|
من دفتر ذكرياتي في أبو غريب / (الصحفي نجم السعدون) (9) جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية
من ذكرياتي في معتقل / أبوغريب ..كان معنا الكثير من ( المظلومين) لم يرتكبوا ذنباً ليحاسبوا عليه عقوبة يوم واحد من الحبس ، مع ذلك حكموا بالأعدام والمؤبد.. وأودعوا هذا المكان المظلم وبقوا سنوات طويلة من عذاب ومرض وأهانة.. لابل منهم من توفى هناك وأخرجوه بالعرض من البوابات ..!!.**************من الشخصيات التي أحببتها وجلست معها لساعات طويلة من دون الشعور بالملل ،أستمع لكلامهم الممتع المفيد ، كثيرون .. منهم الصحفي المرحوم / نجم السعدون( أبو مصعب ) ..صاحب أفكار العظيمة والجريئة في آن واحد .كان في العقد الثامن من عمره .. ذكي .. مثقف .. صحفي وشاعر .. خزن في ذاكرته الكثير .. عاشر الكثير من الشخصيات الوطنية في العهد الملكي ، كان يتكلم بأدب حتى مع الشباب الصغار .. كلامه حلو وذات مذاق كالعسل الجبلي!!.لأبا مصعب ( كما كان يحلو تسميته ) ، قصة أغرب من الخيال.. أنقلها بأمانة ليطلع عليها القارىء الكريم.. من يعلم لعل هذه المذكرات تطبع ويطلع عليها آلملايين من الناس؟؟ .أبا مصعب .. كان شجاعاً ، لايهاب.. ينتقد السلطة بكل شفافية وجرئة .. كنت أحذره بأن لايتحدث أمام الجميع هكذا.. كان يضحك ويقول :ــ أبا آلآن.. من شنو أخاف ..؟؟ العمر خلاص.. قضيت 16 عاماً هنا من غير ذنب !! دعهم يضاعفوا العقوبة .. وثم ماذا ؟؟؟.نعم ( أبا مصعب ) كان محكوم بالمؤبد / عشرون عاماً ومن دون أن يرتكب أية جريمة حتى يعاقب هكذا !!... حكاية عقوبته كانت كالآتي :كان ( مصعب ) أي ولده ، يعمل ( مهندس بترول ) في المملكة العربية السعودية ومنذ عقود ، وكان والده ( نجم السعدون ) بين فترة وأخرى يزوره ، زيارة ألأبن والقيام بالعمرة وأحياناً أداء فريضة الحج أيضاً .صباح أحد ألأيام طلب منه ( مصعب ) أن يرافقه الى المنشأة ( مقر عمله ) لكون الكثيرون من زملائه يرمون التقائه.. وافق فوراً ( ياريته لم يوافق )!!.في ذلك النهار صادف وجود وفد ( فني ) من وزارة النفط العراقية ، كانوا في زيارة لتلك المنشأة للأطلاع على بعض ألأمور الفنية ، ومن ضمن منهاج الزيارة اللقاء بالمهندس ( مصعب ) وتناول الشاي معاً .تفاجأ ( أبو مصعب ) بأن رئيس الوفد العراقي هو أحد معارفه ومن نفس العائلة ،ولكنه لايعمل في مجال النفط بل أنه مسؤل كبير في جهاز المخابرات العراقية!!.بالمقابل يبدو أن رئيس الوفد قد تفاجأ بوجود ( أبو مصعب ) في ذلك المكان.. ولكن المسألة كانت طبيعية بالنسبة الى ( أبو مصعب ) !!.بعد أنتهاء الزيارة والتوديع ، همس / رئيس الوفد بأذن / أبو مصعب طالباً منه أن ينفردا لدقيقة لأمر مهم !!.وافق /أبو مصعب ، فقال رئيس الوفد ومن غير مقدمات :ــ شوف أبو مصعب.. لاتخبر أبنك بأنني أعمل في المكان الفلاني.. إذا أخبرته ستكون النتائج وخيمة عليك وعلى عائلتك!!.تعجب / أبو مصعب من هذا ألأسلوب.. فرد عليه :ــ منو أنت حتى تهددني هكذا .. ؟؟ أفعل ماتشاء!!.بعد هذا أنصرفا.. وأنتهى كل شىء!!، ولكن مصعب لاحظ التوتر على وجه والده ، بعد الحاح أخبره بالواقع!!.حينها قال مصعب :ــ بابا..عليك البقاء هنا.. سأقوم بترتيب أوراق ألأقامة.. هؤلاء لايرحمون سيدبرون لك مشكلة !!.ضحك ( أبو مصعب ) لابل أستهزأ بكلام ولده.. وأنتهى ألأمر !!.بعد أسابيع ، يعود / أبو مصعب الى بغداد.. في أحد ألأيام يخطف من الشارع ويودع زنزانة منفردة في المخابرات.. بالحقيقة لم يعرف السبب ، ولكن بعد البدأ بالتحقيق تذكر المسألة ولكن متى؟؟ بعد أن ( وقع الفأس بالرأس) !!.الغريب في ألأمر أن نفس الضابط هو الذي كان يحقق معاه ويوجه اليه ألأسئلة وكالأتي:ــ ماذا كنت تعمل في تلك المنشأة؟؟.ــ لماذا لايعود أبنك الى العراق ويعمل في المنشآت العراقية .ــ علاقتك بالمخابرات السعودية !!؟.ــ عشرات ألأسئلة التافهة ؟؟؟.أجوبة / أبو مصعب كانت صريحة وواضحة :ــ كنت في زيارة ولدي.. وهذه ليست الزيارة ألأولى .. أبني يعمل منذ عقود هناك.. لا أعرف أحد في المخابرات السعودية .. !!.بعد حبس لعدد من ألأشهر.. كانت العقوبة جاهزة.. الحكم بالأعدام بسبب تجسسه لصالح المخابرات السعودية!!!.بعد فترة يودع / أبو مصعب معتقل أبو غريب وتخفف العقوبة الى المؤبد ، ويقضي فيها 18 عاماً وعدد من ألأشهر ..من غير ذنب وتهمة تستحق السجن يوم واحد!!.أبو مصعب / كان كريماً ، يساعد جميع الفقراء.. في كل مواجهة ، كانت العائلة تجلب له الكثير من المواد والمعلبات والمال.. كان يأكل القليل والباقي يوزعها على الفقراء..كان يساعدهم حتى بالمال!!.بعد كل تلك الفترة.. وأصدار عشرات من ( العفو العام ) يظل أبومصعب في أبوغريب.. في صباح أحد ألأيام تلقينا خبراٌ بأن أبو مصعب قد أنتقل الى جوار ربه.. نعم لقد وقف قلبه الكبير من النبض... مات أبو مصعب..يا الهي..بكينا عليه..هذا كل مانقدر عليه.. حملناه وودعناه وكان حدنا حتى البوابة..ثم عدنا وأقمنا له / مجلس فاتحة!!.نعم لقد قضينا أيام مرة..لايمكنني أنساها طالما أنا على قيد الحياة...هكذا كان قدرنا..إنا لله ... هنالك حلقات أخرى أنشاءالله تعالى.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |