قوانين الأسرة بين التقديس والواقعية

المحامية سحر الياسري

saharmahdi@hotmail.com

قوانين الأسرة أو ماتعرف في البلدان العربية والإسلامية بقوانين العائلة أو الأحوال الشخصية كانت دوما تعالج على الصعيد الفقهي وفقا لمنطق الفقهاء التقليدين في الاستنباط والتفريع ولم يكن تأصيله ورده إلى أصول نظرية يتجاوز آفاق أصول الفقه،وفلسفة التشريع، والخلافات الفقهية،وبالرغم من صلة نظم الأسرة وأحكام الأحوال الشخصية بقضايا الاجتماع والاقتصاد،وعلم النفس،ومن عمق التحولات الحضارية والاجتماعية والاقتصادية با لرغم مما حققته هذه العلوم من تقدم في مضمار المنهج والمنهجية العلمية.

أن إضفاء صبغة القدسية التي تمتاز بها العقائد على أحكام قوانين الأسرة والأحوال الشخصية يرجع في الغالب إلى صلة هذا الجزء من النظم الشرعية الأعراف والتقاليد القبلية وبالعقيدة وهذا شكل مصدا قويا بوجه الاقتباس التشريعي من الأنماط القانونية الغربية.

وأختلف موقف المشرعين المسلمين باختلاف مواقفهم الأيدلوجية من حركة التجديد التشريعي،ففي تركيا أستبعد النمط التشريعي الإسلامي واستعارت في مختلف نظمها القانونية الخاصة بنظم الأسرة التشريعات الغربية واعتبرت هذا التوجه القانوني هو الطريق الوحيد للحاق بركب الحضارة المعاصرة،لذا أقتبس قانون العائلة أحكامه من النظم السويسرية ولم يتبق من النظم الإسلامية في تركيا العلمانية سوى مؤسسة الإفتاء والأوقاف وإدارة الشؤون الدينية. أما باقي البلدان الإسلامية فقد حافظت معظمها على الصلة بين قوانينها المتعلقة بأحكام الأسرة والأحوال الشخصية وبين الفقه الإسلامي وكانت في البداية قاصرة على الاقتباس من فقه مذهب بعينه تحرص الدولة على اتخاذه مذهبا رسميا وتتعصب له بشكل أعمى على سائر المذاهب. وقد جرت حركة حثيثة بفعل التغيرات السياسية والاقتصادية التي حصلت في هذه المجتمعات وحركة التحرر النسوية وتأثرها بوضع النساء في الغرب وانتشار التعليم أعادت النظر في قضية التمسك بمذهب معين وأنطلق المشرعين بالبحث والتنقيب في التراث الإسلامي وتوثيق جميع المذاهب الإسلامية والاستفادة من تراثها الفقهي, ولكن رغم أنعتاق المشرعين من ربقة المذهب الواحد بقيت قضايا الأسرة والأحوال الشخصية منطقة مغلقة لايسهم فيها المفكرون المعاصرون والعلماء المختصون مساهمة جادة وفقا لمناهج العلوم الحديثة وما أحرزته من تقدم في دراسة أنماط العائلة والزواج وأثر التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

السؤال المهم هنا هو لماذا هذا الموقف المحافظ هل هو حبا بالتراث أم خوف من التغيير؟

النظم القانونية هي في الأصل ظواهر اجتماعية تمر بمراحل تاريخية من التطور تخضع للنظرة الواقعية للمعضلات الاجتماعية من مختلف جوانبها الواقعية التحليلية ولا تخضع للمنظور المثالي والتسبيح في السماوات السبعة فالفرد في حياته ومعضلاته اليومية لايخضع للمثالي فقط فهو لايغطي كل وقائع حياته في عالم متسارع في التغيير وكم هائل من المشكلات التي تعترضه يوميا، أن الإجابة على كل أسئلة المسلم المعاصر لايمكن أن تنطلق من وجهة نظر محددة سلفا أي بالانحياز لاعتبارات مسلم بها مسبقا دون تحليل علمي صائب.

لقد تطورت بنى الأسرة المسلمة من حيث كونها ظاهرة اجتماعية واقتصادية في مرحلة مخاض عسير بين الجمود وبين عالمها المتغير بسرعة كبيرة لا عن مسلمات دينية مقدسة تجعل كل تمحيص لأي معضلة عسيرا لتسترها بفكرة العقيدة والقدسية.

العقيدة لها قدسيتها نسلم بذلك من منطلق احترام فكر الأخر وكوننا مسلمين ولكن لن نرضى أبدا أن تكون ذريعة تقف بوجهه تطور نظام الأسرة المسلمة وتجمد ه وتديم القيم والنظم المتوارثة،ويجب أن يدرك المشرع المسلم أبعاد التحولات الحضارية والاقتصادية والاجتماعية بعد أن أتسع التعليم و نالت المرأة منه قسطا كبيرا من حرية الفكر والعمل وأصبحت على قدر كبير من المساواة مع الرجل وحققت استقلالها الاقتصادي، لقد تحول العالم إلى قرية صغيرة بوسائل الاتصال الحديثة ولايمكن أن نغلق أبوابنا بوجهه رياح التغيير مهما حاول حراس التراث تحجير نظمنا التشريعية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com