|
أهل البيت وخطاب المرحلة
السيد فؤاد الاعرجي / مؤسسة اليوم الموعود الثقافية / الكوفة المقدسة لقد قدم أهل البيت (ع) قدرة كبيرة لفهم أعمق لكل العلوم الحياتية وفق خطاب المرحلة... !!! من يراجع خطاب المعصومين (ع) من الامام علي (ع) إلى أخرهم يلمس بوضوح التباين الموجود في طريقة آراء هذا الخطاب فنهج البلاغة الذي ضم معضم خطب الأمام علي (ع) يتحدث فية الامام عن التوحيد والنبوة بشكل مغاير من حيث الآراء والأسلوب الذي استخدمه الأمام علي ابن الحسين (ع) في الصحيفة السجادية وهذا التبيان ناشئ عن اختلاف المرحلة التي عاشها كل أمام من هؤلاء الأئمة واختلاف الظروف المحيطة بهم فبينما كان الأمام علي (ع) يستطيع أن يخاطب الناس مباشرة أيام خلافته ليعالج بعض المشاكل الفكرية والعقائدية والتاريخية باعتباره خليفة المسلمين وهذا النحو من المركزية يفرض عليه شكل ذلك الخطاب إما الأمام السجاد الذي كان يعيش في تقية مكثفة بعد شهادة الأمام الحسين (ع) فلم يكن من الممكن استخدام نفس الأسلوب لأداء الخطاب فلم يكن مسموحاً أن يرتقي المنبر إمام الناس ويخطب فيهم ولا يمتلك تلك المركزية التي كان يمتلكها الأمام علي (ع) فاتجه الأمام السجاد (ع) إلى أسلوب الدعاء ذو المظامين التوحيدية العالية الذي كان يؤديه هو بصوته الشجي وبكائه الطويل حتى تقول الرواية أن المار قرب بيت الإمام (ع) يصًعق ولا يستطيع أن يغادر مكانه , وبهذا الأسلوب الخطابي الجديد وهو ليس بجديد فهناك أدعية مأثورة عن المعصومين السابقين ( ع) ولكن لم يكن التركيز على هذا الأسلوب موجود في أيامهم لوجود فسح للأساليب أخرى تتناسب مع المرحلة . إما اختيار السجاد (ع) لهذا الأسلوب فهو معبر عن وعي الإمام (ع) لطبيعة المرحلة التي كان يعيشها فالدعاء لا يمثل تحدياً صريحاً للسلطة الأموية فهي غير ملتفتة إلى ما يشكله هذا الخطاب وهذا الأسلوب من خطر على مستقبلها من خلال الفهم الذي يقدمه لتوحيد والعلاقة بالله عز وجل التي هي تفتقر إليه في خطابها مما يُصلح كوجه للمقارنة في المجتمع الإسلامي بين خصمين كل منهم يدعي أحقيته بقيادة الإسلام فأيهم أولى وأصلح الذي لا يفهم شيء من مضامين الإسلام وعن التوحيد وبقية الأصول والفروع ؟ ام هذا الذي يجعلك تُصعق وتشعر بقربك إلى الله من خلال كلماته ؟؟ هذا الاسلوب الذي كان يمثل اسلوباً للفت النضر أتجاه أهل البيت (ع) اتجاه وعي الامة الاسلامية التي تبحث في ظميرها عن القيادة التي تبعث الحق الذي كان يمثل درساً أخلاقيا وعقائدياً درساً ينسجم مع ماهو مشاهد وملموس من أخلاق الإمام السجاد (ع) من الورع والتقوى ورعاية اليتيم وصلة الجار والقريب وكفلة الأرامل والأيتام . هذا الخطاب بالقول والفعل مثل تحركاً وتكتيكياً للعمل الإسلامي الواعي الذي يستهدف إلى رفع مستوى الأمة الإسلامية وإرجاعها إلى الحق والى الإسلام الصحيح الذي ساهم شيئاً فشيئاً لبروز المدرسة الفقهية العقائدية التي أنشئها الإمام الباقر (ع) والإمام الصادق (ع) حيث تبدل أسلوب المعصومين من ذلك الأسلوب الذي يخاطب الوجدان الإسلامي ويعزف على أوتار القلوب من زوايا خفية في داخل الضمير الإنساني إلى أسلوب النقاش والمناظرة العقلية والبرهانية في العقائد والأخلاق والتفسير والعلوم الأخرى بعد إن أصبح المعصومين (ع) اقل تقية وأكثر قدرة على التوسع والتحرك بالإضافة إلى طبيعة المرحلة حيث شهدت ظهور الزندقة والفلسفات الغريبة عن الإسلام والتي تحتاج في ردها واثبات قدرة الدين الإسلامي على الصحو في وجهها إلى أسلوب أخر من أساليب الخطاب تمثل بإنشاء المدرسة الحوزوية بقيادة الإمام الباقر والإمام الصادق (ع) ومما يجدر الالتفات إليه انه ليس من المعقول إن يواجهوا ذلك المد بان يجيبوا على كل سؤال بشكل مباشر بالإضافة إلى إن بعض الأسئلة قد لا ترد إليهم مباشرة ولكنها تنتشر بشكل شبهات بين إفراد الأمة وليس هناك من سبيل إلى ردها إلا بإنشاء كوادر متخصصة قادرة على رد تلك الشبهات عن طريق تعلمها عند المعصومين (ع) فنرى مثلاً إن الإمام الصادق (ع) في توحيد المفضل يتكلم بأسلوب يختلف عن أسلوب الإمام السجاد( ع) لإثبات وحدانية الله وقدرته وصفاته وذلك لان العقلية التي يناقشها الإمام الصادق(ع) تختلف عن العقلية التي خاطبها السجاد (ع) فهذه العقلية المطلعة على الطب والفيزياء وغيرها من العلوم الطبيعية لايمكن إقناعها أو إفشال مخططاتها إلا بأسلوب يظهر قدرة الإسلام على تقديم فهم أعمق لهذه العلوم من أولئك المجادلين وربط هذه الحقائق بقدرة الله واثبات وجوده.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |