رسالة عاجلة الى دولة رئيس الوزراء وأعضاء البرلمان والكتل السياسية

المهندس قيس علي البياتي

في هذه الأيام التي يجتاز فيها بلدنا المنكوب العراق أدقّ مراحل وجوده التاريخي، لا بدّ أن يعود الإنسان العراقي ومختلف القوى والأطراف المتصارعه للعقل والحكمة ليجدوا سبيلاً موضوعياًً مقنعاً نحو الخروج من الأزمة وقطع الطريق على الهستيريا السياسية السائدة التي تقود البلاد إلى المجهول حتماً.

لقد شهدت الساحة العراقية على مدى السنوات الماضية عواصف سياسية عدّة ذات البعد الداخلي الناتج عن فشل النظام السياسي البعثي البائد وبعض القوى المتصارعه اليوم في إحتواء وأحترام الطابع التعدّدي للمجتمع العراقي، والذي شحن بالتدخلات الخارجية المتكررة والمفصّلة على قياس مجموعة أو أخرى من المجموعات العراقية.

واليوم بعد طوي صفحة الإنقلابات والحروب والإبادات الجماعية والتصفيات العرقية، وبعد أن عافوا فساداً في قيم مجتمعنا العراقي الأصيل المنفتح والخلاق، نرى أن هذه التراكمات كلها تركت أثراً كارثياً في نفوس العراقيين الذين تشربوا منها ثقافة القمع النفسي والذلّ والتبعية ولغة التخوين التي ما لبثت أن خرجت حتى عن الآداب العامة لتكوّن من يوميات الشعب المقهور مسرحية هزلية حوّلت الواقع المرير إلى أضحوكة تتلاعب بغرائز الناس وتسيّرهم.
ههنا نقف وقفة تأمل ونراقب عن كثب إنهيار قيم المجتمع العراقي وبالتالي إنهيار الأسس والقواعد التي كرست الكيان العراقي وبنيت عليها الجمهورية الضامنة لوجود وازدهار المجموعات المكونة للنسيج العراقي. نقف أمام أزمة مصيرية تضرب عرض الحائط هويتنا التعدّدية التي لطالما شوهت، وتضع مستقبل البلد والمجتمعات فيه على المحك،

ففي ظلّ التطورات الإقليمية الدامية والعالمية الضاغطة والمتناقضة، يبقى العراق الساحة الوحيدة المفتوحة على كلّ الإحتمالات. فالصراع العالمي، بين الشرق والغرب وحياكة المؤامرات والسياسات الظلامية يتترجم في العراق تناقضاُ في الثقافات وصراع مفاهيم لا تتم معالجته بالحوار الحضاري المستقيم بل بالمهاترات، أما الصراع الإقليمي بين التيار السني والتيار الشيعي وبين السيطرة الفئوية والعشائرية الكردية والرفض التركماني والمكونات الأخرى من العرب والكلدوآشوريين ينعكس تماماً وبوضوح تام في بلدنا المنهك ليطبع الأزمة المتفاقمة بين السلطة والشارع العراقي. هذه الأزمة التي يصوّرها البعض وكأنها مجرد خلاف في وجهات النظر السياسية، نقول بكل صراحة أنها تتعدى الأطر الديمقراطية في الحكم والعدالة الأجتماعية لتكون وقوداً لنزاع مفتوح بين الطائفتين السنية والشيعية في العراق اللتين تتأثران بلا شك بالإرباكات التي يعاني منها المحيط والأكراد مع التركمان ومعهم العرب والكلدوآشورييون.

في هذه المعادلة الصعبة والحرجة التي لا نستشرف لها حلاً قريباً، نستفقد واجب الوطنيين والليبراليين والعلمانيين والقوى الدينية الحكيمة والمراجع الدينية الكرام في التعاطي الواقعي والفعّال تماماً وبسرعة كما قاموا به لإبقاء الجمهورية وحماية الصيغة العراقية من كل المحاولات التي هدفت إلى إسقاطها وتحويلها إلى وهم.

نعم، نستفقد دور هؤلاء الريادي والحازم للخروج من الأزمات وفرض الحلول لا للتعايش مع الأزمة ومشاريع الحلول كما هو حاصل اليوم. فالإنقسام الحاد الذي يشهده العراق بين الشارع السنّي والشارع الشيعي المضاد ..الشارع الكردي والشارع التركماني الرافض لمطالبهم في الأستحواذ على مدينة كركوك، ولكلّ منهم مشروعه الخاص للمستقبل وللحكم وإدارة شؤون الدولة بما يعود بالنفع على جماعته

يجعلنا نتساءل حول هوية العراق الذي يريده الوطنيين لهم ولسائر العراقيين المنكوبين والمظلومين على مرٌ العقود؟

نتساءل عن أسباب تنازلهم المخجل عن حقوقهم الطبيعية عبر التهاون في إغراق البلاد أكثر فأكثر في وحول الإنقسامات العبثية وعواصف التدخلات والقرارات الأجنبية التي تنذر بغد لا يطمئن؟ ألم يحن الوقت بعد للخروج من إطار الذمية وكل أشكال التبعية للمحاور المتناحرة التي تتجاذب فيما بينها وتقضي على كلّ أمل الوطنيين في إستعادة مكانتهم في العراق بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء المتعمّد؟ ألا تكفي المعطيات الحقيقية والملموسة على الأرض لتبرهن أنّ الأزمة الحادة التي نعيشها هي تكرار مشابه للأزمات الكارثية التي طالت العراق من وراء حماقة الحكومة المستبدة

ألم يكفي شعباً، مآس كالتي شهدها تاريخهم منذ أربعون عاماً وأكثر حتى يمارسوا نقداً ذاتياً ويحددّوا أولويات وجودهم الحرّ الكريم في العراق ضماناً لهم وللمجموعات العراقية الأخرى التواقة إلى الحرية؟
هذه الأسئلة مطروحة اليوم أكثر من أي وقت مضى خصوصاً وأنّ التصوّر الحقيقي للدولة العراقية الجديدة ، الضامنة لحقوق الجميع والعادلة، غائب إلى حدّ ما في ظلّ الإصطفافات الطائفية والقومية والعرقية الضيقة ليس فقط في العراق بل في المنطقة.

لقد آن الأوان لوقفة عزّ وطنية بعيدة عن المصالح السياسية والمكاسب الفئوية الضيقة التي لم تبن يوماً وطناً نحلم بالعيش في ربوعه بكل حرية وأمان. آن الأوان للمصارحة الحقيقية بعيداً عن الرياء والتلطي خلف الشعارات الرنانة كالوحدة الوطنية التي لم تكن سوى وهم من أوهام
الجمهورية العراقية.

آن الأوان ليطرح العراقيين الغيارة من الساسة والتكنوقراط هواجسهم بكل دقة وموضوعية ليضعوا حداً للطريقة الني ينجرّ فيها قادتهم وبعض من مناصريهم اليوم وراء تحالفات غير متكافئة تحجّم دورهم وتنهش طاقاتهم الوطنية وتمارس أخطر عملية تحريف وإستغلال تطال تاريخ نضالهم.

إن طرح الهواجس لا يعني الإنكفاء على الذات أو التطرف، بل هو مدخل للمصارحة الوطنية الكفيلة بتصحيح الخلل في النظام العراقي الوحدوي ذات الطابع التصادمي، والتطلع إلى أسلوب دستوري جديد في إدارة لبنان التعدّدي
الدعوة صادقة من أجل اليقظة والإبتعاد عن
الغوغائية والتشكيك ببعضنا البعض. إن بلدنا الجريح يستحق من كل المخلصين الوعي والحكمة من أجل إستدراك المخاطر المحدقة بمصير هذا البلد الذي يتعرض الآن لأقسى خطة هادفة لتغيير معالمه الحضارية ونسف رسالته في الحرية ومثاله في التعددية.العراق بحاجة إلى لفتة صادقة تجنّبه الفوضى التي ستنبع من حرب الشوارع الغير معلنة بعد في
.حال قرّر المتناحرون ذلك
العراق بحاجة إلى جمهورية حقيقية، حضارية تحترم الحريات الجماعية وتحرص على التعدّدية
الفكرية والثقافية لمجتمعنا، جمهورية يريدها فعلاً الضمير العراقي الحيّ ويستحقها شعبها المنكوب والمغلوب على أمره

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com