الراعي ... والثعبان ..!!

جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

فولكلورنا الكوردي مملؤ بالحكم وألأمثال العظيمة..شأننا شأن بقية الشعوب في أنحاء المعمورة ..فولكلورنا وقصصنا الشعبية نابعة من حقائق عاشها أجدادنا العظام .. والعظيم في تلك القصص إن جيلاً بعد جيل مكن ألأستفادة منها وإتخاذها كمثل لحياته وحياة أحفاده .. وهكذا جيل بعد جليل .. ولكن ياترى :

كم منا أستفاد من تلك القصص والحكايات وألأمثال ...؟؟.

في قديم الزمان كان هنالك راعي ، يرعى أغنام قرية ما ..زوجته توفت منذ سنوات وتركت له أبناً ..نظراً لحبه لزوجته قرر أن لايتزوج من بعدها.. أهتم بالولد حتى أصبح شاباً وبالمقابل أصبح الراعي كهلاً بالكاد كان يقوم بواجبه !!.

في النهار كان يخرج بقطيع الغنم الى السهول والوديان الخضراء .. حيث مساحات شاسعة من الخضرة وينابيع من المياه.. تلك المنطقة كانت جنة الله على ألأرض !!.

في كل يوم كان يبقى بعيداً عن القرية لحد العصر.. حينها رويداً رويداً يتحرك ليصل الى القرية قبل الغروب ..!!.

حين العودة كان ولده قد هيأ لقمة أكل لتناولها معاً .. بالرغم حالهم ووضعهم الردىء إلا أنهما كانا سعيدان !!.

في كل مرة كان ألأبن يكرر طلبه ويقول :

ــ بابا .. كبرت..لابد أن أقوم بالواجب.. حان الوقت لتستريح!!.

لكن الوالد كان يفكر بالعكس ويرد عليه :

ــ ياوحيدي.. راحتي من سعادتك.. أنت المدلل لايمكن أن تقوم بهذا العمل الشاق.. أنا ومنذ عقود هذا عملي..لازلت قوياً .. أصبر وأنتظر !!.

في أحد ألأيام وكالعادة كان الراعي يرعى أغنامه.. وكان منشغلاٌ بأعادة وجبة من الطعام.. وإذا فجأة يرى شيئاً ومنظراً أغرب من الخيال !!.

رأى ثعباناً بطول عدد من ألأمتار.. غليظ ..له قرنان.. خرج من جحر كبير.. وقف في مكانه وبدأ يتكلم :

ــ أيها الراعي.. لاتخف.. أنا صديق.. لدي أقتراح!!.

تبسمر الراعي المسكين في مكانه ..أي أتفاق ..؟؟ أي كلام ..؟؟ ثعبان بهذا الحجم ويتكلم ؟؟؟.

شعر الثعبان بحال الراعي.. طمأنه وقال :

ــ قلت لك لاتخف.. وإذا كنت فعلاً خائفاً سأعود الى بيتي وكل شىء أنتهى!!.

حاول الراعي أن يكون أشجع.. لذلك نطق وقال :

ــ تفضل أأمر..ماذا تريد أنا حاضر!!.

قال الثعبان :

ــ جيد آلآن نستطيع أن نتفاهم ... شوف :

أريد منك كل يوم ( طاسة )* من الحليب الطازج .. بالمقابل سأكافئك بليرة ذهبية ولكن بشرط!!.

قال الراعي :

ــ طاسة .. طاستان .. ثلاثة ..الخير كثير.. ولكن أرجوك من غير مقابل.. وآلآن تفضل أشرط وأنا حاضر !!.

قال الثعبان :

ــ شرطي ألأول أن تقبل الليرة.. من دونها لا أريد الحليب.. ثانياً أن تحتفظ بهذا السر ولاتخبر أحداً.. أتفقنا ..؟؟.

قال الراعي ـ لايزال منبهر ـ :

ــ وأنا موافق.. ولكن متى تريد الحليب ؟؟.

قال الثعبان : آلآن !!.

نهض الراعي وهو يرتجف من المنظر.. حلب له المطلوب ووضعها بالقرب منه وأبتعد فوراً!!.

بعد لحظات تناول الثعبان الحليب.. دخل الجحر.. خرج وفي فمه ليرة ذهبية وضعها في  (الطاسة ) وعاد مرة أخرى  الى الجحر !!.

أسرع الراعي فوجد فعلاً هنالك ليرة ذهبية حقيقية في الطاسة .. تناولها وهو يكاد أن يطير من الفرح..لله الحمد لقد ولى زمن الفقر !!!.

ظل ذلك النهار يضرب أخماس في أسداس.. هل يخبر أبنه أم لاء؟؟ بعد تفكير تذكر الوعد الذي قطعه للثعبان .. حينها قرر أن لايخبر بني بشر.. أنه رزق الهي لماذا يخبر أحدا؟؟ً!!.

وهكذا في كل يوم تتكرر العملية .. المفاجئة التي لم يتوقعها ولم يحسب لها أي حساب.. بعد فترة يتمرض الراعي.. مرضه كان لابد أن يبقى في الفراش .. وهنا لايوجد من يقوم بواجبه غير ألأبن!!.

في الليل جلس مع ولده وأخبره بالحقيقة وتوسل به أن لايخبر أحداً لكون ألأتفاق هكذا وإلا سيخسرون ثروة طائلة !!.

طمأنه أبنه وأقسم أن تبقى المسألة بين ألأثنين ولايخبر أحدا!!.

في اليوم ألأول خرج ألأبن وكالعادة خرج الثعبان.. شرب الحليب ووضع الليرة في الطاسة.. وفي اليوم الثاني والثالث وهكذا !!.

في أحد ألأيام ( وسوس ) الشيطان برأس الشاب وقال مع نفسه :

ــ هذه بحاجة الى وقت طويل.. لماذا لا أقتل الثعبان وأحفر البيت وأستخرج الكنز جميعا.. أفضل من كل يوم ليرة.. فكرة جيدة !!.

في اليوم التالي أحضر معه عصا غليظة.. ما أن شرب الثعبان الحليب وعاد ليجلب الليرة .. حتى كان الفتى قد خبأ نفسه وراء البيت.. ما أن خرج من الجحر حتى ناول الثعبان بضربة مميتة على رأسه.. وكانت ضربة قوية ويصاب ألأفعى بجرح في الرأس.. حينها أراد أن يوجه ضربة أخرى.. لكن الثعبان كان ألأسرع.. يلتف ويلدغه لدغة مميتة ويموت الراعي الشاب في مكانه!!.

يتأخر الراعي عن موعده.. أهالي القرية يبدأون بالقلق.. ألأنتظار قاتل.. والمسافة بعيدة والليل حالك.. ينتظرون الى الفجر.. حينها يتوجهون الى المكان المحدد فيجدون ألأغنام في مكانها.. لكن الراعي قد فارق الحياة وبجواره عصا وهنالك دماء !!.

من خلال المنظر وأداة الجريمة عرفوا بأن المسألة ثعبان أو حيوان أخر.. ولكن الرعي ، أي ( ألأب ) عرف التفاصيل فوراً!!.

بعد أيام من مجلس الفاتحة قرر ألأب العودة الى عمله !!.

وصل الى المكان المقرر..أنتظر .. أنتظر.. وضع ( طاسة ) الحليب بالقرب من بيت الثعبان.. الثعبان لم يخرج!!.

حينها وقف بالقرب من البيت وصاح :

ــ ياصديقي.. أيها الثعبان .. أخرج لنتفاوض.. لازلت على العهد.. أنسى الموضوع ..أبني كان المعتدي.. من جانبي أتنازل من حق ولدي الوحيد.. أرجوك لنعود الى أتفاقنا !!.

بعد فترة ..خرج الثعبان وأثار الجرح على رأسه.. تعبان.. هزيل ..لايقوي حتى على الكلام بصورة جيدة .. مع ذلك قال :

ــ ياصديق ألأمس.. أنسى.. عد..لا أتفاق بيننا!!.

قال الراعي : أرجوك.. هنالك أتفاق وأنا على وعدي وعهدي!!.

ضحك الثعبان وقال :

ــ أيها الراعي.. أنت فقدت ولدك الوحيد .. وأنا الذي قتلته .. وبالمقابل كاد أبنك أن يقضي على حياتي!! ياترى لماذا ؟؟ هل عملت لكم شيئاً؟؟ هل خرقت العهد!!؟؟.

حاول الراعي أن يبرر بأن أبنه شاب ( طائش) مجرد مغامرة خاسرة ودفع الثمن.. حينها قال الثعبان :

ــ أنظر ياصديق ألأمس، وعدوي الحالي: .. أنت أب.. لايمكن أن تنسى ولدك الوحيد .. بالمقابل أنا الثعبان لايمكن أن أنسى تصرف أبنك.. ولاتصدق أن أثق بك.. وهذا من حقك أن تحمل الحقد تجاهي.. وأنا ألأخر كيف أنسى هذه الجروح ؟؟؟ في أمان الله ..أنسى ولن تراني ثانية.. مع السلامة.

أنتهى من كلامه ودخل البيت!!.

بكى الراعي بمرارة.. فقد أبنه وفقد مال وفير..لولا حماقة أبنه لأصبحوا من أثرى ألأثرياء.. مع ذلك لم يفقد ألأمل.. ظل لأشهر يحلب الحليب وينادي.. وينادي.. يبكي.. يتوسل .. ولكن من غير جدوى.. حينها عرف أن المسألة أنتهت.. وإن الثعبان صادق في كلامه !!.

مربط الفرس /

قبل كل شىء ، يشهد الله علي.. أتمنى ومن كل قلبي أن يعم الوطن ألأمن وألأستقرار وأن يعيش الجميع بمحبة وسلام ولايعكر جوهم أي شىء.. ولكن المصيبة أن ألأرهابيون أولاً ودول الجوار ثانياً وأمريكا ثالثاً وحكومتنا رابعاً أرتكبوا الكثير من ألأخطاء.. النتيجة هذه التي نراها .. قتل وتهجير وخطف وتهديد.. بأختصار زرعوا الشر في نفوس وعقول حتى ألأطفال !!!.

بعد كل تلك ألأخطاء :

يجري الحديث هذه ألأيام عن المصالحة الوطنية .. وتلك نعمة مابعدها نعمة.. ولكن هنالك عدد من ألأسئلة :

ــ ياترى لماذا لم تتم تلك المصالحة قبل سنوات؟؟؟.. بعد كل تلك العمليات وزرع الفتنة والطائفية يفكرون بالمصالح الوطنية ؟؟؟.

بعد كل هذه الدماء.. وآلآف القتلى بين شرائح المجتمع العراقي.. ياترى هل هنالك ثقة تامة وكل شىء أنتهى وصافي يالبن!!؟؟.

هل سينسى ( الراعي والثعبان ) تلك الحادثة وتعود المياه الى مجاريها ..؟؟.

وعشرات ألأسئلة ألأخرى !!.

أتمنى أن أكون مخطئاً وكل شىء تمام التمام.. والجميع ينسوا الماضي..وألأهم أن لكل عراقي قلب كبير ويجب أن يفكر أولاً وأخيراً بالوطن وألأجيال القادمة وأستقرار البلاد!!. .. أتمنى أن ينسى الجميع الماضي ويفتحون صفحة جديدة ويعيشوا بسلام .. أمين يارب العالمين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* طاسة / مصطلح بالعامية وتعني ـ كاسة من الفافون أو النحاس ـ يستوعب بحدود لترين من الحليب أو أقل بقليل .

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com