من دفتر ذكرياتي في أبو غريب / (علاء العاني!!) (7)

جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

من دفتر ذكرياتي في معتقل / أبو غريب ـ الحلقة السابعة ـ هذه الحلقة عن أحدى الشخصيات الغريبة في كثير من المسائل من وتصرفاته وعقله وعلاقاته نزولاً الى سبب حكمه بالأعدام ومن ثم يتم تخفيف الحكم الى السجن المؤبد / عشرون عاماً.. ياترى هل كان (العاني ) جاسوساً فعلاً..؟؟ أم كلما في ألأمر فبركة مخابراتية ؟؟؟.

* * *

خلال سنوات ألأعتقال في معتقل / أبوغريب ، رأينا الكثير من العجائب والغرائب ..التقيت بأناس يحملون صفاتاً لاتصدق !! ، نعم كان المعتقل يضم شرائح مختلفة من كافة ألأطياف والوظائف والقوميات والدرجات ... من بين الذين لابد أن أكتب عنهم وحفر أسمه في ذاكرتي هو :

علاء العاني ... العاني كان قبل ألأعتقال ( مفوض شرطة ) في دائرة السفر وعمله كان تدقيق الجوازات في مطار بغداد الدولي.

للرجل قابلية غريبة وحتى بعد أن قضى سنوات من عمره وشبابه في المعتقل.. كان متميز جداً وله ذاكرة لاتصدق.. بأختصار كان عبارة عن ( كومبيوتر ) متنقل.. على سبيل المثال :

كان يحفظ ألأسماء الثلاثية لمئات المعتقلين وعناوينهم( المدينة والشارع ) وأرقام أحكامهم ومدة الحكم.. الخ من التفاصيل المملة ، لذك كانت ( أدارة المعتقل ) تستعين به في أغلب ألأيام من دون الرجوع الى ألأوراق والفايلات.. معلوماته كانت صحيحة 100% .. ومن غير مناقشة .

لمرات عديدة أوكلوا اليه أن يكون مراقباً على القسم ، كان مضبوطاً ويساعد الناس أجمع !!.

طبعاً حينما كان في المطار ولعدم وجود ( كومبيوترات ) في حينها كان (العاني) هو الكومبيوتر.. كان يحفظ المئات من ألأسماء من الذين ممنوعين من السفر.. ناهيك عن أشياء أخرى.. لذلك وحتى عندما كان يتمتع بأجازته الدوريه كانوا يستشرونه بواسطة الهاتف!!.

بأختصار كان يملك ذاكرة لاتصدق ..!!.

بحكم الوظيفة كان وفي كل يوم يلتقي بعشرات الناس المغادرون والقادمون الى بغداد.. من مسؤلين وغيرهم ..!!.

صادف في مرة أن قدم خدمة لسفير / سلطنة عـُمان ، لذلك أهداه السفير / قنينة ويسكي.. ، علاء كان ذكياً.. في البداية رفض، لكن أصرار السفير على الهدية قبلها.. ولكنه أخبر سلطات المطار بالمسألة.. حينها أعتبروا المسألة عادية وبالأخص من خلال أصرار السفير!!.

صادف أن التقى ( في المطار ) أكثر من مرة بالسفير.. فصار يبادله التحية والسلام.. وفي مرة أخرى أهداه ( قنينة عطر ) .. قام علاء بأخبار السلطات، كما في السابق!!.

أحدى المرات قدم السفير دعوة شخصية لعلاء لتناول العشاء في دار السفير بمناسبة وطنية لـعُمان.. علاء قبل الدعوة ولكنه أخبر السلطات بذلك.. وحينها وافقوا أيضاً!!.

بعد تلك الدعوة.. تلقى ( علاء ) تبليغاً من المخابرات بالحضور الى أحدى الشعب لأمر ما !!.

حضر في الزمان والمكان المعينان.. تفاجأ أن المخابرات تطلب منه أن يتجسس على السفير ويسجل كلامه ... الخ من ألأمور المخابراتية !!.

علاء .. كان شهماً.. رفض الفكرة بقوة..!!... وقال لهم :

ـ الرجل يحترمني وأكلت وشربت عندهم..لايمكن أن أفعل هذا !!.

رد علاء كان بمثابة تحدي للمخابرات .. لذلك وبعد فترة قليلة ، أعتقل بتهمة أنه جاسوس لسلطنة عُمان !!!.

نعم يعتقل ( علاء العاني) ويوجه اليه تهمة التجسس لصالح سلطنة عُمان!!!.

أغرب شىء هو ما رواه لي ( علاء) ، حيث قال :

ـ بعد أن وجهت المحكمة تلك التهمة الباطلة.. وجهت كلامي لرئيس المحكمة وقلت له :

ـ سيادة القاضي ..عندي سؤال !!.

قال : قول .. ماذا تريد ؟؟
قال له علاء:

ـ سيدي بروح أبوك سلطنة عُمان عندهم مخابرات حتى أصير جاسوس لهم ..؟؟.

غضب القاضي وقذفة بآلة حادة.. ولكنه لم يصيبه!!!.

علاء العاني بالرغم من أنه كان خفيف الظل..إلا أنه كان مهموم على طول.. كان يشعر بالغدر والغبن.. كان وفي كثير من الحالات يجهش بالبكاء!!.

كان غير متزوج.. مواجهاته كانت من قبل أشقائه وشقيقاته.. في السنوات ألأخيرة أنقطعوا عن مواجهته.. كان فقير الحال.. يرتدي دشداشة و( جاكيت / عسكري ) في الشتاء.. كنا نحترمه وندعوه لتناول الطعام معنا.. كان عنده كبرياء.. في كثير من الحالات كان يدعي بأنه غير جائع.. لكن بعد الحاح كان يقبل الدعوة!!.

بعد أن أنهى المحكومية / 20 عاماً بالتمام والكمال.. لايمكن أن أنسى تلك الساعات.. :

نادوه بالسماعة للتهيأ بالخروج.. رفض الخروج.. بدأ يصرخ ويبكي بحرارة وهو يردد :

ـ وين أروح؟؟؟ كبرت..؟؟ لازواج..لا أولاد.. قضيت شبابي هنا.. أحببت المكان أريد البقاء هنا.. أبقوني!!!.

بكى.. وأبكانا معه.. كان ذلك اليوم يوم حزن للجميع!!.

كانت أيام صعبة.. ولت ولكنها لاتفارقني الى يوم يبعثون !!.

هنالك حلقات أخرى إنشاء الله تعالى ...