المصارحة والمصداقية بين أطراف العملية السياسية

سناء صالح / هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

أيام دموية نصبح فيها ونمسي, الخوف والهلع ينتابنا حينما يرن التلفون فالأنباء التي تردنا من أهالينا مشبعة بالخوف من التهديدات والحالة البائسة وانعدام الخدمات أخبار تدور في فلك واحد تفوح منه رائحة الموت التي أصبحت ضمن حياة اعتدناها تقبع في زوايا كل بيت عراقي , بارقة الأمل التي تلوح أحيانا حينما ينخفض عدد القتلى جراء المفخخات أو جثث الشهداء المغدورين سرعان ما تنطفيء حينما تباغتنافي اليوم التالي أحداث وبوادر فتنة لاتعرف عواقبها ومدياتها .

 القوى السياسية وشخصيات حكوميّة تتحدث عن انفراج قريب ومشاريع مصالحة , مؤتمرات هنا وهناك , خلافات وانشطارات وانسحاب جماعي من وزارات وتصريحات متناقضة ,وأخبار متضاربة , وتبادل للأتهامات تصل الى حد الخيانة العظمى , انتهاز للفرص لتمرير مشاريع وقوانين ترتهن مستقبل الوطن, هجرة واسعة وأفواج بشرية لا تعرف الأستقرار , تشكيل لجان تحقيق لقضايا ملتهبة استقطبت اهتمام الناس لأثبت أو دحض وإزالة لبس وغموض سرعان ما تتلاشى وتميّع ولا يجري لهامتابعة بل تهمل وتوضع على الرف مع بقية القضايا , هذا بعض مايتداوله الشارع العراقي . لو تمعنّا في بعض الوقائع سنصل الى بعض الأستنتاجات فيما يتعلق بالشفافية والمصداقية ومطابقة القول للفعل.

 لو تناولنا مشاريع المصالحة والدعايات التي ترافقها والتي لاينفك الساسة العراقيون يستخدمونها في مقابلاتهم وأثناء زياراتهم وتصريحاتهم من أنهم على قاب قوسين أو أدنى من مشروع مصالحة تضم القوى السياسية الفاعلة التي هي ضمن العملية السياسية وخارجها هل استطعنا أن نكوّن صورة عمّا وصل اليه الحوار بين الأطراف المعنية والخطوات التي اتخذت واستجابةالقوى المعنية بالمشروع وما وصلت اليه , وجهات النظر فيما يتعلق بالنقاط الخلافية حتى نستطيع القول من أنّ العملية السياسية تتقدم مهما كانت بطيئة, المهم الجلوس على طاولة واحدة وتحت هدف عريض يراعى فيه مصلحة العراق وشعبه , وهنا سيحق لنا التفاؤل ونبدأ بالعد التنازلي لحالة الفوضى والأرهاب وسفك الدماء ,أما التصريحات التي تردد عن فلان من المسؤولين من أن لقاءات عقدت أو ستعقد مع جهات مجهولة لم يسموها ودون أن يحددوا هدف الأجتماع ونقاط البحث فهي ليست سوى محاولات لكسب الوقت وأيهام العراقيين بأنهم إنما يمارسون مهامهم وسيبقى إذا ما استمرت الحال الوضع على ماهو عليه . أمّا المؤتمرات التي تنعقد لأجل حل مشكلة العراق وتحت شعارات مختلفة ومسميات رنانة فهي أيضا لبست سوى مضيعة للوقت وكل مانعرفه حينما تشتعل أزمة ما تبدأ الجولات المكوكية للأطراف التي يدب بينها الخلاف متوجهة كل على حدة الى خارج الحدود ومن هناك يبدأ مسلسل التصريحات والتلميحات والشد والجذب .

إن الرغبة في حل المشاكل والوصول الى حلول تقتتضي تصرفا آخر لاكالذي يطغى على سلوك أقطاب العملية السياسية وطريقة إدارتهم للأزمة وتعاملهم مع الحدث , صحيح أنّ لبعض دول الجوار يد في ما وصل العراق اليه من أقتتال وتقاطع إلاّ أنّ تعزيز الجبهة الداخلية وتغليب المواطنة الحقة والألتفاف حول أهداف عامة عريضة وإلغاء التفكير بالطائفة والمذهب والحزبية الضيّقة سيحد حتما من التدخلات الخارجية وسيقلل من امكانية احتضان الأرهاب ويقضي على الأحتراب الداخلي .

 انّ المصالحة التي تقوم على أسس متينة ينبغي أن تبتديء بالمصارحة ,والمصارحة لاتعني الشتم والتشويه بل وضع اليد بجرأة على نقاط الخلاف والتحلّي بالحلم وتقبل الآخر وقبول النقد إذا كان بنّاء حتى يتم التوصل الى نهاية الطريق دون أن يكون هناك رابح أو خاسر , فالشعور بالأنتصار يتحقق إذا مااستطاع الجميع أن يصلوا الى بر الأمان ويقطعوا دابر الفوضى العارمة التي نطغى على الوضع في العراق , أمّا إذا اعتمدنا على الأسلوب الحالي من تبويس اللحى والتصافح بيد والطعن بالأخرى فهذا ستكون نتيجته وبالا على الجميع .

 وسأقدم نماذج لأقوال زعماء ومتنفذين لأدلل على مستوى إيمانهم بالمصالحة والمشاركة الواسعة هذه الوقائع أنقلها من خلال متابعتي لأحتفالية حزب الدعوة بالذكرى الخمسين لتأسيسه أثناء الحفل الأفتتاحي للمؤتمر حيث نقل في بث مباشر, تسمع الخطباء من رجالات الدولة وبعض الأحزاب في كيل المديح لحزب الدعوة يصل الى درجة النفاق والتملق , يفتتح الحفل الخطابي بكلمة لشخصية هامة في الحزب وكالعادة بعد البسملة والحوقلة يستذكر شهداء الحركات الأسلامية متجاهلا شهداء الحركة الوطنية من الأحزاب والقوى السياسية و الأطياف الأخرى لشعبنا العراقي ثم يجيء الدور للشخصيات ذات المراكز السيادية يقول أحدهم مخاطبا الحزب المحتفى به (أنتم أكثر حزب قدم شهداء وضحايا ) متنجاهلين دور أحزاب وقوى لها باع طويل في النضال والتضحية لو أن خطيبنا المفوّه أو من كتب له الكلمة قد قال( واحد من أكثر الأحزاب ..) لما تحسس الناس من كلمته ولاتجاوز الواقع والحقيقة ولم يكن قد صنف من المبالغين في المديح .

ثم جاء دور شخصية أخرى من ذوي المواقع السيادية ممن عرفوابالتنكيت بمناسبة وغير مناسبة وبكثرة الكلام والأسترسال الى درجة الثرثرة إذ قالأمرين جلبا الأنتباه الأول حينما ذكر حادث تفجير مقهى البرلمان واستشهاد النائب من جبهة الحوار علق بقوله أنه يحمد الله بان الشهيد من الجبهة ولو كان من كتلة أخرى لحدثت أزمة هذه حقيقة قالها السيد .... ولكن كيف قالها! وماذا كانت ردة فعل الكثير من الحضور! انطلقت القهقهات عالية متناسين بأن زميلهم الشهيد لم يجف دمه بعد . أمّا الشيء الآخر الذي يلفت الأنتباه في قول السيد... فهو حينما عاتب القوى السياسية التي تتصارع بينها داعيا الى وحدة الصف بأن هذا الصراع سيجعل الآخرين من التيارات الأخرى تضحك عليهم لأن مايجمعهم خط واحد جاعلا من القوى غير المصنفة على التيارات الدينية تقف في الجهة الأخرى حاصرا المصالحة بالسنة والشيعة مهملا دور بقية القوى , وأنا إذ أذكر هذه الأمور البسيطة إنما أريد أن أدلل على أن القوم لاتهمهم المصالحة فأية مصالحة هذه حينما تريد استبعاد شرائح مهمة في المجتمع العراقي تضم عقول نيرة وكوادر تمتلك خبرة واسعة . ان مايجري على الساحة السياسية في العراق والأنقسامات داخل الكتل ستؤثر حتما على سير العملية وتوجهها الى مناح أخرى عسى أن تكون أيجابية وأن تكون هي المفتاح للخروج من المأزق الذي وضع فيه العراق نتيجة المحاصصة الطائفية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com