من دفتر ذكرياتي في أبو غريب / (زيارة وفد من ألأمم المتحدة الى / قسم ألأحكام الخاصة .. غريبة)  (9)

جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

ياترى هل كانت السلطة السابقة تسمح للمنظمات ألأنسانية وغيرها من زيارة السجون والمعتقلات العراقية ..؟؟ حتى لو سمحت.. ياترى كيف كانت تتم تلك الزيارات ؟؟؟ ... لنرى !!.

**********

 بين فترة وأخرى كنا نسمع من ( ألأهل والحرس) بأن هنالك وفداً رفيع المستوى قد وصل العراق وفي نيتهم القيام بجولة في السجون والمعتقلات في المقدمة / أبو غريب .. وعلى أساس هنالك أتصالات بين الوفد ووزارة الخارجية والجهات المختصة حول الموضوع .. في كل مرة كنا نسمع هذه ألأخبار.. ولكن من غير نتيجة !!.

في شتاء / 1996 لاحظنا حركة غير طبيعية .. حيث وجود وجوه ( غير مألوفة ) في أروقة المعتقل .. ناهيك عن القيام ببعض ألأجراءات التي كانت جميعها غريبة ومنها :

ـ تنظيف البناية بواسطة عمال ومجموعة من شباب القسم .

ـ رش المبيدات و( معطر الجو ) في الممرات والحمامات .

ـ طلبوا منا أن نرتدي أفضل الملابس .

ـ نسمع ولأول مرة كلام لطيف ( أستاذ .. من فضلك .. رجاء ... الخ ) من الكلام الغريب والعجيب !!.

ـ هيأوا عدد من ( القدور وطباخات كبيرة ) وبدأوا بطبخ كميات من الرز والخضراوات واللحوم !!.

بعد فترة حضر مدير القسم وأجتمع بنا وقال :

ـ أخوان  ( لأول مرة نسمع أخوان ) .. اليوم راح يجي وفد من ألأمم المتحدة لزيارة القسم .. سيوجهون بعض ألأسئلة ..أريدكم ( تبيضون وجوهنا ) .. نحن أخوان.. وإذا مابدر شىء منا نحن ( عبد مأمور ) نطلب المعذرة.. وأحذركم ( هنا عاد الى طبعه ) من أية محاولة للكذب والتضليل .. النتائج تكون وخيمة .. أنتبهوا .. لقد أعذر من أنذر !!.

أي كلام هذا ..؟؟ من جهة كلام لطيف .. والخاتمة تهديد .. لايهم لكوننا تعودنا على أساليبهم .. ماباليد حيلة !!.

بعد ساعات حضر ثلاثة أشخاص.. أمرأة في العقد الخامس من عمرها.. ورجلان كانا أكبر سناً .. معهم عدد من ( ألأفندية ) كمرافقين وكانوا من وزارة الخارجية وجهاز المخابرات وألأمن العامة !!.

الجميع كنا في الساحة.. المتحدثة كانت المرأة.. كانت تتحدث بعربية طليقة / عربي نحوي .. على ألأكثر كانت من النرويج ، أو السويد !!.

قالت :

كنت أتمنى أن أرى عدداً أقل منكم.. ولكن ..ما العمل ..؟؟.

تفضلوا الى غرفكم.. سنزوركم جميعاً !!.

عدنا الى الغرف.. وفعلاً قامت بزيارة عدد من الغرف.. وأخيراً قالت للمرافقين:

ـ أتركوني وحيدة .. أريد أن أجتمع مع هذا الشيخ!!.

والشيخ .. كان رجل في العقد التاسع من عمره.. كبير السن وتعبان يعاني من عدد من ألأمراض وأسمه / أبو عصام ( عوني جاسم ) من أهالي بغداد.. صحفي قديم .. كان صاحب جريدة  ، وقد حكم عليه بالمؤبد / عشرون عاماً بسبب تهجمه وشتمه للقيادة العراقية السابقة !!.

في البداية رفض المرافقون ألأنفراد بأبو عصام.. ولكن بعد أتصالات سريعة ، حصلت الموافقة !!.

ألأمرأة كانت ذكية.. أختارت غرفة أخرى لأجراء اللقاء خوفاً من زرع ( لاقطات ) وبالتالي يكشف الحديث!!.

دخلوا مع أبو عصام.. وبدأوا يتكلمون معه لنصف ساعة أو أكثر..!!.

حينها أستأذنوا وخرجوا..!!.

بعد خروج الوفد، طلبوا ( أبو عصام ) الى ألأدارة فوراً.. بقى هناك لمدة نصف ساعة عاد وهو يبتسم !!.

أجتمعنا حوله وطلبنا منه ماجرى ، قال :

ـ لقد سألوني عن الوضع فقلت لهم كل شىء تمام والمعاملة جيدة وألأكل ممتاز.. لاينقصنا شىء .. والقيادة كذا وكذا .. كلها أيجابيات !!.

ولكن ياترى هل فعلاٌ هذا ماقاله أبوعصام للوفد؟؟؟.

بالتأكيد لاء!!... لقد أخبرني شخصياً وعلى أنفراد بالتفاصيل حيث قال :

ـ من دون خوف أو تردد نقلت لهم كل الحقائق.. وأخبرتهم بأن اليوم حالة غير طبيعية ، حتى الطبخ مسألة تحدث لأأول مرة... تفهموا الموضوع وشكروني!!.

ولكنه بالتأكيد نقل العكس الى ( المخابرات ) وأدارة السجن!!.

بعد شهر أو أكثر.. صدر مرسوم جمهوري بأعفاء ( أبو عصام ) من ثلاثة سنوات من محكوميته..تكريماً لما قاله للوفد الزائر ..!!.

أغبياء .. أعتقدوا أن أبوعصام نقل مايريدون !!.

للأسف الشديد .. لقد بقى / أبو عصام في السجن لحد ما توفي في غرفته !!.

الله أكبر على هالمآساة ... بكينا أيضاً عليه.. كان لطيفاً وودوداً.. يحفظ المئات من القصائد الشعرية !!.

هكذا قضينا سنوات من شبابنا في ذلك المكان.. كانت أيام صعبة لاتنسى!!.

هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالى

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com