|
يا أعضاء البرلمان والحكومة فاقد الشيء لا يعطيه د. حامد العطية حفظ الأمن هي المهمة الأساس للحكومات، على اختلاف أنظمتها السياسية وبيئاتها الثقافية ومرحلة تطورها، بل هي السبب في وجودها وتكوينها، ولو أخفقت حكومة في حفظ الأمن فلا قيمة لإنجازاتها الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها، مهما تعددت وعظمت، ومآلها السقوط والاستبدال بحكومة أخرى، وعندما بين الله سبحانه نعمته على القبيلة العاصية قريش ذكر أمرين فقط، لأهميتهما القصوى، هما الأمن والمؤونة: (الذي اطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف)، وهذا الخوف هو ذاته الذي دفع بأجدادنا السومريين إلى تكوين أول حكومة في تاريخ البشرية، فكانوا إذا رصدوا اقتراب خطر يهدد تجمعهم السكاني مثل حيوان مفترس أو جماعة مغيرة اجتمعوا لانتخاب أحدهم لوظيفة (اللوجال)، وهو الحاكم أو الإداري الذي ينيطون به مسئولية قيادتهم في درء الخطر الذي يتهدد أمنهم، والمثير للعجب والإعجاب أن هذا المنصب مؤقت، فما أن يزول الخطر حتى يعزلون اللوجال من وظيفته ليعود مواطناً عادياً في مجتمع، الجميع فيه سواء، ولعلهم أدركوا بأن للحكومة الدائمة مساويء مثلما لها فوائد، ولكن سرعان ما تحققت مخاوفهم بنشوء الحكومات التسلطية والطبقات المستغلة من الأمراء والكهان ورؤساء الجند. بالأمس تأكد للعراقيين والعالم أجمع بأن حكومتنا وأعضاء برلماننا فاقدون للأمن، ولم يكن الانفجار تحت قبة البرلمان أول عملية إرهابية تطال المنطقة الخضراء، فمن قبلها تساقطت قنابل الهاون بالقرب من مكان انعقاد مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء، ويؤكد الأمريكان وقوع العشرات من الخروقات الأمنية المماثلة، ولو كان أعضاء البرلمان والحكومة يعيشون وسط عامة العراقيين، الذين يقضي المئات منهم - وبالتحديد الشيعة - بنار الإرهاب يومياً، لما تعجبنا واحترنا لمصابهم، ولكنهم يقيمون في بروج مشيدة بالمنطقة الخضراء، وفي ظل حماية أمريكية ندر ما تتاح لأمثالهم في العالم قاطبة، ومن المعروف بأن أمامنا علي عليه السلام تولى خلافة المسلمين ولا حارس له سوى الله وسلاحه، واستشهد ولكن ذكره باق في الذرى ما بقيت السموات والأرض، أما الباغي معاوية بن أبي سفيان، فكان أول حكام المسلمين في اتخاذه الحرس والجلاوزة، ومات في فراشه بعد إفساد استحق عليه اللعن إلى يوم الدين، فأيهما يجدر الاقتداء به؟ هنالك أربعة فئات ممثلة في البرلمان وفي الحكومة أيضاً، وهي بتقديري أما مقصرة تقصيراً فادحاً في توفير الأمن للعراقيين أو متواطئة أو مهادنة للإرهاب، وأبدأ بالائتلاف الموحد، الذي انتخبه الشيعة مخاطرين بأرواحهم على أمل حفظ حقوقهم وأمنهم، وسكتوا على تنازلاته المتتالية عن الاستحقاقت الشيعية الأساسية في سبيل انشاء حكومة الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة بين فئات الشعب العراقي، ولم يجني الشيعة من ذلك سوى المزيد من الخسران في الحقوق والأرواح، وأطلال مرقدي الإمامين العسكريين شاهد مفجع على فشل الحكومة الوطنية والمصالحة، فمن الواضح أن أصحاب القرار السني، سواء الجالسين على المقاعد الوثيرة الفخمة في البرلمان أو في الحكومة، معارضون لإعادة بناء المرقدين المطهرين، فهل هؤلاء هم الشركاء الذين يعول عليهم الائتلاف في إيقاف الإرهاب وبسط السلام في ربوع العراق؟ وقبل أن يتعذر أعضاء الائتلاف بوقوعهم تحت الضغوط والإملاءات الأمريكية أقول لهم أنتم اخترتم الاعتماد على الأمريكان، وهاهو رئيس الوزراء المالكي بالأمس يرفض وضع جدول لانسحاب القوات الأمريكية، فهل أربع سنين خلت غير كافية لانشاء قوة أمنية قادرة على سحق عصابات الإرهابيين؟ ولم لا تضعون ثقتكم بالله وبالأبطال الذين أوصلوكم إلى سدة البرلمان والحكومة وتعجلون بطرد الأمريكان والإرهابيين من أرضنا؟ نأى الأكراد وقادتهم في البرلمان والحكومة بأنفسهم عن العراقيين وشجونهم، وكأنهم زوار طارئون على البيت العراقي، سرعان ما تنقضي اقامتهم فيحزمون الحقائب ويرحلون، لكن أسألهم: بالله عليكم إلى أين أنتم راحلون؟ وأقصى نقطة في كردستان العراق لا تبعد سوى سويعات قليلة من بغداد، وأغرب ما في الأمر سكوت الإرهابيين عن الأكراد فبالرغم من تواتر الأخبار والتقارير عن التحالف الاستراتيجي بين الأمريكان والكورد، وورود أنباء غير مؤكدة عن اتصالات خفية بينهم وبين الصهاينة، نلاحظ بأن الإرهابيين من التكفيريين السلفيين ومخلفات النظام الطاغوتي البائد غافلون عنهم تماماً، وكأن بينهم هدنة غير معلنة، إذ لا يصدق بأن الإرهابيين الذين اخترقوا الاحتراسات الأمنية المشددة للأمريكان والقوات العراقية غير قادرين على تجاوز نقاط تفتيش البيشمركة، ويأتيك دليل إضافي على وجود هذه الهدنة التصريحات والمواقف المائعة لقادة الأكراد تجاه الإرهاب وسياستهم الابتزازية مع الائتلاف الشيعي، فهل ننتظر من هؤلاء حفظ أمن العراقيين من غير الأكراد؟ أما ممثلو العرب السنة، على اختلاف انتمائاتهم الحزبية، فهم أصل الداء، فبدلاً من ان يكونوا شركاء نزيهين في العملية السياسية عمدوا إلى إفشالها من الداخل، وبتواطء مشبوه من الأمريكان ودول الأعراب المجاورة، حتى أوصلوها إلى هاوية السقوط، وهم يهددون مراراً وتكراراً بالإنسحاب منها للحصول على المزيد من التنازلات، وفي الوقت نفسه أسسوا مليشيات لتنفيذ العمليات الإرهابية ضد الشيعة، والتي راح ضحيتها الألاف من الشهداء وأدت إلى تهجير مئات الألاف، وكلما أرادت الحكومة تنفيذ عملية أمنية ضد الإرهابيين هبوا كرجل واحد لمنعها، ووضع العراقيل في طريق نجاحها من خلال أزلامهم المندسين في الأجهزة الأمنية وتسريبهم المعلومات السرية عنها إلى الجماعات الإرهابية المستهدفة، وإن أفلحت قوات الجيش والشرطة في القبض على أحد الإرهابيين سارعوا إلى الضغط على الأجهزة الأمنية لاطلاق سراحه، والأدهى والأمر أن يكون عضو البرلمان وممثل الشعب إرهابياً أو زعيماً لعصابة إرهابية، يداه ملطختان بدماء الأبرياء، وقبل فترة وجيزة اتهم رئيس الوزراء المالكي أحد اعضاء الكتلة السنية بالإرهاب، كما نشرت وسائل الإعلام مؤخراً أنباء عن الاشتباه بتورط عدد من أعضاء هذه الكتلة في الإرهاب. جرب أياد علاوي، وهو شريك في العملية السياسية أيضاً، حظه في مكافحة الإرهاب وفشل، ولا ينفك عن الدعوة إلى إعادة الاعتبار إلى الإرهابيين من رفاقه السابقين في الحزب البعثي الفاشي، وترشحه التحليلات الرائجة حالياً لتدبيرانقلاب عسكري أو سياسي يطيح بالعملية السياسية برمتها ويمهد لتأسيس حكم تسلطي أشبه بنظام صدام البائد، فأي حرص نتوقع منه على أمن العراقيين؟ ويبرهن لنا الأمريكان كل يوم بأنهم جاؤوا للمنطقة لمحاربة الشيعة لا الإرهابيين، فبينما لا يفوت رئيسهم الكذاب بوش فرصة من دون التباكي على تفجير المشهدين العسكريين المقدسين لكونه الشرارة التي أشعلت الاقتتال الطائفي نلاحظ سكوت قواته على سيطرة الإرهابيين على المحافظات السنية وعدم اكتراثها لعملياتهم الإجرامية التي طالت الشيعة في بغداد وديالى والحلة وكربلاء والكوت، وفي الوقت نفسه يشن الأمريكان هجوماً شرساً ضد جيش المهدي، القوة الدفاعية الوحيدة المتبقية للشيعة، وهم لا يخفون اعتبارهم لجيش المهدي الشيعي الهدف الرئيس لعملياتهم العسكرية في العراق، فأي أمن سيحققه الأمريكان للشيعة وهم لم يوفروا لهم الحماية ولا تركوهم ليدافعوا عن أنفسهم؟ اليوم وقبل كتابة آخر سطور هذا المقال ورد نبأ استهداف الإرهابيين للشيعة في كربلاء، ليضيف دليلاً قوياً آخر على التدهور الخطير للوضع الأمني في العراق، فإلى متى تريد الحكومة والبرلمان منا نحن الشيعة الصبر؟ لابد للحكومة اولاً من الاعتراف بفشل المصالحة الوطنية وحكومة الوحدة الوطنية والخطط الأمنية المتعاقبة في ايقاف الإرهاب المستهدف للشيعة، مما يقتضي مراجعة شاملة لهذه السياسات والمواقف التي جرت الويلات على الشيعة ، ويتحمل الائتلاف مسئولية وضع وتنفيذ استراتيجية جديدة كفيلة بالقضاء على الإرهاب في غضون سنة بأقصى تقدير، انطلاقاً من مبدأ أساسي وهو أن الحفاظ على أمن الشيعة وبقية العراقيين أولى من كل الاعتبارات السياسية الأخرى بما فيها المشاركة والمصالحة، وإذا كان الطرفان الكردي والسني غير راغبين في تبني هذه السياسة فعلى الائتلاف الانفراد بتشكيل الحكومة، ولكي تمارس الحكومة السيادة الكاملة وحرية القرار تلزم القوات الأمريكية بجدول انسحاب خلال ستة أشهر، وتحدد أماكن تواجدها خلال تلك الفترة. قبل أسابيع قلال حذر ممثل المرجعية الدينية من انفجار الشارع الشيعي، وليعلم الجميع إنها الفرصة الأخيرة لإصلاح الوضع قبل أن اشتعال بركان الغضب الشيعي المكبوت، لأنه سيكون سيلاً من الحمم الحارقة لا يبقي ولا يذر.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |