|
هل يمكن اعادة العقول العراقية المهاجرة الى الوطن؟
أ.د. محمد الربيعي في "صوت العراق" مقالة عن المهاجرين العراقيين ينقل فيها كاتب المقالة عن احد العراقيين المتواجدين في الاردن انه "بعد اربعة اعوام على الغزو الامريكي للعراق يقول محمد الذي لجأ الى الاردن قبل عام هربا من العنف والقتل والخطف والتفجيرات اليومية انه لن يعود ابدا اذا ما بقيت الامور على حالها. ويقول "هذا لم يعد بلدا. أصبح مكانا مهجورا تملؤه الدماء. لن اعود واتعرض للقتل". لا يمكن نفي حقيقة ما يحصل في العراق اليوم من انعدام الامن وتصاعد العنف الطائفي مع قلة وسائل التنمية الاقتصادية وسوء الخدمات الصحية وغيرها من المشاكل التي لا تعد ولا تحصى بحيث اصبحت البلاد مسرحا للعمليات الارهابية والصراعات الدموية وعمت الفوضى وانتشر الخوف بين الناس ولم يعودوا مطمئنين على راحتهم وعلى أنفسهم وممتلكاتهم، ذلك أن هذه الحالة تلقي بظلالها على الشارع العراقي ومنذ سقوط النظام الصدامي، وتحولت بعض المناطق الى بؤر يتنامى فيها الرعب والارهاب بكيفية مهولة وتطول عمليات الاغتيال الاختصاصات الاكاديمية والطبية. وأصبحت ظاهرة خطف واغتيال الأكاديميين ظاهرة متكررة مما أدى الى اضطراب الأجواء الجامعية وازدياد الصراعات الشخصية والطائفية. ولقد أدى هذا العنف وانعدام القانون الى نزوح غير مسبوق للاكاديمين العراقيين لملاذات أمنة في الخارج. الا ان الكثير منها بدات بالهجرة بسبب انعدام الامان وجراء التهديدات واعمال القتل التي اتت بحياة العديد من اساتذة الجامعات والاخصائيين. واستنادا الى تصريح للدكتور قيس جواد العزاوي إن 232 أستاذا جامعيا قتلوا وهاجر أكثر من ثلاثة آلاف آخرين إلى خارج العراق، فيما اختفى 56 آخرون منذ نيسان 2003. وتسببت احداث العنف باتخاذ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قرارا بإغلاق 152 قسما علميا وإلى زيادة نسبة غياب الطلبة بنسبة 75 بالمئة خاصة بعد استهداف الجامعة المستنصرية صيف 2006. اني اتسائل هل سيبقى احد في عدد غير قليل من الجامعات العراقية اذا ما استمر الارهاب يستهدف هذه الجامعات والقتل والخطف يهدد حياة كل اكاديمي وحياة عائلته؟ هل الحكومة على معرفة بماذا سيكون مصير الحياة العلمية والثقافية في العراق ومصير الشريحة المثقفة ومصير الوعي العلمي والثقافي اذا استمرت فئات هذه الشريحة بالهجرة الى خارج العراق؟ وهل تعرف الحكومة العراقية والاحزاب والقوى السياسية العراقية بما سيحل من تغيير في تركيبة المجتمع العراقي عندما يهاجر المثقفون والعلماء واصحاب الحل والعقد تاركين البلاد للارهابيين والطائفيين والمتطرفين والمنتفعين والرعاع يعيثون في البلاد فسادا وعبثا وينهبون الدولة والشعب. هل تعرف السلطة ان موت او هجرة اكاديمي واحد يعني فقدان ثروة وطنية وخسارة لا تعوض للجامعة وحرمان تعليم وتربية حقيقية لمئات من الطلبة، وكلما زاد عدد الراحلين من الاكاديميين كلما تدهور مستوى الجامعات ومستوى شهاداتها وازدادت الفجوة بينها وبين جامعات العالم ؟ وهل تعرف السلطة ان هجرة العلماء من اصحاب الفكر النقدي والتقدمي يؤدي الى تحول الجامعة لمجرد مكان لتلقين المعارف الجاهزة ومعقلا لركود الفكر والافكار الجاهزة والقناعات النمطية والتفكير الشمولي؟ واذا ألقينا نظرة سريعة الى نتائج العزلة والهجرة منذ فترة الحصار الاقتصادي والى يومنا هذا لرأينا واقعا مؤلما يتميز بفقر الامكانيات البشرية والمادية وبانعدام الحوافز والدوافع للبحث والتطوير، فجل اهتمام الاكاديمي العراقي هو الامان. وبصورة عامة عانى العالم العراقي في زمن البعث ولايزال يعاني من ضعف مستوى التدريب ومواكبة التطورات العلمية مما ادى ذلك الى توقف البحث العلمي الرصين فلم نعد نرى بحثا يتيما في مجلة عالمية مرموقة مما يؤكد تصورنا ان مساهمة العراق في الانتاج العلمي العالمي ومنذ عقدين من الزمن لم تزد عن الصفر، وارجو المعذرة ان لم اكن دقيقا في هذا الجزم. وبسبب هجرة العلماء الدائمة ظهرت مشكلة فقر عدد خبراء التدريس والمبدعين وقادة البحث العلمي حيث يشغل دورهم اليوم كثرة من المفسرين والمطبقين وحملة شهادات الماجستير والدكتوراه الوطنية وهذه العقول العلمية المتخصصة بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها في الارتقاء بمستويات التدريس لا تمتلك الخبرة الكافية والاحتكاك العلمي العالمي وهي تحتاج الى تدريب عالي سواء لتجديد معارفها او لزيادة تخصصها وتعميق معلوماتها. وبصراحة يبدو ان استمرار مثل هذا الوضع ادى الى تدهور الجامعات الى مستويات الدراسة الثانوية وكليات التدريب المهني الاساسي، لكن وزارة التعليم العالي بسياستها الصائبة في ايفاد اعداد كبيرة من التدريسيين الى الخارج ولفترات تدريبية طويلة نسبيا سيساعد لدرجة كبيرة في الحد من هذا التردي ولربما عكس مساره. ويبدو ان الحل الرئيسي لوقف هذا التدهور المريع هو وقف هجرة العقول الخلاقة العراقية وسحب ما هو متوفر منها حاليا في الخارج واستقطابها لغرض استغلالها في التدريس الجامعي والاشراف على مشاريع البحث والتطوير والانتاج. ولا يتم هذا بالتمني او برفع شعارات الوطنية والتضحية من اجل الوطن وانما بتوفير الأمن لهم ولعائلاتهم أولا، الامكانيات المادية العلمية ثانياً ودفع رواتب مغرية للتدريسي وبما يعادل المستوى العالمي ثالثاًً. ولربما من المفيد اجراء دراسة لمعرفة مستويات العقول العراقية ووظائفها وعددها وتوزيعها في البلدان الغربية والعربية وتحديد الاسباب التي ادت بهذه العقول للهجرة واسباب عدم رجوعها الى الوطن بالرغم من ان هذه الاسباب في معظمها تبدو متعلقة بانعدام الامن لان اية سياسة صائبة لابد ان تعتمد على احصائيات ودراسات واقعية. وهنا اود ان اطرح بعض الاسئلة التي ارى ان اجابات شافية لها سيساعد الجامعة والوزارة والحكومة على درء خطر استنفاذ العقول العراقية والذي هو متوقع استمراره ولربما بوتائر اسرع في الظروف الدموية الحالية: اما مسألة استقطاب العقول المهاجرة فهو ليس بالعمل السهل في الوضع الحالي ولابد اذا من مشروع عملي بديل لغرض تحفيز المهاجرين العلميين على استثمار طاقاتهم داخل العراق وذلك بالاستناد الى خيار بقاء هذه العقول في الخارج كبديل عن خيار العودة لاعتقادي بان هذا الاسلوب هو الوحيد القادر فعليا على الاستفادة من العقول المهاجرة لانه حل منطقي وعملي وهو حل ملائم لاصحاب الكفاءات المهاجرة التي تريد خدمة وطنها مع بقاءها في الخارج او حتى في المناطق الامنة بداخل العراق. ويستهدف خيار بقاء العقول في الخارج (او المناطق الآمنة من العراق) على اشراكهم في التدريس والاشراف على الدراسات العليا عن طريق "التعليم عن بعد" وطرق ايصال المعرفة الاخرى. ويمكن نقل الطلبة لفترات قصيرة الى المناطق الامنة حيث يتلقون من اساتذتهم دروسا مكثفة لفترة قصيرة ليعودوا بعدها الى مناطقهم الاصلية. وهناك حلولا اخرى غير تقليدية وغير اعتيادية يمكن ان تساهم في تخفيف شدة الازمة الا انها تحتاج الى قرارات شجاعة قد لا تحضي بتأييد القيادات السياسية. الا انه بدون سياسة علمية واضحة بهذا الصدد ستبقى هذه المحاولات والجهود فردية ومشتتة لا تستفيد استفادة قصوى من الطاقات المتوفرة ولا تتناسب مع جدية وزارة التعليم العالي في الاهتمام بالعقول المهاجرة. ولاني لا احب ان اكتب عن مشاكل التعليم العالي وعن مأساة الاكاديميين العراقيين كما تكتب الصحافة عنهم وكما تفعل بعض منظمات التضامن من دون تقديم حلول عملية، ولاني اريد ان تكون هذه المقالة منطلقا لنقاش موضوعي وعلمي حول ازمة التعليم الجامعي في العراق لذلك سأحاول أدناه أن اطرح مشروع بصورة نقاط أساسية لكي يكون هذا المشروع محور نقاش لاجل التوصل لافضل صيغة لاستثمار الطاقات العراقية المتواجدة في الخارج:
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |