أرقاماً قياسية، كما لم يتحقق التأثير الايجابي المتوقع للتحسن المضطرد في الوضع الاقتصادي على الأسعار، فقد شهدت الفترة نفسها إرتفاع حاد في سعر النفط مما أدى إلى وفرة في الموارد المالية الحكومية وازدياد الصرف الحكومي على المشاريع والخدمات، لكن المتعاملين بالأسهم أهملوا هذه الحقائق الباعثة على التفاؤل وتصرفوا وكأن الاقتصاد السعودي مهدد بكارثة وشيكة. وقد حلت الكارثة بالفعل بسوق الأسهم السعودي حيث مني السوق بخسارة تقدر بتريليون ريال، أي ثلاثمائة مليار دولار أمريكي، ومن الواضح بأن تراجع المؤشر إلى ما دون مستواه في عام 2004م يدل على أن الخسارة تزيد على مجموع الأموال التي دخلت السوق بين ذلك العام ويومنا الحاضر، وإذا علمنا بأن نصف سكان السعودية استثمروا أموالهم في سوق الأسهم لاستنتجنا بأن الخسائر قد عمت شريحة واسعة من المجتمع السعودي، ولعل خسائر صغار المضاربين كانت الأقسى والأمر، فالكثير من هؤلاء اقترضوا من البنوك لشراء الأسهم بضمان الأسهم نفسها وسارعت البنوك لبيع هذه الأسهم بعد تراجع أسعارها مما ترك هؤلاء المضاربين الصغار من دون أسهم ومدينين للبنوك بمبالغ غير قليلة في نفس الوقت. إذا كانت معظم الشركات رابحة والاقتصاد السعودي في طريقه للتعافي فما الذي تسبب في هبوط أسعار الأسهم؟ يرى البعض بأن اتجاه السعوديين لاقتناء الأسهم بغرض المضاربة في المدى القصير بدلاً من الاستثمار طويل الأمد أدى إلى الكارثة، ويصف أحد الأجانب العاملين في المملكة دهشته لدى زيارته لأحد المدارس في حينها فلم يجد مديرها ولا هيئتها التدريسية في مكاتبهم، وبعد التقصي عثر عليهم في إحدى الغرف متحلقين حول جهاز حاسب آلي، وهم يراقبون حركة الأسهم على أحد المواقع، ولاحظ بأن احدهم كان المصدر الرئيس للتوصيات بشأن شراء أو بيع الأسهم، وقد تبين له بأن خبير الأسهم هو بواب المدرسة! لكن نقصان الخبرة بالأسهم لدى عامة السعوديين ليس سبباً كافياً لأنه يهمل دور البنوك والمؤسسات الضخمة مثل المؤسسة العامة للتقاعد التي تمتلك حصصاً كبيرة في الأسهم السعودية، لذا يرجح البعض أن تكون حركة مؤشر الأسهم صعوداً وهبوطاً مدبرة من قبل مجموعة من المضاربين الكبار، الذين يطلقون عليهم تسمية "الهوامير"، والهامور سمكة كبيرة تعيش في مياه الخليج، ولكن أصحاب هذا الافتراض يحجمون عن تسمية هؤلاء الهوامير وإن كانوا يلمحون إلى أنهم شخصيات متنفذة في المجتمع السعودي، ولا يوجد في السعودية من يمتلك مثل هذه القوة والنفوذ سوى العائلة الحاكمة، وبالتحديد الملك وولي العهد وبقية الكبار من أولاد عبد العزيز فهل من المحتمل أن يكون حكام السعودية وراء هبوط سوق الأسهم وخسارتها ما يقارب الثلاثمائة مليار دولار أمريكي؟ ولماذا فعلوا ذلك؟ عندما خرج الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز مؤخراً بتصريح عن قرب انتهاء انهيار أسعار الأسهم وتوقعاته ببدأ انتعاش جديد واتت البعض الجرأة لاتهامه بأنه أحد مخططي ومنفذي الكارثة التي حلت بسوق الأسهم وما خلفته من نتائج وخيمة على الاقتصاد والمجتمع السعودي، وعمد أحدهم إلى وضع تعليق ساخر على صورة الأمير الوليد التي بثتها قناة العربية، ويظهر الأمير في الكاريكاتير مردداً: "والله لاخليكم تفلسون واحد ورا الثاني"، ويبدوا بأن راسم الكاريكاتير وغيره يظنون بأن الأمير الوليد هو المسئول الرئيس عن هبوط أسعار الأسهم أو على الأقل أحد الهوامير، وبأنه يطلق التصريحات المتفائلة أو المتشائمة وفقاً للخطة المبيتة للتلاعب بسوق الأسهم، وإذا صحت هذه التهمة فلا بد أن يكون ذلك بمشاركة وموافقة العائلة الحاكمة، ويتفق هذا الاستنتاج مع استبعاد ضلوع مجموعة من كبار المضاربين بتدبير ذلك وترجيح وجود شخص أو مجموعة لا تخضع للمسائلة وهذا يقصر دائرة الاحتمالات على آل سعود فقط، ونذكر هنا بحالة مشابهة وهي هبوط أسعار عملات دول جنوب شرق أسيا واتهام رئيس الوزراء الماليزي السابق المهاتير محمد للملياردير جورج سورس بتدبير ذلك. لو ثبت بأن آل سعود قد دبروا أكبر سرقة علنية في تاريخ البشرية من ضحاياهم السعوديين فلن تكون تلك أول مرة توجه لهم مثل هذه التهمة، فقد اتهموا من قبل بالاستيلاء على البنك الأهلي السعودي الذي كان يمتلكه أحد أفراد عائلة بن محفوظ، وهو حجازي من أصل يمني، كما يروي السعوديون تفاصيل محاولة بعض الأمراء الاستيلاء على البنك السعودي الأمريكي والتي باءت بالفشل، ومن قبل قيل بأن آل سعود استخدموا أموال صندوقي التقاعد المدني والعسكري لتعويض العجز في ميزانية الدولة والناجم عن تمويلهم لحرب الطاغية صدام على إيران الإسلامية. إذا صدقت هذه التهمة الموجهة لحكام السعودية فما هي الأسباب المحتملة لاقدامهم على ذلك؟ من الضروري التذكير هنا بأن احتياطي السعودية فارغ أو شبه فارغ بعد سنين عجاف طويلة، كما أن حكومتها لا تزال مدينة بمئات المليارات من الدولارات للبنوك الدولية والمحلية، ولا تتوفر لدى صناديقها سيولة زائدة عن احتياجاتها، ومن المعروف أيضاً بأن الوسيلة الرئيسة لحكام السعودية في تنفيذ مخططاتهم هي المال، التي بواسطتها يشترون الذمم ويمولون الحروب، وهذه حقيقة معروفة للجميع، ومن الواضح أيضاً بأن السعودية تراقب بقلق شديد تطورات الوضع الشرق الأوسط بعد اسقاط القوات الأمريكية لنظام البعث البائد واحتلالها للعراق وبروز الشيعة، الأعداء الأبديين للسعوديين الوهابيين، على المسرح السياسي في العراق ولبنان، وبدون أموال كافية لتمويل مخططاتها ومكائدها لن يكون للسعودية أي تأثير على مجرى الأحداث في المنطقة لذا فإن حاجة آل سعود لبلايين الدولارات أمر منطقي جداً. ليس من الصعب وضع قائمة بالأغراض التي ستستعمل الحكومة السعودية الأموال التي جنتها من انهيار السوق المدبر، فيما لو ثبتت صحة ذلك، وهي كالتالي: - دفع تكاليف تنفيذ مبادرة السلام العربية وتعويض الفلسطنيين عن حقهم بالعودة إلى فلسطين الذي يرفضه الكيان الصهيوني، وقد أكدت بعض المصادر الصحفية مؤخراً وجود صفقة غير معلنة بخصوص ذلك. - تمتين الأواصر بين دول المحور الموالي لأمريكا والمهادن للكيان الصهيوني والمناويء لإيران والشيعة والمكون من السعودية ومصر والأردن. - تمويل الجماعات الداعمة للسعودية وسياساتها في المنطقة كما هو ملاحظ في لبنان على سبيل المثال. - دعم مخطط حصار إيران وفرض العزلة عليها ومناهضة السياسات الإيرانية في المنطقة. - إسناد الجماعات والحركات المسلحة المعادية للشيعة في العراق بهدف إزاحة الائتلاف الشيعي من الحكم وإستبداله بتحالف موال للسعودية مؤلف من الجبهة السنية وبعض المتشيعين بالاسم فقط مثل أياد علاوي. ونقول لهم، كما قلنا في السابق وصدق الله قوله ووعده، وتمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وبإذن الله إنه آخر المكر السعودي الوهابي الذي سيأتي على بيوتهم من القواعد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |