أقليات الشرق الأوسط بين الواقع والطموح (1)

نضال نعيسة / لندن

sami3x2000@yahoo.com

مقدمة: قد يكون ملف الأقليات جديداً نسبياً على الساحة الثقافية والفكرية في المنطقة، يستغربه ويستهجنه البعض، إلا أنه موجود في الواقع، ومحاولة منظومات الشرق الأوسط التعتيم عليه لا يعني البتة أنه بخير، وهو مرتبط إلى حد كبير بالتقدم، والانفتاح، ومناخات العصرنة والعولمة التي يشهدها العالم، تماماً كما كان الأمر بالنسبة لمفاهيم مثل حقوق الإنسان، وتحرر المرأة، واللبرلة، والعلمنة، والتي هي مصطلحات دخلت نسبياً إلى عالمنا الذي لم يصح إلا من فترة قريبة من غيبوبته الحضارية الكبرى التي "طاح" فيها منذ أربعة عشر قرنا بالتمام والكمال، وإن محاولة البعض ربطها بأية تصورات سياسية، ومشاريع دولية في المنطقة فهي محاولة غير موفقة، ولن يكتب لها النجاح، ولا تنتقص من مشروعية النضال من أجل هذه القضية الإنسانية النبيلة.  
فقد أقصت الثقافة التي أدخلها الغزاة العرب "الفاتحون" معهم ما عداها من ثقافات ومن فكر وحضارات، وانقطعت من يومها سبل وأسباب الحضارة التي ما انفكت تتوالد وتتناسل في مصر والشام وبابل، وأصيبت هذه المنطقة بخواء وجفاف، وسبات حضاري مزمن بعد أن اقتصرت كل سبل وأدوات الحوار على السيف والبلطة وساطور الجزار. وأنكر الفاتحون الجدد الميامين على السكان الأصليين لغاتهم، وعاداتهم، وثقافتهم، ودياناتهم، وفرضوا عليهم أنماط جديدة من السلوك والتفكير والاعتقاد. كما وحددوا لوائح عقابية صارمة وإجرائية رادعة وقاسية لكل من تسول له نفسه الأمارة بالكفر والزندقة والمروق والفلسفة. وتعتبر معظم الأقليات الشرق أوسطية اليوم هي إما ممن تبقى من تلك الحضارات والثقافات الآفلة التي أغنت هذه المنطقة، والتي لم يفلح البطش، والإقصاء، والتغريب، والاستبداد من محوها وإلغائها من الوجود، وبقيت صامدة تكافح كل عوامل النفي والإفناء، ومن حقها النهوض من جديد وإعطاؤها الفرصة للعودة لممارسة دورها الحضاري والريادي بعد أن فشلت وانتهت الحضارة الجديدة إلى ما انتهت عليه من ترد وبؤس وتواضع في الأداء. وهذا لا يعني إحلال أحد محل أحد أو دعوة لأية عملية إقصاء بل تفاعل خلاق بين جميع المكونات يؤدي إلى حالة مثلى من التشاركية والتبادلية الشاملة بين جميع المكونات.  
أو من تلك الفرق، والأقليات، والجماعات التي اصطدمت بالفكر الجديد، وخرجت عنه، واختطت لنفسها مناهج، وتفسيرات، ورؤى مختلفة عما ساد من بلاغة وتفسير وخطاب، وهذا الأمر الأخير هو نتاج حتمي للسيرورة، وحركة التاريخ التي هي في حالة غربلة مستمرة، وتنقية دائمة، ومتجددة للمفاهيم والقيم والأفكار، في عملية اصطفاء فكري طبيعي لم ينقطع مذ أن بزغت شمس الحضارة البشرية على وجه الأرض، ووصلت إلى ما وصلت عليه في بعض بقاع الأرض من سمو ورفعة وارتقاء.  
ولا بد قبل ذلك كله من التعريج ولو قليلاً على مفهوم وتعريف الأقلية، ومن يعتبرون في حكم الأقليات. فقد عرّفت الموسوعة البريطانية الأقليات بأنهم "جماعة من الأفراد يتمايزون عرقيا أو دينياً أو لغوياً أو قومياً عن بقية الأفراد في المجتمع الذي يعيشون فيه، بينما ذهبت الموسوعة الأمريكية إلى تعريف الأقلية بـ"أنهم جماعة لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في نفس المجتمع وتمتلك قدرا أقل من النفوذ والقوة وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعة المسيطرة في المجتمع. وغالباً ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بحقوق مواطني الدرجة الأولى". أما الدكتور الأستاذ سعد الدين إبراهيم فيعرفها بأنها" أية مجموعة بشرية تختلف عن الأغلبية في واحد أو أكثر من المتغيرات التالية: الدين أو اللغة أو الثقافة أو السلالة".
 ونستطيع الآن وبلمحة بسيطة وسريعة أن نحصي العشرات من الأثنيات والأقليات والطوائف والأعراق الشرق أوسطية التي تقارع، وتصارع من أجل البقاء وسط مناخات تحريضية، وحملات تكفيرية لا تعترف بالآخر، والتي تم تجميعها من عدة مصادر، ولاسيما ما ورد منها في مداخلة الصديق العزيز الدكتور سيّار الجميل في مؤتمر الأقليات والمرأة في زيوريخ وهنا يمكن أن نذكر منهم المسيحيين العراقيين، والسوريين من اليعاقبة السريان، والكلدان، والآثوريين، وعن الصّبة المندائيين، وعن المارونييين اللبنانيين، والجنوبيين السودانيين، والأكراد والأمازيغ، والأرمن والجراكسة، والشيشان، والدروز، والنصيرية العلويين، والزيدية اليمنيين، والأقباط المصريين، والأفارقة، والتركمان المتنوعين، واليزيدية، والشبك، والمتاولة، والقبائل، والشلوح، والبدو، وبقايا المماليك، والكراغلة، والطوارق، والأباضيين، والصعايدة، والشراكوة، والدارفوريين، والموريسكيين، وجاليات من الخواجات الأوربيين والكاوريين. (انتهى اقتباس الدكتور سيّار) ويمكن أن نضيف لهم أقليات أخرى كعلويي الأناضول المحرومين من الكثير من الحقوق السياسية والوظائف الهامة في الدولة التركية "العلمانية"، وهناك الشيعة في البلدان ذات الأغلبية السنية، والإسماعيليون، والأحمديون، والآشوريون، والبربر، وعرب الأهواز، وشعب الفور، والنوبيون، والجاليات الأسيوية والإثنية "المحدثة" في مجتمعات الخليج العربي والتي باتت تشكل قنبلة ديمغرافية حقيقية وتتعرض بالآن لشتى صنوف الإنكار والتهميش وهضم الحقوق، ولن ننسى اليهود الشرقيين(السفارديم)، وعرب 48 في إسرائيل، والفلاشا الذين يتعرضون لصنوف من الاضطهاد والتنكيل والتمييز، والعلمانيين والليبراليين في طول الشرق الأوسط وعرضه حيث يهمشون ويكفرون ويبعدون عن مراكز التأثير والقرار ويحاربون بلا هوادة من الكهنوت الديني المرعب والمتحالف مع الطاغوت السياسي الحاكم. وعشرات الإثنيات والطوائف الدينية الباطنية والمخفية الأخرى والتي تخشى من الإعلان عن نفسها مخافة البطش والفتك بها واتهامها بتهم ما أنزل الله بها من سلطان ولا ملكوت، والقائمة تطول وتطول وتطول، وهي رد صارخ ومفحم على الخطاب القومجي والأصولي الشمولي الذي حاول ابتلاع ونكران هذه التمايزات الديمغرافية والتنوع في هذه المنطقة وأقر فقط بغلبة وشمولية العنصر العربي القح والإسلامي وهذا ما سيكون له تبعات وتداعيات مستقبلية قد لا تكون محمودة العواقب إذا لم يتم التعامل بمنهجية إنسانية وحضارية على قاعدة المواطنة والمساواة.

أما اضطهاد المرأة فهذا بحث أخر سنفرد له دراسة خاصة.

وللبحث صلة

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com