ثقافة التفجير والتكفير .. من المسؤول!!؟

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

التفجيرات العنيفة والتي هزت الجزائر والمغرب تبدوان كحلقتين في سلسلة مرشحة لإن تكون عنيفة وطويلة. شباب في عمر الزهور يفجرون أنفسهم وسط حشود مدنية لينتقلوا الى العالم الآخر مخلفين وراءهم الكثير من الدمار والبؤس وعلامات الاستفهام والاستغراب. من عاصمة عربية الى اخرى تنتقل عدوى التفجيرات وترتفع الاصوات الرسمية لتعلن حربا ضروسا على الارهاب متزامنة ومتناغمة مع الاصوات الامريكية وكأن المعركة واحدة والمصير مشترك. من المسؤول عن انتشار ثقافة التفجير والتكفير عند قطاع عريض من الشباب؟ وهل تكون الحلول الامنية والمواجهة الحازمة سبيلا فعالا واداة ناجزة في إستئصال شآفة "الارهاب" والقضاء عليه؟

بتقديري هناك ثلاثة عوامل رئيسية ادت وما تزال لبروز ظاهرة التطرف واقبال جموع من الشباب العربي والمسلم الى الالتحاق بالجماعات "الجهادية" والتي ترى في الاعمال العنفية والتفجيرات سبيلا لتحقيق اهدافها او تفعيل جهادها. الاحتلال والظلم والاهانة المستمرة والتي عانت وتعاني منها الامة العربية شكلت رافد مهما لضخ مشاعر السخط والكراهية والرفض والرغبة في المواجهة عند قطاع عريض من الشباب بل ومن الفئات العمرية المختلفة.

 احتلال فلسطين وتهجير الملايين من الابرياء الى الشتات وتنشئة أجيال عريضة في مخيمات تفتقد الى مقومات الحياة الطبيعية والكريمة, والمجازر المتكررة بحق ابناء الشعب الفلسطيني من دير ياسين الى صبرا وشاتيلا وغيرهم والنكوص بالوعود المقطوعة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتجاوز القرارات الاممية والتي تحمل شئيا من الانصاف النسبي ولو ظاهريا. مأساة البوسنة ومجازرها والاعتداء على اعراض المسلمات وخيانة الامم المتحدة والغرب لسربرينتا بعد تجريد المسلمين من بقايا اسلحة يمتلكونها وتمكين الذئاب الصربية من القيام بواحدة من ابشع مجازر العصر الحديث. المصائب والمظالم التي لحقت بالعالم الاسلامي كبيرة وعظيمة وكثيرة غير ان من اكبرها جريمة التدمير المنهجي للعراق. فبعد ان جُر النظام العراقي لإحتلال الكويت وتم تدمير البنى التحتية للعراق تعرض العراق لحصار ظالم وجائر أدى لمقتل مئات الالآف من اطفاله وشيوخه. وبعد أن انُهك العراق دفعت الولايات المتحدة وبريطانيا الامور للتصعيد المبرمج تمهيدا لغزو العراق واحتلاله وتفتيته ونهب خيراته. الاذلال المتواصل للعراق عبر مجلس الامن وقرارته ومفتشيه ملأ القلوب بالحقد وشحن النفوس بمشاعر خرجَّت في العراق وغيره إنسان الدمار الشامل والذي يتعامل مع الموت كما يتعامل الطفل مع الدمى. المجتمع الدولي والذي شرع الاحتلال الامريكي-البريطاني والذي تم تحت ذرائع ثبت كذبها وبطلانها والتهافت الغربي على القيام بمشاريع وصفقات في العراق بعيد احتلاله اثبت ان انعدام القيم الاخلاقية والمبادئ ليس محصورا بالادارة الامريكية وتابعها بلير. المواطن العربي راقب ولعقود الاستهتار الغربي والاسرائيلي بحقوقه والاذلال المتواصل لأمته بينما هو محروم من حقه حتى في التعبير عن غضبه وغضبته لمسلسلات الظلم والامتهان والاحتقار وإن كان عبر التظاهر والصراخ. 

العامل الثاني والمسؤول عن استفحال ثقافة التفجير والتدمير هو الانظمة العربية, تلك الانظمة المتكلسة والمترهلة والفاسدة والتي نجحت في تدمير مقومات الدولة وتحطيم إنسانها وفشلت تماما في كل المجالات وعلى سائر الاصعدة: الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والسياسية. انظمة تقف عاجزة تماما في الدفاع عن مصالح الامة وكرامتها وتتلقى التعليمات والاوامر من الغرب وعلى الاخص الولايات المتحدة بصغار عجيب في الوقت الذي تتعامل مع مواطنيها وتعاملهم بقسوة بالغة وبقبضة من حديد. إنتشار الفساد الاداري والعمولات والرشاوي في غالبية الدول العربية مع تفشي الفقر المفجع متصاحبا مع تصدر المسؤولين العرب لقوائم الاثرى عالميا وانعدام الافق امام جموع الشاب العاطل عن العمل وانتشار ثقافة النفاق والتطبيل في اعلام يستأجر الاقلام الرخيصة والاصوات الناعقة والتي يكون واجبها ووظيفتها تسويق الوهم وقلب الحقائق. الاوضاع العربية خصوصا من جهة التضييق على الحريات الشخصية وانعدام الامل في التدوال على السلطة والتي يمسك بزمامها "ظاهريا" في كثير من المواقع معوقين نفسيا وذهنيا دفع وسيدفع بكثير من الشباب للانخراط بصفوف الباحثين عن الامل وسط ركام الموت والقتل العبثي.

نكوص كثير من العلماء عن القيام بواجباتهم والتراجع الى الصفوف الخلفية ودخول بعضهم الى حلبة المنافسة مع الاعلاميين لنيل رضا السلطة والمساهمة في نشر عمى الالوان الفكري والذي يجعل ممن ينهبون الامة وثرواتها ويدمرون حاضرها ومستقبلها القادة الملهمين والخلفاء الراشدين, ادى بكثير من الشباب الى الاعراض عن اولئك العلماء واللجوء والاستماع الى الشباب الساخط والذي يصدر الفتاوى النارية والتي تبيح القتل وتستعذبه وتراه جهادا ومجاهدة. تقصير العلماء ليسا مقصورا على علماء السلطة بل وحتى يشمل التيارات الاسلامية والتي كان من واجبها ان ترفع الصوت رافضة قتل الابرياء إن كان في نيويورك او لندن او تلعفر وبغداد والاعظمية او في النجف وكربلاء وغيرهم. ذلك لإن معالجة الظلم مهما كان طاغيا لا يكون بظلم مهما بدا مبررا. فعندما يغيب التفكير السليم وتغيب المبادئ تتشابك الامور كما حصل في الجزائر في التسعينيات وكما يحدث الان في العراق في بعض المواقع ويختلط الحابل بالنابل ويضيع الجهاد المشروع والمقاومة الواجبة مع عمليات القتل الاجرامية والوحشية. وترتد العمليات الطائشة على اصحاب الحق المشروع ويصطبغ الفكر الناصع والحق الابلج بدماء قد تكون طاهرة فنقع في دوامة من القتل المجاني والتدمير الذاتي والذي يصبح الاحتلال -على وحشيته وفجوره- مقارنة به مقبولا بل وربما مرغوبا.

المؤلم ان غالبية الاعمال التفجيرية والتدميرية تقع في بلادنا وغالبية ضحاياها من مواطنيننا ممن ليس لهم فيما يجري ناقة ولا جمل. مواجهة الافكار التدميرية وثقافة القتل واجب علينا جميعا, غير ان المواجهة الامنية العنيفة بواسطة اجهزة امنية تفتقر لمعايير مقبولة فيما يتعلق بحقوق الانسان واحترام كرامته  قد تؤدي الى نتائج عكسية تماما على المدى البعيد وإن بدت نجاعتها بشكل فوري او مباشر او ظاهري. فإذا بقيت عوامل رفد العنف على حالها فقد تكون الاجيال التفجيرية القادمة اشد عنفا وفتكا من سابقاتها وقد تلجأ لإستخدام اسلحة تدميرية فتاكة او تبتكر عمليات جنونية مهلكة. فإذا كان العالم معني بمواجهة الارهاب كظاهرة عالمية فيجب التوقف عن ممارسة المعايير والمزدوجة وتشريع ارهاب الدولة سواء كانت الممارسة اسرائيلية او امريكية او من غيرهما. ومن واجب المجتمع الدولي ايضا رفض وشجب جرائم الاحتلال ومجازره وانتهاكاته لحقوق الانسان وكرامته. الانظمة العربية في غالبيتها غير معنية بمواجهة حقيقية لظاهرة الارهاب بقدر عنايتها بإسباب بقائها متسلطة على الحكم وعابثة بمقدرات الوطن الاقتصادية وثرواته الطبيعية, من هنا فلا يمكن التفاؤل بدور إيجابي رسمي في مواجهة حقيقة ومنطقية مع "الارهاب" ومبرراته. من هنا يجب ان يعول وبشكل رئيسي على الطبقة المثقفة وعلى علماء الامة ومفكريها في محاصرة الافكار التدميرية من خلال معالجة جذرية لها. ففي الوقت الذي يتوجب على المفكرين والرواد رفض عمليات القتل والتدمير, فمن الواجب عليهم ايضا ادانة ارهاب الانظمة وتعسفها فيما يتعلق بإحتكار الحكم والتعامل مع الوطن كمزرعة ومع المواطن كتابع ورقم مهمش وتقديم الدعم الصريح والواضح للمقاومة المشروعة ورفض سياسة الحصار المفروض عليها وتجريم الانظمة العربية التي تذعن للاوامر الامريكية في حصار الشعب الفلسطيني والتضييق عليه.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com