الحزن والفرح في تغيير التاسع من نيسان

سناء صالح / هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

قرأت ماكتبه الأخ الفنان حميد البصري في موضوعه (غنينا يوم تحققق الحلم ) في أطار استذكارأحداث التاسع من نيسان  وهو يمتلك كل الحق في التعبير عن مشاعره وآرائه بهذا الحدث, فحرية أبداء الرأي مكفولة ومن حق الجميع أمّا أن يعرّض بأصحاب الرأي الآخر ممن رفعوا شعار( لالصدام لاللحرب لا لأمريكا ) ويضع علامة استفهام حول مواقفهم ولماذا لم يفرحوا بهذا اليوم التاريخي الذي كسر شوكة الدكتاتورية  رغم رفعهم راية النضال ضد الدكتاتورية , هنا أجد موجبا للرد على الأخ أبو نديم  لأنني أحد الذين يلمزهم السيد البصري  بموضوعه على خلفية مجريات حدثت لامجال لذكرها الآن لأنها تبدو لي اختلاف في وجهات النظر التي لاتصل الى حد أن تتبادل الأتهامات والتشكيك في الوطنية  أثناء الحرب وما بعد سقوط النظام وهذه علامة الأستفهام ولّدت لديّ شعورا غير مريح وسأحاول أن أزيل الأبهام الموجود عند الفنان البصري .

إنّ التغيير الذي حدث في التاسع من نيسان لم يكن من طموحات أيّ مناضل غادر وطنه إكراها  فقد كنّا نتمنّى أن نقضي على النظام بأيدينا وعشنا لسنوات طويلة نحلم بهذا اليوم ونعدّ له العدّة حسب الأمكانية أي أن يتم التغيير على أيدي عراقية ذاقت الأمرّين من نظام سلب كل الحقوق وهنا سيكون الفرح عارما وستخرج الجموع رافعة الرأس بالنصر الذي حققته . لذا كان هذا اليوم فرحته ناقصة  أن تجتمع جيوش العالم لتخلصك من نظام صنعته هي, واليوم تريد استبداله لأغراض ومصالح  خاصة بها  وإلاّ لماذا أجهضت الأنتفاضة الآذارية وكان بالأمكان دعمها  وتجنيب الشعب العراقي من معاناة سنوات القهر والحصار الذي عانى منه الشعب العراقي بالدرجة الرئيسية  منذ 1991 والى يومنا هذا, أكّد ضعف القوى السياسية والمعارضة العراقية وعدم اجتماعها على أهداف عامة والتناقضات الحادة فيما بينها وعدم تمكنها من توحيد خطابها ومواقفها على أرضية المصلحة الوطنية .

 أمّا شعار لالصدام لا للحرب  فهو شعار لم نبتدعه  -نحن الأفراد – ابتكرناه في تظاهرة خرج بشكل عفوي بل هو شعار رفعته قوى سياسية معروفة بوطنيتها وعمقها في جذور أرض العراق , قوى كان لها الفضل الأكبر على الكثير من المبدعين والفنانين  الموهوبين في إلهامهم وتشجيعهم والأخذ بيدهم  ودعمهم والفنان البصري هو أحدهم , لم يرفع الشعار عبثا بل درس (بضم الدال ) ونوقش وبينت سلبياته وتأثيراته من منطلق أن الحرب إنما تزيد الوضع مأساوية ونتائجها كارثية على مختلف جوانب الحياة ولا يختلف أثنان اليوم عن صواب وصحة تحليلات هذه  القوى وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي ورفضها لمبدأ الحرب بما يحدث في الواقع العراقي اليوم .إن خيارات أخرى غير الحرب كان بالأمكان استخدامها وإن كان الأمريكان رعاة الحرية والديمقراطية ( آخر زمن   ) جادين في دعمهم لشعب العراق فعلى ماأعتقد لا تعوزهم القدرةعلى البحث عن وسائل بديلة عن الحرب باعتبار أن الأمريكان أصبحوا بديلا عن المعسكر الأشتراكي (السابق ) في تضامنه مع الشعوب المضطهدة وإسناده لحركات التحرر .

 أمّا الوجوه الحزينة التي يؤاخذنا عليها السيد البصري فقد كانت تنضح بالصدق والألم لقائمة طويلة من الشهداء من أبناء الشعب العراقي من النيام في بيوتهم الذين لاعلاقة لهم بما حدث ولا يهمهم من القادم وما هي آيديولوجيته  سوى أن يكون أحد الأبناء المخلصين الذي يستطيع أن يوفر لهم العمل ليكسبوا قوت يومهم بدرهم شريف وأن يرعى أبناءهم ويحفظ كرامتهم ويجنبهم الموت المجاني  , هذا هو سبب حزننا , لم نشق الجيوب ونخرج نادبين ونادبات أزلام النظام الذين لم يتضرروا كما تضرر العراقي البسيط ولحد اليوم وأعتقد أنّ أبا نديم مطّلع ومتابع للأخبار أسأله هل قتل أحد أزلام النظام المعروفين إثر الغارات والقصف  ؟ ألم يغادر العراق وعلى مسمع ومرأى المحررين أشرس أزلام النظام  ليتخذوا اليوم أماكن لهم ومستقرات  مجيّشين الجيوش طالبين بثارات الجرذ المقبور ؟

هل استدعيت ساجدة خير الله وبناتها للمساءلة عن المليارات المسروقة والمجوهرات التي تقتنيها السيدة الأولى( سابقا  )؟ هل لجأت الى المهربين وتخفت بأسماء مستعارة أو تجمدت أطراف إحدى حفيداتها بسبب البرد وتخفيا عن أعين شرطة الحدود في أحد البلدان الأوربية التي تمنح اللجوء , هل  أخذت طمغات أصابعها وتعرضت للأهانة ,هل استخدمت  جواز سفر مزور وانتظرت طويلا مرعوبة أن ينكشف سرّها  أمام شرطي!!   ألم يدفن زوجها الدكتاتور حسب رغبة العائلة تقلّه الطائرة الأمريكية كعرفان بالجميل لأحمق وعميل ظل وفيا لأسياده مقدما العراق أرضا وثروات على طبق من ذهب وفرصة لامثيل لها في التاريخ .

 من الغريب أن لايفرق الأستاذ البصري بين القتيل الذي يختار دربه فيتوجه للموت على ضوء مباديء يؤمن بها ويرى في موته حياة للآخرين ولأفكاره مهما كانت  وبين من لايعرف لماذا يموت إذن نحن نعرف أن درب الحرية والتحرر معبد بالدماء وأن الأهداف لاتتحقق بالتمني , كنا نبكي الثاني لأنه لم  بسئل إن كان مستعدا للموت أم لا وهذا من أبسط حقوق الأنسان  في تقرير المصير .

 بعد أربعة أعوام وبعد متغيرات كثيرة وتغير مواقف الكثير من  السياسيين مجريات الأحداث وإعادة التقييم لما حصل وتوصيفهم للوجود الأمريكي للعراق يبقى موقف السيد حميد البصري ثابتا من الأحداث بالغناء فرحا لما جرى وهذا رأيه الخاص  ولكن الغمز في قنوات ومصادرة الحق في تبني شعار أو ذرف دمعة هذا ماجعلني أناقش الأخ أبونديم لأزيل اللبس والغموض في موقف كنت أنا أحد المعنيين به  .

 سؤال أخير أتوجه به للأخ حميد البصري   أين أغانيك للتحرير !! هل لديك نتاجات بهذا الموضوع !!إن كنت فرحا ومتفائلا  أين هي من إبداعاتك  السابقةالتي أتحفتنا بها  بنزعتها الأنسانية  بالدعوة للحب والتي مازالت تبث الأمل والفرحة وترقصنا في احتفالاتنا وأعيادنا السياسية وأعجب بها من سمعها ؟

 

 هامش : لتعريف الأعزاء القراء (مذكر ومؤنث ) بخلفية الموضوع الذي نشره الأستاذ البصري الغناء للتحرير هو أننا كجمعيات ومؤسسات  عراقية وبدعم من المؤسسات الهولندية  فتحنا أثناء الحرب  مراكز ادارة الأزمة  في مبادرة لبلدية مدينة لاهاي وبعض البلديات  في المدن الهولندية   ترمي هذه المراكز الى التخفيف عن العراقيين وتوفير اتصالات وخطوط  بالصليب الأحمر وتزويد الناس بمعلومات , لم يكن الهدف الأساسي هو دعم الحرب والترويج لها بل هدف أنساني بحت وقد كانت الجمعية التي أمثلها مع زميلات لي من الجمعيات التي كان لها دور فعال أثناء العمل في المركز برزت خلافات في وجهات النظر من حيث كيفية إدارة العمل  داخل المركز وأهدافه أضف الى تباين  المواقف من الحرب أدى الى خلافات بين المؤسسات العراقية ولكنه خلاف لم يتعد أبداء القناعات ووجهات النظر فالخلاف لايستدعي أن تشكك بالآخرين وكل منّا حرّ شرط أن لايتعدّى حدود حريته.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com