الشهيد الذي ذبح مرتين

باسم السعيدي / بغداد

basim_alsaeedi@yahoo.com

لايشير هذا العنوان الى شهدائنا الأبرار الذين ذبحوا أكثر من مرة بسبب خسة ونذالة التنظيمات المشبوهة التي تتمسح (بتربة الوطن) وتزعم الدفاع عنها، ففي أغلب الأحيان نسمع أو نرى أن جنازة شهيد في رحلتها الأخيرة الى مثواها ورقادها الميمون تمر على شفرة الذباحين ثانية هي ومواكبوها ممن ينهض بالواجب الكفائي حيناً (أقصد به مراسم التغسيل والتكفين والدفن) أوبعمل المثوبة أحيانا (التشييع)، فيذهب هؤلاء وهم على موعد مع الشهادة من دون علم منهم.

كثرت تلك الأحداث، وطرقت أسماعنا أحداث أخرى كتشويه سمعة المغدورين والشهداء بتهم تطلق جزافاً الغرض منها هو تسويغ عمليات القتل وإرتكاب الجريمة المنظمة ، وبذلك يكون الشهيد قد قتل مرتين.

اليوم كان شهيد آخر من طراز آخر يمر على شفرة الذباحين مرة ثانية، ولكن هذا الذبح كان على شفرة القلم ويحزنني أن يكون حملة الأقلام أو من المحسوبين عليهم ممن يرتكب جريمة (التسويغ) بعلم أو من دون علم ، فالكاتب (وهو صانع للرأي العام) يعدُّ قائداً في المجتمع وزعيماً لقرّائه يقودهم حيث يريد ويوردهم المنهل الذي يشاء وعليه أن يتقي الله في كل ذلك، فإن كان عالماً بإساءته وقاصداً لها فهو شريك في الجرم وإن برَّأه القانون، لكنه أمام شعبه والتاريخ (وضميره النائم) مدان.

الذبيح الذي نعاه الأبعدون قبل الأقربين هو جسر الصرافية، ذلك المعلم الحضاري والإنساني والخدماتي الذي لايستطيع أي بغدادي بل أي عراقي إستيعاب الخسارة الفادحة التي قذفت به الى قعر دجلة الذي إحتضنه كما تحتضن الثكلى صغيرها الذبيح.

لاأظن أن بغدادياً لاترتبط ذاكرته أو إحدى مفرداتها بجسر الصرافية، فالسباحة على ساحل دجلة يجعل من الصرافية دليلاً يشير الى السبّاح بإتجاهاته، وفضاءاته (بارومتر) يحدد المسافة بينه وبين (الجرف).

وكان جلُّ المراهقين من البغداديين يشكون الجفاء الذي يجدونه من الحبيبة الأولى التي تطرق أبواب قلوبهم الغضَّة.

كل من لديه همٌّ كان يجد نفسه وهو يتعرف على شوارع بغداد ووجهه الطيب يجد نفسه في النهاية يحاكي دجلة الخير في إطلالة على الصرافية، هذا إن لم يكن يجد أجمل اللحظات وهو يناجي دجلة من على (ممشى السابلة) في جسر الصرافية.

أذكر أنني كنت أجلس على جانب الأعظمية المطل على دجلة .. بالقرب من الكسرة أتصفَّح وجه دجلة .. وصورة الصرافية المنعكسة على صفحتها الفضية مع إنعكاس ضياء الشمس عليها هو الآخر .. وكأن هذا الثالوث هو اللازم الذي يرتبط مع إفتضاض بكارة الكلمة .. والمعنى .. وعشق الأرض الطيبة.

كنت أحادث دجلة والصرافية (في عام 1986) وأشكو إليهم تيار الدم الجارف الذي يطيح بجماجم شبابنا من أجل (طيش) القائد الضرورة .. ومن لفَّ لفَّه، كنت كمن يبث همومه الى أمه.. وكانت دجلة ومازالت الأم الرؤوم .. تلك التي خدَّها الله على وجه العراق لتحوط بذراعيها أبناء العراق، وإن إستشهدت أمي الأخر .. إطلالة الصرافية.

لم أتخيل قط أن أجد من يشكك ولو في لحظة بجريمة قتل الصرافية، وأخص منهم أبناء العراق، والبغداديين على وجه الدقة، فالصرافية وتين قلب بغداد.. وشريانها النابض، أفيشكك أحد بوتينه؟

جاء المدعو (غاندي محمد عبد الكريم الكنزنزاني) ليضع دائرة من الشك على (مفهوم) جريمة إغتيال جسر الصرافية في صحيفته (المشرق)، ومن يعلم من هو والد السيد غاندي والسيد نهرو وعلاقاته بدائرة الأمن العام في عهد نظام الطغيان المقبور، وإرتباطه المباشرمع عبد العزيز الخطيب مسؤول شعبة الدراسات الدينية في دائرة الأمن العام وإقتراحاته (سيئة الصيت)، ومراسلاته مع الهارب (عزة إبراهيم الدوري) مشهورة شهرة رايات مكة الحمراء، ولسنا بصدد البحث في تأريخ هذه العائلة (الكريمة) التي إستبدلت الديمقراطية بالطغيان في رمشة عين لأن (التلون) ديدن الذين لا ثوابت لهم سوى الكسب .. والكسب فقط.

ففي صحيفة المشرق (العدد 947 – السنة الرابعة – 23/نيسان/2007) الصفحة -5

في خبر عن بناء جسر عائم بين الكريعات والكاظمة نشر عن لسان صابر العيساوي أمين بغداد حديثاً وحين وصل الى العبارة التالية كتبها بالشكل التالي " خصوصاً بعد تعرض جسر الصرافية الى التفجير (الإرهابي)" – إنتهى الإقتباس.

ويعلم الجميع بأن وضع الكلمة بين هلالين يعني عدم الإقرار بها، ونقلها على ذمة المتحدث، وهنا يعني هذان الهلالان أن السيد غاندي لايعترف بأن إغتيال جسر الصرافية عمل إرهابي، ويدخل هذا الـ (تبويب) بعنوان آخر .. ربما يكون – مقاومة للإحتلال – وربما تقديم خدمة الى أهالي بغداد من خلال طمس أحد أكبر معالمها .. وأطول جسر في العالم (صبيحة إفتتاحه عام 1946).

إن الدم الذي يجري في عروق كل عراقي يصرخ فيه ليلاً ونهاراً .. ليحزن على ما يجري في العراق لأهل العراق وأبنائه، وأما من لايجد صدى ذلك الصراخ يصَّعَّد مع أنفاسه .. فليبحث عن أصوله .. فليست عراقية بكل تأكيد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com