نشوء العلمانية في بلاد الشرق

 

السيد عدنان الجعفري / مؤسسة اليوم الموعود الثقافية

الكوفة العلوية المقدسة

al_moaood@yahoo.com

نشوء العلمانية في بلاد الشرق

العلمانية هي مصطلح من الأصل للاتيني ويسمى (سكولار) ويعني (الدهر)أو الدنيا وقد تحول هذا المصطلح شيئاً فشيئاً على كل ما هو (دنيوي) مقابل كل ما هو (ديني) , وبعبارة أخرى يطلق مصطلح (السكولارية) _ أي_ العلمانية في الفكر الغربي على كل ما يتعلق بهذه الدنيا ولا يتعلق بالقضايا الدينية والأخروية . والمصطلح الأخر الذي يستخدم في القاموس الغربي للدلالة على هذا المذهب الفكري هو (اللائيكية) وهي كلمة مأخوذة من الأصل اليوناني ويعني (الشعب) وهو يستخدم للدلالة على (العوام) في مقابل (( أهل العلم ورجال الدين والكنيسة )) واللائيكية هي نظام سياسي لإدارة البلاد ليس لرجال الدين فيه أي دور وبذلك ترى السكولارية واللائيكية , أنه ليس للدين حق التدخل في شؤون الحكم وعلى رجال الدين الابتعاد عن السياسة , ولابد أن يكون النظام السياسي لا مبنياً ولا يقوم على أساس عقيدة أو دين معين وأن يحص الدين في العبادات والمعتقدات الشخصية للفرد . وفي هذا النمط عن التفكير مصطلح (العلمانية) وهذا يعني مفهوم (السكولارية) أو (اللائيكية) الذي يعادلهما بالعربية مصطلح (العلمانية) أن ينبغي على الدين ألا يتدخل في السياسة . وقد نشأ هذا المعتقد الخاطئ في بلاد الغرب ولم يكن للشرف أي نوع من هذا الفكر قبل نشؤه في المجتمعات الغربية نتيجة تصرفات الكنيسة المنحرفة حيث كانت هذه الكنيسة أكبر سند للنظام الإقطاعي الذي ساد في القرون الوسطى من جهة ومن جهة أخرى ممارسة الكنيسة الاستبداد الديني الشديد وتناقضها مع تعاليم المسيح والسيطرة على إدارة الشؤون السياسية وهذا ناتج من الانطباعات السيئة التي أخذت عن المسيحية المحرفة وتعاليم الكنيسة وبذلك عانت المسيحية من نظرة مشتتة حيث اعتبرت (الدين) و(الدولة) قطبين متناقضين ومتخالفين , أي أن على كل من يريد الآخرة التخلي عن الدنيا وبذلك أعلنت المسيحية بصراحة (أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) وبهذه الطريقة تكتب الازدواجية والفصل بين الدين والسياسة الصفة الرسمية . عندما أرادة الطبقة النفعية الفقهية أن تنحي الإقطاع وتسيطر على السلطة وجدت الكنيسة الكاثوليكية أكبر عقبة في  طريقها فلكي تقضي هذه الطبقة على نفوذ القساوسة وتجتاز هذه العقبة الكأداء , طرحت مبدأ فصل الدين عن السياسة الذي كان يتلاءم أيضاً مع النظرة المتشتتة للمسيحية المحرفة , وهذا السلاح أدى إلى كف أيدي القساوسة والكنيسة عن الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية . فمن الواضح بعدما تطرقنا له نجد أن مبدأ فصل الدين عن السياسة نشأ عن الظروف الخاصة بالغرب , وهو ناجم عن النظرة الفلسفية المسيحية وغط التكفير اليوناني الذي أعتبر (الدين والدولة )أو (الدنيا والآخرة) قطبين متناقضين ومنفصلين . وهذا النمط من التكفير مختص ببلاء الغرب ولا جذور له في تأريخ المشرق وثقافته , ففي القاموس الإسلامي لا يوجد نظرة فصل الدين عن السياسة بل أن السياسة تقوم على أساس الدين ولا يعين للمناصب السياسية الحساسة إلا المؤمنون بالإيديولوجية الإسلامية . ولم يكن في صدر الإسلام أية حدود بين الدين والسياسية , فكان الزعيم الديني يمارس الزعامة السياسية أيضاً , وكانت الوظائف الإسلامية للدولة الإسلامية تحقق النظام والاستقرار وتأمين مصالح الناس وتنظيم العلاقات الاجتماعية , فضلاً عن توفير مستلزمات التسامي الروحي والسعادة المعنوية ونشر الإيديولوجية الإسلامية , كما أن قوانين الدولة تقوم على أساس الدين , وهكذا نجد الإسلام على خلاف المسيحية ذات النظرة المتشتتة التي تفصل بين الدين والدنيا وذلك فأن الإسلام يتمتع بنظرة (توحيدية) ولا يقسم (الوجود) إلى قطبين منفصلين عن بعضهما , فلا فصل بين الدين والسياسية في الإسلام حيث كان النبي (ص) زعيماً للشؤون الدينية وزعيماً سياسياً للناس في آن واحد وكان الذي يعينهم للحكم مسئولين عن الشؤون الدينية والدنيوية معاً , خلافاً للمسيحية والأديان الأخرى التي تفتقد إلى الأبعاد السياسية والاجتماعية . والإسلام نظام جامع وشامل يتميز بأنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية وحقوق خاصة به , من هنا تعد فكرة الفصل بين الدين والسياسية في العالم الإسلامي فكرة غربية أجنبية تماماً غير ناجحة عن الحقائق الموضوعية للشرق وتأريخه وثقافته ووجهته الفكرية . وهذا يعد ثابتاً من ثوابت الفكر الإسلامي الأصيل والغير مشوه . ومن الجديد بالذكر أن فترة انحطاط  البلدان الإسلامية وركودها أي بعد حملات المغول

 وشيوع التصوف ودخول المفاهيم المسيحية والبوذية , ونجاح المخططات المعادية للإسلام في تمزيقه وتفتيت وحدته , شاع بين أوساط علماء الدين نوع من (العلمانية) على الطراز الشرقي ودخول مصطلحات الدين تؤمن غريبة على الفكر والحضارة الإسلامية , وصارت فئة من علماء الدين تؤمن بأن السياسية مسألة دنيئة لا ينبغي لهم تلوث أنفسهم بها , فهذه الرؤية المتمثلة بعدم تدخل علماء الدين في الشؤون السياسية والفصل بين الدين والسياسية التي شاعت بين الأوساط التقليدية أشاعت نوعاً من (العلمانية) المتلبسة بالقداسة والتي شجعتها دائماً وألا إسلامية عن البيئات المسيحية والأديان الهندية ولم يكن يتلاءم مع روح الإسلام بل ونبذته الأوساط الإسلامية الأصيلة وأكثرية المسلمين الساحقة وهكذا نلاحظ أن نظرة المسلمين الفلسفية وظروف العالم الإسلامي تختلف بهذا الشأن عما هو في الغرب , فضلاً عن أنه لم يكن في البلدان الإسلامية وجود الأوضاع الكنيسة الخاصة التي كانت عقبة أمام تغير ( الوضع القائم ) وتجبر المثقفين على طرح فكرة فصل الدين عن السياسية بكل قوة , فلم يكن الدين في تأريخ المجتمعات الإسلامية نصيراً للمستبدين والظالمين , بل كان قاعدة للمستضعفين ومنطلقاً للثورات والتغيرات الاجتماعية . وكانت الجماهير أيضاً تؤمن بالإسلام أيماناً شديداً , وصار من الثابت أنه لا يمكن لنظام سياسي أن يتمتع بدعم الشعب الواسع ألا إذا قام على أساس القوانين الإسلامية , وهكذا نلاحظ أن الشعب اقتباس البلدان الإسلامية فكرة (العلمانية) لم يكن أمراً مسوغاً أبداً , ولم يكن أمراً صحيحاً على الإطلاق دخول هذه الفكرة التي تعد وليدة الظروف المسيحية الخاصة وتأريخ أوربا . وهكذا تجد أن للعلمانية والتيار العلماني دور فعال في العراق رغم وجود الأغلبية المسلمة والمتمسكة بأسلاميتها وتعتبر أن الدستور الإسلام دستوراً متكاملاً ونظاماً مستنداً على أسس الحكمة الإلهية والشرعية السماوية ألا أن دور الزعماء الإسلاميون الغير فاعل في العراق أعطى فرصة للتيارات القومية والعلمانية بالسيطرة على مقاليد البلاد والسير باتجاه ركب الفكر الغربي والمخططات العادية للإسلام من حيث يعلمون أولا يعلمون رغم وجود المرجعيات الحركية والميدانية المطالبة بتفعيل دور القرآن والرسالة المحمدية الأصيلة ألا أن الحرية الإعلامية (التسقيطية ) لهؤلاء العلماء من قبل نفس رجالات الدين فضلاً عن مساندة التيارات العلمانية والغربية لكل فكرة إسلامية (ظاهراً) تكون نتائجها في مصلحة المشاريع والمخططات الغربية الإستكبارية ومن الأمثلة على تلك الفكرة هي ظهور تيار ديني لا يقبل قيام الحكومة الإسلامية وبدستور إسلامي بحت . بحجة بعض الروايات التي يستندون إليها بأن (( كل راية قبل قيام القائم (عج) راية ضلال )) لذلك فأن أي حكومة تقام قبل ظهور المصلح الأكبر في قيام الدولة المهدوية فهي راية ضلال وهذا يعني أن راية الضلال يجب أن تحارب وتكافح لأنها (راية فساد) في نضرهم وبذلك فقد تركوا أصحاب هذا الرأي الحبل على الغارب وفسحوا المجال للتيارات المعادية للإسلام بدعم هكذا أفكار ونشرها بين الناس البسطاء مما يؤدي في النهاية إلى إضعاف الحركة الإسلامية والفكر الإسلامي ومن قبل المروجين لهكذا أفكار     من داخل المجتمع الإسلامي ومن خارجه هذا من جانب المرجعيات الدينية الشيعية  أما المرجعيات الدينية السنية فتكاد تكون الطامة الكبرى فلم نجد أي دور لرجالات الدين بالمطالبة بحاكمية الإسلام ودستور السماء بل كان المجال مفتوحاً للتيارات العلمانية في التصرف  في أمور  البلاد كيف شاء ولم يأمروا بألمعرو ف وينهوا عن المنكر حيث نرى في تاريخنا الحاضر أن زعماء الدول * كلهم من ابنا ء السنه ويحكمون بدستور علماني و قوانين وضعيه ما انزل الله بها من سلطان ؛ هذا لايعني عدم وجود الإسلاميين الشرفاء المطالبين بأن يكون للأسلام دوراً في الحياة ألا أن التيارات السنيه المتطر فه أمثال الوهابية والسلفية والتكفيريه لم تعطي للأسلام صوره مشرفه سوى التطرف في الرأي والتعصب الأعمى وإلغاء دور الأخر من اخوانهم المسلمين وهذا التشتت والتمزق بين الإسلاميين بمختلف مذاهبهم   أعطى فرصه ذهبيه لانتشار الفكر الغر بي والتيارات ألقوميه والعلمانية وغيرها  وخاصة أن من سار بسير رجالات الدين من المذاهب الأربعة لد يهم روايات ويستندون عليها بضرورة أطاعة الحاكم حتى وأن كان جائراً بل بعض التيارات السنيه ترى أن الحاكم هم من أولي الأمر الذي أمر القرآن بطاعتهم رغم  أن  هذه الروايات خاضعة للمناقشة من حيث السند والدلالة . فترى أن أتباع  أهل  البيت منذ فجر الإسلام والى يومنا هذا كانت المعارض الأول للتيارات العلمانية ولحاكميه لغير الإسلام وعدم أطاعة  الحا كم الظالم وهذا المبدأ من ثوابتهم قد تجرعوا بها الويلات والقتل والتشريد والاباده وعلى مر الأزمنة و العصور من قبل أعداء الإسلام وأنصار  الصليبين المتطرفين واليهود . أما الأحزاب الإسلامية والحركات الأسلاميه فقد  اخترقتها الأفكار المادية والدخيلة على الإسلام ويمكن تسميته ((الإسلام الأوربي المستورد )) حيث زرعت الأفكار الغربية من أمثال(( الديمقراطية )) لمفهومها الغربي وغرها على الإسلام وانتشار الاتجاه الغربي بين المجتمعات المسلمة فكراً و دستوراً من أمثال الرأسمالية والاشتراكية التي هي من صميم المجتمع الأوربي والدخيلة على الإسلام كما ولدت الحالة النفعية والفئوية الضيقة للكثير من الأحزاب الأسلاميه بمختلف توجهاتها مما أساء للإسلام والمسلمين نتيجة التطبيقات الخاطئه والآلية الضحلة التي تحركت في إطارها بعض تلك الأحزاب مما أساء للإسلام وأعطى الفرصة للتيارات العلمانية بمساندة الفكر الأوربي الذي يريد السيطرة على المجتمعات الإسلامية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com