وهم استعادة حكام تركيا المجد المفقود

 

المهندس الاستشاري / سلام إبراهيم عطوف كبة

kubba_s_i@yahoo.com

 سعت الحكومة التركية على إرسال الرسائل تلو الاخرى الى حكومة اقليم كردستان بعد التاسع من نيسان والتي لا يمكن تفسيرها إلا باستعراض القوة والعنجهية والعدائية في العلاقات بين تركيا وجيرانها.. قبل ذلك منح صدام حسين القادة الاتراك حق اجتياح الاراضي العراقية متى واين شاءوا طيلة حكمه الدكتاتوري بحجة ملاحقة متمردي اكراد كردستان الشمالية لتنتهك القوات التركية العمق العراقي متى ما اقتضت مصلحتها الأمنية..!. لقد اتخذت الولايات المتحدة من قواعدها العسكرية في تركيا وبالأخص ( انجرليك ) مراكز انطلاق لحماية الملاذ الأمن في شمال العراق والدوريات الجوية فوق العراق قبل احتلاله بالكامل الى جانب استغلالها السماء التركية وأجوائها لتحليق الطائرات الاميركية في أي وقت ودون استئذان مسبق!.كانت ولاتزال العلمنة على الطريقة التركية أي تحت حكم العسكر دستوريا وعلى الطريقة الصدامية اي بالانظمة الشمولية السياسات التي أجلست وتجلس الفلاسفة الجدد على نفس الخازوق العلماني العبري القديم!.

 

شئ من التاريخ الكردستاني

 استغلت السلطات العثمانية والتركية والفارسية مستوى الخلق الشخصي العالي والشجاعة والجسارة والميول العسكرية لدى الكرد لخدمة مآربها في العسكرة والمغامرة والعدوان ! وظل الكرد عصاة عن السلطات المركزية رغم توافق مصالح الاغوات معها احيانا في الحفاظ على التشتت القبلي ! . وساعدت الطوبوغرافيا الكردستانية الوعرة الطبيعة القبلية والتباين في اللهجات رغم صغر مساحة كردستان والتشتت الاجتماعي الكردي وضعف التماسك القومي . كما تسترت الديمقراطية الحربية والانماط المتخلفة للبنيان البطريركي – الابوي على التمايز الطبقي عند الكرد.

 احتوى السلطان عبد الحميد السجايا الكردية بخدعة انشاء خيالة (الحميدية ) عام 1891 تحت قيادة زعماء القبائل ، ومنح كل الذين دخلوا هذا الجيش الامتيازات فاعفاهم من الجنح والاتاوات ومن احكام صدرت بحقهم جراء قيامهم باعمال النهب والاغتصاب في ارمينيا الغربية .. يذكر ان القضية الارمنية قد اكتسبت في السنوات الاخيرة من القرن التاسع عشر الاهمية المتزايدة في حياة شرق الدولة العثمانية ، وساعدت على تحول القضية الكردية الى قضية دولية ! .

 تحول الاغوات الكرد من قطاع طرق ومشعوذين ( هكذا كانوا ينعتون ) الى متبخترين بالرتب والاوسمة رغم انف ضباط الجيش النظامي ، واستخدمت الحميدية لأخماد حركة التحرر الارمنية واضعاف حركة التحرر الكردستانية . وادخل السلطان التركي ابناء الاسر البدرخانية والبابانية الى المدارس كي يجري تسخيرهم لخدمة الاجهزة البيروقراطية العسكرية لسلطاته .. الا ان انتشار الافكار القومية الكردية ومبدأ " كردستان حرة " المناهضة للسلطات الاستبدادية جعل هؤلاء يختاروا سبيل النضال التحرري بعد ان تلقوا تعليمهم .

 مثلت الحركة القومية للشعوب الواقعة تحت النير التركي قوة عظيمة القرن التاسع عشر ، ودافعت المنظمات البورجوازية القومية للارمن واليونان والبلغار والالبان والعرب والكرد عن المصالح القومية لشعوب الامبراطورية التركية ! . واتخذت الانتفاضات الكردية بادئ ذي بدء الطابع الديني المتصوف قبل التأثر بثورتي (1905- 1907) و ( اكتوبر 1917) الروسيتين واللتين اثرتا على انتعاش الحركة الثورية في تركيا والنهوض القومي لشعوب الامبراطورية العثمانية .

 لقد ترسخت ديمومة المشاعر الدينية وتقاليدها مع سياسات الاضطهاد الشوفيني للكرد في الحقب التاريخية الماضية والسياسات الاستعمارية وبطء وتيرة تشكل المجتمع المدني في الشرق . وبقت الاشكال القروسطية من الاحتجاجات راسخة في الوعي الاجتماعي حتى عقود متأخرة من القرن العشرين . وكانت اللاأخلاقية الاستعمارية العامل الاساسي في تكريس اشكاليات الواقع الكردي المعاصر والطبيعة العشائرية السائدة والنظرة القدرية وحالات الاستسلام للمصير مع انتشار الفقر وانعدام الفرص والاهمال.... في هذه الفترة شهد العراق تركيزا مميزا للنخب التركية التي هيمنت على النشاط الاقتصادي من اراضي وتجارة بعد تنامي سلالة (الكوله مند) اي المماليك الذين تم استقدامهم لدعم القوات العثمانية في بلدان الشرق ومنها العراق... مما جعل منها طبقة معزولة تتعامل مع عامة الشعب العراقي كأنه كم مهمل وبمنتهى الاحتقار والبغض والكراهية.

 مع الحركة المشروطية والانقلاب العثماني عام 1908 كشف الاتحاديون نسبة الى "جمعية الاتحاد والترقي"وفروعها في بلدان الشرق عن وجوههم الحقيقية من مغازلة التجربة والارادة الاوربية الى النزعة الطورانية لينفرط حبل المودة السياسي بين الغرب والاتراك.وتعرضت الجمعيات الكردية الى الغلق تباعا تحت الضغط الاتاتوركي ، كما تعرضت الانتفاضات الكردية الى القمع الوحشي وجرى اعدام قادتها وتهجير ملايين كردية الى الاناضول غرب الامبراطورية بعد تدمير قراهم بالجملة، وتعرض مثقفوا الكرد في تركيا الى الملاحقات والتصفية والاغتيالات.

 اصبح الكرد اكثر مرونة من قبل مع تغلغل العلاقات التجارية المالية وشبه الرأسمالية والرأسمالية الى كردستان لتبقى مقولة الشقاوة الكردية بالية لأنها خدمت وتخدم رجعية كردستان.ولم تتبلور القضية القومية الكردية في كردستان تركيا كما تبلورت في كردستان العراق رغم تعداد الكرد المضاعف في الاولى ! وتدخلت دكتاتورية البعث كما تدخل الانكليز والعثمانيون – الاتراك والفرس من قبل للاستفادة من الصراعات الاجتماعية على الارض ... كل ذلك لم يقلل من مشروعية القضية القومية الكردية !.

 ظهر حزب العمال الكردستاني بعد الإنقلاب العسكري التركي عام 1980 الذي القى بعشرة آلاف ناشط كردي في غياهب السجون وهٌجر مئات الآلاف الى خارج البلاد.وقرر قادة الحزب الذين اعتقلوا في سجن دياربكر اضرام النار في اجسادهم في يوم عيد النوروز الكردي، وبذلك فقد استشهد القادة التاريخيون للحزب وهم كل من مظلوم دوغان وخيري درموش وكمال بير وعاكف يلماز. استطاع الزعيم الكردي عبدالله اوجلان اعادة ترتيب صفوف الثورة وشن الكفاح المسلح في 15 آب 1984 ضد الدولة التركية للمطالبة بحقوق الكرد. وجرى اختطاف اوجلان في كينيا عام 1999 بمساعدة اسرائيل والولايات المتحدة وتسليمه للدولة التركية.

 كان الجيش التركي وعلى طول خمسة وعشرين عاماً يقتل كل من يفكر بالتفاوض مع اوجلان وثورته. كما سقطت حوامة الجنرال اشرف بتليس احد كبار قادة الجيش التركي الذين نادوا بالحل السياسي للقضية الكردية. وزجت تركيا الآلاف في السجون لمجرد الظن في تعاطفهم مع حزب العمال الكردستاني وقتلت ثلاثين الف مدني كردي ودمرت اكثر من 4000 قرية وهجرت مليوني شخص من مناطقهم، كما سجنت كل من النواب الكرد ليلى زانا واورهان دوغان وخطيب دجلة وسليم ساداك لعشرة اعوام عقوبة لهم على ذكرهم لكلمة الكرد في البرلمان التركي.

 

الطورانية

 الطورانية دعوة عنصرية رجعية توسعية لضم البلدان التي تتكلم شعوبها مجموعة اللغات التركية واتباع سياسة تتريك الشعوب غير التركية . وهي السياسة الاستعمارية التركية الرامية الى استبقاء كردستان كاملة ضمن الجغرافية التركية والاحتفاظ بها جزء لا يتجزأ من الأناضول وتبديل اسمها الى الأناضول الشرقي او شرق الاناضول وتبديل اسم كرد تركيا الى اتراك الجبال . ومضمون الطورانية السعي بالقوة الى تحطيم التحركات الثورية وتفتيت القوى الشعبية بالبطش والتنكيل والوعود والعهود الكاذبة ، وبتحريض ابناء الشعوب بعضهم ضد البعض الآخر . وقد وردت كلمة توران في الكتب القديمة ومنها الشاهنامة ، وعنت في حينها البلدان الواقعة خارج الامبراطورية الفارسية والتي تتكلم شعوبها المجموعة السالفة الذكر ، ثم أخذت الطابع السياسي مع نمو الحركة القومية التركية لتعبر عن الدكتاتورية السافرة للرأسمال المالي التركي الأكثر رجعية و شوفينية و امبريالية . ولا ينبغي الخلط بين الطورانية وتطلعات التركمان في نيل الحقوق الثقافية و القومية المشروعة ( يعبر كتاب " تاريخ المستقبل " لمؤلفه " جلال نوري " عن جوهر الطورانية) .

 ان الطورانيين تحكم خطواتهم ومخططهم وهم استعادة مجد مفقود وجاه زائل وخدمة حكام انقرة واحذية جندرمتها ... والطورانية حركة شوفينية عنصرية تعتبر الذراع التركي للتدخل الاقليمي في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة كالعراق . والطورانية نموذج صارخ للثقافات المعادية والنزعات الضيقة المتزمتة والمتعصبة والمنغلقة على نفسها والتي ترفض التسامح والتغيير وروح العصر.

 يتمتع التركمان في كردستان الجنوبية ، ولا سيما في مدينة كركوك الكردستانية بكافة حقوقهم ، والدراسة بلغتهم التركمانية ، ولهم مؤسسات وإذاعات وقنوات تلفاز ومنظمات سياسية ومهنية . وميزت الحركة الوطنية في العراق بين التركمان كقومية وبين الأحزاب والتنظيمات السياسية.. وناضلت في سبيل حق الشعب التركماني التمتع بحقوقه القومية والثقافية والإدارية وتطوير الديمقراطية وحماية حقوق الأنسان وتكريس حكم القانون واقامة العراق الفيدرالي البرلماني التعددي التداولي، ومقاومة سياسات جعل الحقوق القومية منفذا للتدخلات الإقليمية او الدخول في لوحة الصراعات الإقليمية. ومع ذلك تعرض ويتعرض الشعب الكردي الى الدعايات المغرضة من قبل بعض القوى التركمانية المرتبطة بالنظام التركي الإستبدادي الذي لا يعترف بوجود أية قومية في تركيا بما فيها كردستان الشمالية التي تحكمها العلاقات الإستعمارية تحت ظلال أسم الديمقراطية الفارغة من الممارسة الديمقراطية ، سوى شكلها وصورتها ...... لا يمكن تسمية دولة بالديمقراطية دون الإعتراف بالأسس الأساسية للديمقراطية وهي الإعتراف بحق الشعوب في الحرية ، والإعتراف بحقوق الإنسان بعيدا عن الطورانية والقومية الشوفينية والتفريس والتتريك والتعريب .

 القضية التركمانية في العراق ذات طابع مستقل لأنها انسانية الطابع وجزء من القضية الوطنية العراقية والرغبة في بناء وطن حر تسوده العدالة ويعمه الاستقرار ، وليس لأي طرف حق الوصاية على القضية التركمانية او التصرف بها او تحديد اطارها الحقوقي سوى حكومة العراق التعددي الفيدرالي البرلماني .

 

القلق التركي المستمر

 ان جل القلق التركي المتعاظم اليوم هو في :

  • النهوض الديمقراطي وانتعاش حركات الاصلاح الديمقراطي وحقوق الانسان والمجتمع المدني والطبقة العاملة داخل تركيا نفسها الامر الذي يضغط كثيرا على القيادت التركية وينذر بمزيد من الازمات السياسية المتتابعة وتعدد سيناريوهات مرحلة ما بعد بولند اجويد! ..... لكن نظام القسر وإخضاع المجتمع والدولة لخياراته أدى ويؤدي الى تشابك العوامل السياسية والاقتصادية وتراتباتها وبقاء تركيا في قبضة المؤسسة العسكرية وانتعاش الاستقطابات الإسلامية والعلمانية والطائفية والقومية والاجتماعية، والاستقطاب بين التقدم الاجتماعي والنزوع الأوربي والنزوع الطوراني... لقد بقيت تركيا مدنية بالظاهر عسكرية بالجوهر. ويتدخل الجيش عندما يحس ان دوره في خطر وعند المنعطفات، والضوء الأخضر الاميركي والغربي! لقد استثمر الجيش القضية الكردية لإحكام قبضته على الأوضاع السياسية في البلاد وفرض مواقفه على المؤسسة السياسية اكثر من مرة. تركيا الدولة الخامسة في العالم في شراء الأسلحة والدولة الثانية بعد إسرائيل في التزود بالمعدات العسكرية الاميركية.. وتبلغ الاغتيالات السياسية فيها ارقاما مرتفعة . لقد امر وزير الدولة التركي لحقوق الإنسان قبل اعوام قلائل بقصف القرى والبساتين في جنوب شرق تركيا بالطائرات والمدفعية مما أدى الى هجرة حوالي مليون كردي الى محافظة ديار بكر.. لكن الرئيس الامريكي الأسبق ( بيل كلينتون) امتنع عن الاستجابة لمطالب جمعيات حقوق الإنسان بتعليق بيع الأسلحة الاميركية الى تركيا والتي تقوم بتوجيه 80% منها الى صدور الأكراد!.

  • حالة الاستقرار الامني النسبي في كردستان العراق وتنامي التجربة الديمقراطية فيها لحصول الكرد على حقوقهم الإنسانية والقومية بصيغة الفيدرالية ونجاحهم المعزز بالاستقرار والسلم وبالمسيرة الديمقراطية . تركزت مطالب الشعب الكردي في كردستان العراق في إقامة العراق الديمقراطي الدستوري الفيدرالي الموحد وضمان الحقوق القومية للتركمان والكلدو- آشوريين والقوميات الأخرى.. وهذا بحد ذاته قد سحب البساط من تحت أقدام العسكريتاريا التركية!.

  • مقترحات القيادات الكردية في تركيا بشأن الحل السلمي الديموقراطي العادل لحقوق الكرد القومية والإنسانية وازدياد التضامن الأممي الدولي وقطاعات واسعة من أبناء الشعب التركي مع هذه الحقوق العادلة تسحب البساط هي الاخرى من تحت مزاعم القيادة التركية التي تحاول مزيدا من التعنت والإفلات من الضغوط العالمية و الإقليمية...

  • تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق والذين يتواجدون بطريقة قانونية حيث هم بضيافة بلاد حرة ذات سيادة تحميهم حيث أقاموا بضوابط مشروعة.. وهم لا يمارسون من الأرض العراقية أية فعاليات مسلحة كما المزاعم التي لم تعد تنطلي على أحد...

  • توكيد الموقف التركماني على الهوية العراقية وعلى وحدة تصوراته ومعالجاته لجميع القضايا الوطنية العراقية والاتحادية التي تخص حقوقه الراسخة الثابتة التي تمَّ تدوينها بدقة ووضوح في الدستور العراقي ويجري تفعيلها على أرض الواقع الجديد عبر وحدة المسار الوطني وتنوعه وتعددية الطيف المحترمة في العراق الفيدرالي الديمقراطي الجديد.. هذا التوكيد الذي يبطل المطامع الطورانية للقيادات التركية !

  • خيبة الأمل التركية في اكتساب عضوية الاتحاد الأوربي وتحميل الغرب تركيا مسؤولية المذابح بحق الأرمن مطلع القرن الماضي محاولة الاستعاضة بالأوهام العثمانية الجديدة والطورانية وأساطير الأحقية التاريخية في هذه المدينة او تلك وتشويه مواقف الكرد القومية..

  • تخوف الحكومة التركية من تغير الموقف الاميركي الاستراتيجي من " مغازلة كرد العراق وغض النظر عن سحق كرد تركيا " الى " مغازلة الكرد في العراق وتركيا وايران معأ " .

 لا تزال النافذة العراقية هي المفضلة لدى تركيا في سبيل حماية مصالحها وامتيازاتها الاقتصادية بعلاقتها المستمرة مع النظام العراقي البائد سابقا والحكومة العراقية الحالية في بغداد ، وترسيخ مفهوم الحزام الأمني في شمال العراق ، وكسب المواقع المتجددة دوما في سياق النظام الدولي الأحادي القطب عبر حروب المياه والتحالف مع إسرائيل.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com