|
هل سيخطو ساركوزي نحو الاليزيه ؟؟ د. سّيار الجميل نعم ، انه سؤال مهم جدا بالنسبة الى كل منطقتنا وعالمنا اليوم ، بل لابد ان نفكّر بنهاية مرحلة شيراك الفرنسية اثر مغادرة جاك شيراك سدة الحكم وانتظار فرنسا قائدا جديا لها . ونسأل أيضا : هل ستتغير السياسة الفرنسية في العالم وخصوصا ازاء المتغيرات الامريكية من طرف والثوابت الاوربية من طرف آخر ؟ ومن هو المرشح الاكثر تأثيرا وألمعية ؟ انه نيكولا ساركوزي الذي ربما كانت خطواته الحثيثة قد قاربت بوابة الاليزيه ؟ وعليه ، ما هي مجموعة تصوراتنا عنه ؟ وما هي استعداداتنا نحن ابناء المنطقة للتعامل مع فرنسا ساركوزية جديدة ؟ وكيف ستكون فرنسا الجديدة سواء وقعت بيد ساركوزي ام بيد غيره ؟ علينا ان نشدد الرؤية لهذا الرجل الجديد الذي تجاوز الخمسين من العمر باقل من سنتين ، اذ ولد في 28 /1/ 1955 وهو يهودي من اصل مجري ، وكان وزيرا للداخلية منذ العام 2002 ، ورشح اليوم نفسه لانتخابات الرئاسة باعتباره رئيسا لحزب التجمع من اجل الحركة الشعبية . كان جاك شيراك قد وضع نهاية للسياسة الشيراكية التي استلهمت خطى ريادة شارل ديغول وافكاره السياسية ردحا من الزمن تجاوز النصف قرن ! ففي يوم 11 مارس 2007 ، اعلن شيراك عدم الترشّح للانتخابات الفرنسية القادمة بعد ولايتين اثنتين .. فانهى الرجل تاريخا كي يبدأ تاريخ فرنسي جديد ، انني اعتقد بأن الولايات المتحدة الامريكية قد رقصت لذلك طربا وزادت من فرحتها العارمة عندما اعلن ساركوزي ترشيحه ، وقد كان الاخير قد اثبت للعالم كله طريقته في الادارة مؤسسا للساركوزية التي تتلاءم جدا مع المناخ الامريكي وكيفية تبلور المواقف الجديدة التي ستدخل ثمارها في السلال الامريكية ! انني اجد في المرشح الجديد ساركوزي ثعلبا سياسيا ماكرا ، اذ لعب طويلا على شيراك واوهمه على مدى سنوات طوال انه ثمرة ناضجة من ثماره ـ على حد تعبير ميكائييل دارمن صاحب كتاب " الوجه الحقيقي لنيكولا ساركوزي " ـ ولكنه كان يظهر عكس ما يبطن ، فما ان اعلن شيراك عدم ترشيحه ، صرح ساركوزي بأنه ليس وريثا لأحد ، ففرنسا ليست مملكة !! علما بأنه ترّبى سياسيا في حاضنة شيراك المركزية ، لكنه تمّرد منقلبا ليدعو الى افكار من نوع جديد ، بل انني اجده من الطموح بمكان يجعله مؤسسا لظاهرة ساركوزية سياسية لها نمط خاص في الحكم وبدت تسمى بـ " الساركوزيست " ، وسيكون لها مواقف متباينة جدا عن الشيراكية وخصوصا في ما يتعلق بكل من العولمة والمتوسطية ، ومن الاتحادية الاوربية والسياسات الامريكية .. واخيرا ما يهمنا نحن العرب : سياسته ازاء العرب والمسلمين في فرنسا اولا ، وتفكيره ازاء الشرق الاوسط وقضاياه الحيوية ثانيا . ولد نيكولا ساركوزي في عائلة ثرية مهاجرة من بودابست المجرية هربا من الشيوعية عام 1944 نحو باريس التي ولد فيها ، وعاش طفولة ومراهقة غير سعيدتين بسبب انفصال الابوين وبقائه مع امه رفقة اخويه .. لم يعان من فقر او فاقة ابدا ، وكان نشيطا في دراسة القانون وفي الحركة النقابية الطلابية اليسارية ، اي نقابة البورجوازيين . ويبدو انه بقي طوال حياته لا يعرف شيئا عن عالم الفقراء المنسحق ولم يزل لا يدرك آلامهم ورموزهم وعوامل غضبهم ، ولم يكونوا ابدا جزءا من تطلعاته !! وبالرغم من كونه سليل مهاجرين ، لكنه لم يعان همومهم واوجاعهم وما يتعرضون له من تمييز وعنصرية ، ولكن بعض مؤيديه يقولون بأنه اول من اقر مبدأ " التمييز الايجابي " بمنح المهاجرين فرصهم لاثبات نجاحهم بواسطة تمييزهم ايجابيا ، وهي احدى ملامح الساركوزية التي اعتبرت مضادة للعلمانية الفرنسية التي يتساوى فيها ابناء المجتمع ، وينتقده خصومه بقولهم ان افكاره ستشتت فرنسا الى طوائف . انه ليبرالي ومعجب بالنموذج الامريكي ونظرا لانحداره من بيئة يهودية فهو مساند لاسرائيل في مواقفه .. وبهذا فهو يلقى دعما من يهود فرنسا . ومن ملامح ساركوزيته انه يدعو الى تعديل قانون العلمانية لعام 1905 الذي يعتبر الدين معاديا للحريات ، وساركوزي يدعو الى تمويل المساجد ، في حين ان النظام الفرنسي لا يقر بتمويل اي مؤسسات دينية .. وقد اثارت خطاباته منذ العام 2002 بتوليه وزارة الداخلية حتى اليوم عواصف جدالية وانتقادات عارمة جعلت منه بؤرة من التركيز الاعلامي .. وكتب عنه اكثر من خمسين مؤلفا !! يوصف ساركوزي بنرجسيته واسلوبه الغربي ولكن بعقلية شرقية .. اتصف بادارته التجميعية واصدر حزمة قرارات .. هفواته كثيره لكنه لم يعتذر او يتراجع ابدا وهو عنيد ومكابر .. كانت له مشاكله ازاء الحجاب ، ولكنه اقدم على تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية وكان ولم يزل يسعى لدمج الاسلام في فرنسا باعتباره مركبا جديدا في حياة الفرنسيين .. وتبني مواقف تعكس أهواء اليمين المتطرف، فمقترحه بإنشاء وزارة للهجرة والهوية الوطنية اعتبره أغلب المراقبين للساحة الفرنسية بمثابة إغواء لأصوات اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وان مبادرته بتشجيع اعتماد "التمييز الإيجابي" من أجل إدماج أبناء المهاجرين، تتصادم مع وصفه لهم بـ "الأوباش". ويعتبره البعض شخصا مخيفا، لا بالنسبة للمهاجرين وأبنائهم فقط، بل بالنسبة للنظام السياسي والمكاسب الاقتصادية التي تحققت في فرنسا طوال الخمسين سنة الأخيرة. وللعلم ايضا ، انه يقف بشدة ضد ادخال تركيا مجال الاتحاد الاوربي وهو يريد صداقة فرنسية امريكية بدون تبعية ويعارض الحرب على العراق وربما سيغّير موقفه مستقبلا .. وبخصوص برنامجه السياسي الداخلي أعلن عن أهمية كبيرة سيوليها لقطاعات التعليم والمسكن والصحة . وقبل ايام اعلن وقوفه الكامل ازاء المرأة ووعد بتحقيق مكاسب كبرى لها ، فنال تعاطفا هائلا من نصف المجتمع الفرنسي . أتمنى ان نتابع الموقف لنرى كيف يخطو ساركوزي نحو الاليزيه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |