|
الكذبة المفقودة سعد الركابي تتشاطر الشعوب والمجتمعات احيانا اشكالا من العادات والتقاليد مثلما تتشارك في موضة ملابس معينة ...ربما يختلف ارتباط هذا المجتمع او ذاك بتقليد معين ولكن ذلك الاشتراك يمنح بعض التقاليد والممارسات صبغة العالمية...كذبة نيسان التي نمر عليها مرور الكرام هي واحدة من تلك الممارسات العالمية التي تتخذ في بعض الاحيان اهمية كبيرة في حياة بعض المجتمعات الى الدرجة التي قد يشارك في طقوسها السياسي والاعلامي والاديب ورب العائلة والطالب وغيرهم . العديد من المجتمعات الغربية يتسابق افرادها لاطلاق اغرب وافضع انواع الكذب للاحتفال في المناسبة ومنهم من يعد العدة قبل اسابيع وربما اشهر لكسر طوق الروتين ….أو بعبارة اخرى لكسر طوق الصدق … الا يعني الحنين الى كذبة واحدة في العام شحة الكذب على ارض الواقع … الا يعني ذلك ان الجميع يكاد ان يشتركون في انهم على الأغلب صادقين والا لماذا يبحثون عن شهر للكذب! كنت اسمع في صباي عن كذبة نيسان فأتصور ان الله لن يلقي بنا في النار اذا كذبنا في هذا الشهر …وأتسائل ان كان لكل شهر من اشهر السنة عفوا الهيا عن ممارسة محرمة اخرى …هل يفعل الله ذلك ..في الحقيقة لم يكن الأمر يثير أهتمامي ….ماكنت واثقا منه تماما هو ان نيسان وكذباته معفوة من اي مسائلة او حساب ارضي او سماوي… ومع مرور الاعوام صرت افتقد الى كذبة نيسان بشدة ...صارت تلك الكذبة جزءا من الماضي ...فهل اصبح المجتمع مثاليا في صدقة الى الدرجة التي صار نيسان يستحي من اطلاق كذبته اليتيمة؟ ام انها انسحبت بعد ان تحولت شهور العام كلها الى نيسان وصار العالم من حولنا سيلا من الاكاذيب…!!! كنا نحتفل في المدارس كل عام بافراح نيسان والتي تبتدأ في السابع منه ولا تنتهي الا في الثامن والعشرين …فنيسان الذي ابتلي بولادتين مشؤومتين تحول الى شهر للتبجيل والاجلال طالما انه انقذ الوطن العزيز من البسطاء الكاذبين في نيسان . … كذبة نيسان لم يعد لها اي وجود ...ربما نصحها بعض العقلاء بالنفاذ بجلدها خوفا من زعيم الكذب وربما يكون قد قضي عليها في مكان ما… لا احد يدري بالضبط ما ذا حل بها …كل الادلة تشير الى انها منذ ذلك الحين اختفت من العراق وان البديل المناسب هو (كذبة من كذبة) لا تكتفي بنيسان ولا تعرف التوقف عند حد ما لانها كذبة عظيمة حولت الاعوام والشهور بل حتى الحظات الى كذبات تستنسخ نفسها وتستعمل الوف الاقنعة … نيسان وتموز وشباط وايلول واب وايار وحزيران وكانون واذار وتشرين … التمييز صعب جدا بين الاشهر التي تولد فيها كذبة جديدة او لا تولد … لم يكن هناك اي داع للامعان في التفكير بالكذبة واخواتها مادامت الحركة الاعرابية واحدة وما دامت الكذبة المبجلة هي المعبود الذي تستلقي تحت اقدامه كافة الحقائق والاكاذيب والتي بدات في السابع من نيسان واستمرت معلنة انها لن تتوقف الا في الثاني والثلاثين من الشهر الثالث عشر من السنة العراقية حيث سيولد الاله ذي التسعة والتسعين اسما .... عندما شاهدت في التلفاز سقوط الصنم في ساحة الفردوس كنت اخشى ان تكون كذبة نيسان قد عادت في ذلك اليوم …ولكني بعد ان تأكدت ان ما حدث لا علاقة له بالكذبة المفقودة ...تمنيت ان تعود من جديد. ...اعتقدت بأن القادمين من الغرب والمعروفون بحذقهم في الكذب سيدفعون تذاكر السفر لعودة الكذبة ان كانت من المغتربين او سيحللون الدي ان اي لكل رفات المقابر ليتاكدوا ان كانت قد لقيت حتفها ...ولكن المؤسف ان ايا من ذلك لم يحدث ...وعرفت بأني قد اكون ساذجا جدا عندما اخلط بين كذبة نيسان البريئة التي عرفتها عندما كنت صغيرا والتي تعفي من يطلقها من الذهاب الى عذابات الله وبين كذبة ابريل … لقد جاء القادمون بكذبة ابريل ….أما نيسان فكذبته لم تاتي بعد حتى بعد اربعة اعوام من نهاية عصر الكذب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |