أربعة أعوام عجاف والبقية

 محمد محبوب

idz15012005@yahoo.de

 قبيل أندلاع الحرب الأمريكية لإسقاط نظام الدكتاتور صدام .. خرجت في دول العالم مظاهرات كثيرة، لعل دولة لم تخلو من مظاهرة أو أحتجاج، وكان لمعظم الحكومات والأحزاب الحاكمة دورا كبيرا في إخراج مثل هذه المظاهرات المنددة بالحرب بالرغم من تظاهرها على المستوى الرسمي بمجاراة الأدارة الأمريكية في حربها ضد العراق أو بالتظاهر بالحياد على الأقل.

 وفي خضم هذه الأجواء الأحتجاجية أندفع أعضاء وموالون لأحزاب التيار الأسلامي  الشيعي التي تدير السلطة اليوم في العراق للمشاركة في مثل هذه المظاهرات التي أجتاحت شوارع قارات أوربا وأمريكا وآسيا وأستراليا، كما نظموا مظاهرات خاصة بالعراقيين للتنديد بالحرب ضد العراق.

 وشارك بفعالية في مثل هذه المظاهرات أتباع لنظام صدام وموالون له من العراقيين والعرب، كما شارك بها ألمان دعاة سلام ومعادون للولايات المتحدة والعولمة ويساريون وغيرهم.

 ومنذ تلك اللحظات بدأت التناقضات في موقف العراقيين بين مهللين للحرب أو رافضين لها أو الحالتين معا !، هل هي حرب تحرير أم أحتلال ؟! 

مازلت أتذكر قسمات تلك السيدة الألمانية وهي تستمع لنا مستغربة، كان زعيمنا في تلك المظاهرة بصوته الجهوري يهتف : أوقفوا الحرب .. أنقذوا الأطفال، الموت لبوش .. الموت لصدام .. بوش أرهابي .. صدام أرهابي .. وما الى ذلك من الهتافات التي أثارت إستغراب السيدة الألمانية، فدنت منا ..

  وقالت : لاتريدون صداما ولا تريدون حربا، ماذا تريدون بحق الجحيم ؟!

 العراقيون أنقسموا في موقفهم من الحرب، منهم من أحتفل وكبر ( الله أكبر ) عند سقوط أول صاروخ على بغداد وراح يوزع الحلوى ويقيم الولائم أحتفالا بإندلاع الحرب، ومنهم من شعر بالمرارة والحزن لإندلاعها بكل ماتحمله من ويلات وقتل ودمار، ومنهم من ظل متحيرا في مشاعره، هل يفرح أم يحزن ...  أم يفرح ويحزن في آن واحد ؟!

 أين مساحة الموقف الوطني، في الفرح أم في الحزن أم في الأثنين معا ....

 الأختيار كان سهلا جدا أمام الساعين الى ( التغيير ) وإن جاء على أشلاء آلاف من الأبرياء والمزيد من خراب العراق، كان أحد عراقي الخارج يتحدث لقناة أي أن أن بحبور وهو يردد ( نعم لإسقاط صدام ولو كان على جثث مليون عراقي ) قال ذلك ومضى الى شقته في ضواحي لندن التي لايصلها دوي مدافع الحرب وزمجرة الدبابات

 كما كان الأختيار أكثر سهولة على المتباكين على عراق صدام حسين من القومجيين والأسلامويين والمنتفعين والموتورين والمصابين بعقدة معاداة أميركا ...

 لكن الأختيار بالنسبة للكثير من العراقيين كان ولازال مهمة شاقة وعسيرة، الأختيار بين التحرير والأحتلال !

 ثم وجدنا أنفسنا فجأة نحدق في سحنة الجندي الأميركي، الجندي المحرر المحتل ( ! )، نعم حررنا السيد بوش ليس من نظام صدام فحسب، إنما من تاريخ طويل من المظلومية ..

 الرئيس الأميركي بوش بحربه هذه لم يعد رسم خارطة المنطقة فقط، بل أعاد كتابة تاريخ المنطقة من جديد، لكن ... لايوجد عاقل على وجه هذه الأرض، لا يعرف الأهداف الحقيقية لحرب السيد بوش، أنها النفط وأمن أسرائيل والنفوذ وحرب الصليب والتعجيل بظهور المسيح ...

 في زمن مضى جاءنا هولاكو  وحررنا من العبودية في ظل نظام المستعصم بالله العباسي !!! ومازال الشيعة يُتهمون حتى هذه اللحظة بالتعاون مع المحتل المغولي وفي المقدمة زعامات شيعية بارزة مثل الشيخ الطوسي وأبن العلقمي

 واليوم يأتي الرئيس بوش ويحررنا من نظام صدام .. يحررنا من عبودية قرون طويلة ... ولازال الشيعة يُتهمون كذلك بالتعاون مع المحتل الأميركي وفي المقدمة زعامات شيعية بارزة أيضا مثل السيد السيستاني وأحمد الجلبي

مالذي يجعل عراقيون لانشك في وطنيتهم، عراقيون فوق الشبهات يهللون لسقوط نظام المؤمن بالله ( لقب صدام ) كما هللوا لسقوط نظام المستعصم بالله، حتى ... وإن جاء هذا السقوط من خلال قوات أجنبية !!!

 نعم كما كان تغيير نظام المستعصم بالله  مستحيلا بدون تدخل أجنبي، كان تغيير نظام المؤمن بالله ( لقب صدام ) مستحيلا أيضا دون تدخل أجنبي ...

 ثم توالت الأيام السوداء على العراقيين حتى تحول التاسع من نيسان في نظر الكثيرين منهم الى بوابة قادتهم للجحيم، سرعان ما تبددت آمالهم بحياة جديدة وتحولت شوارع عاصمتهم  بغداد الى ساحة حرب، الحرائق أندلعت في كل مكان، لحظتها تذكروا أن صداما كات يقصد مايقول عندما توعد بتسليمهم العراق أرضا محروقة، وبدأت بهائم الأمة العربية والأسلامية تحيل حياة العراقيين الى جحيم لا يطاق وينحرون تعساء وتعيسات الحظ من العراقيين وهم يرددون ( الله أكبر ) تعويذة الأرهابيين المفضلة.

 وعلى جبهة الحكومة وأمام أنظار العراقي المسكين بدأت حملة الفرهود الوطني وصارت السرقات بالمليارات ووفق نظام محاصصاتي، سُرقت معظم ميزانية الدولة أيام الحاكم الأمريكي بريمر ثم حدث تحسن حيث أنخفضت السرقة الى النصف في أيام الحكم الوطني في عهود علاوي وجعفري ومالكي، وتبددت آمال العراقي المسكين في الأمن وتحسن الخدمات وبدأ ملايين جديدة رحلتها نحو المنفى.

 وقتلت العراقيون الحيرة والأرتباك، الأنتخابات التي هللوا لها أنتجت لهم نخب سياسية فاسدة جشعة تجاه المال العام في أفضل أحوالها، حولوا الأموال التي سرقوها الى عصابات وميليشيات أحالت حياة العراقيين الى جحيم.

 العراقيون محاصرون اليوم بين وحشية الأرهاب وفساد النخب الحاكمة، لم يعودوا يصدقون دعاة الأنقاذ وملوا من وعود الحكومة الكاذبة ولم يكترثوا لأعلانها عن ميزانية أنفجارية لعام 2007 والتي بلغت أكثر من أربعين مليار دولار لأنهم يعلمون أن السرقة ستكون هي الأخرى أنفجارية وصاروخية والله الساتر ..

 الأزدواجية في الموقف لم تأتي من فراغ، نعم تم أحتلالنا في نفس الوقت الذي تحررنا فيه، يوم التاسع من نيسان يوم تحرير وأحتلال في آن واحد !!!

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com